يستثمر أصحاب العمل في المهارات الرقمية من أجل تعزيز قدرات القوى العاملة، بينما يظهر موظفو المملكة رغبة في صقل مهاراتهم، يُعدّ تزويد الموظفين بالمهارات الرقمية اللازمة للنجاح في أماكن عمل المستقبل، أحد الركائز الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية لرؤية السعودية 2030. ويساهم تحقيق هذا الهدف في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد على النفط، ما يمكّن القطاع الخاص من النمو ومواصلة جذب الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب تشجيع الرجال والنساء الموهوبين على حدّ سواء على الانضمام إلى القوى العاملة. ومن هذا المنطلق، يرسم استطلاع بي دبليو سي الشرق الأوسط للآمال ومخاوف الموظفين لعام 2022 الذي أجريناه مؤخرًا صورة إيجابية لأصحاب العمل والموظفين الذين يتقدّمون نحو هذه الأهداف في المملكة العربية السعودية. يقيس الاستطلاع الذي شمل أكثر من 52,000 مشارك من 44 دولة انطباعات القوى العاملة في جميع أنحاء العالم، وقد تلقّى ردودًا من 522 مشاركًا في المملكة.
بالنسبة إلى المشاركين في الاستطلاع، فإنهم متعلّمون ويركزون على مسارهم المهني. ويُعد حوالي 67% منهم خرّيجين جامعيين ويحمل 21% آخرين شهادات عليا. وتتجاوز هذه الأرقام النسبة التي شهدها الاستطلاع العالمي والتي بلغت 59% من المشاركين الحائزين شهادات جامعية أو أعلى، وبالإضافة إلى ذلك، يسود شعور بالاستقرار في صفوف القوى العاملة السعودية، حيث يشغل 93% من المشاركين وظائف بدوام كامل مع وجود فرص واضحة للتقدّم – يشغل 13% من المجموعة منصب رئيس تنفيذي أو ما يعادله، بينما يشغل 28% مناصب تنفيذية عليا (مقابل 15% عالميًا)، و32% منصب مدير (مقابل 27% عالميًا).
التكيّف مع طرق العمل الجديدة
الخبر السارّ بالنسبة إلى أصحاب العمل، هو أن نسبة كبيرة من المشاركين في الاستطلاع في المملكة العربية السعودية راضين جدًا من الناحية المهنية – 40% مقارنة بـ28% عالميًا و38% في منطقة الشرق الأوسط. وتُعد الاستجابة لطرق العمل الجديدة عاملًا أساسيًا في هذا الشعور، إذ أدرك أصحاب العمل في المملكة العربية السعودية أن العمل المكتبي قد تغيّر في أعقاب جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، وأن الموظفين باتوا يتوقّعون أن يعملوا ضمن نظام يتميّز بالمرونة، يعمل 51% من الموظفين حاليًا عن بُعد على الأقل نصف الوقت، ومن المتوقع أن تتّبع نسبة مماثلة النظام نفسه بعد عام من الآن، بينما يتوقع 30% فقط من الموظفين العمل بدوام كامل في المكتب في غضون الأشهر الإثني عشر المقبلة.
ما الذي يحرّك أجندة القوى العاملة؟
فيما تحرز المملكة تطوّرًا كبيرًا لتحقيق الطموحات المنصوص عليها في رؤية السعودية 2030، يشهد سوق المهارات تحوّلًا مع ظهور فرص للنمو وتطوّر القطاعات، لا سيما على صعيد استخدام التكنولوجيا في قطاع الرعاية الصحية وبناء المشاريع الضخمة مثل نيوم، وبالتالي، يعمل حوالي 47% من أصحاب العمل على تدريب الموظفين لتمكينهم من تولّي المهام والأدوار حيث تظهر فجوات في الخبرات، ما يثبت أن صقل المهارات هو النهج المفضّل لمعالجة النقص في هذا المجال. ويسجّل هذا الدافع لصقل المهارات مستوى أعلى من المتوسط العالمي الذي يبلغ 04%، بينما يتساوى مع متوسط منطقة الشرق الأوسط ككل. وبالإضافة إلى ذلك، يقوم أصحاب العمل السعوديين بزيادة الأجور بمعدّل أكبر (40% مقابل 33% عالميًا و38% في منطقة الشرق الأوسط) كما يعملون على توظيف قوى عاملة أكثر تنوّعًا (29% مقابل 25% عالميًا و28% في منطقة الشرق الأوسط). ومع ذلك، ما زال هناك مجال للتحسين، حيث يتخلّف أصحاب العمل في المملكة قليلًا عن متوسط منطقة الشرق الأوسط من حيث الاستثمار في التكنولوجيا لأتمتة العمل أو تحسينه (26% مقابل 32% في منطقة الشرق الأوسط) ودعم الصحة الجسدية والنفسية والعقلية لدى الموظفين (30% مقابل 33% في منطقة الشرق الأوسط).
لا شك في أن القوى العاملة الشابة تظهر رغبة في قيام أصحاب العمل بصقل المهارات ومواصلة التطوّر. على سبيل المثال، قال 38% من المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يتعلّمون المهارات التقنية أو الرقمية التي يحتاجون إليها للتقدّم في حياتهم المهنية (28% عالميًا و25% في منطقة الشرق الأوسط)، بينما أعرب 36% منهم عن قلقهم حيال إمكانية استبدال وظائفهم بالتكنولوجيا في السنوات الثلاثة المقبلة (22% عالميًا و26% في منطقة الشرق الأوسط).
تُظهر هذه الردود أن أمام العديد من أصحاب العمل في المملكة العربية السعودية فرصة واضحة لمضاعفة جهود صقل المهارات، وذلك من أجل تلبية رغبات القوى العاملة في تعزيز مهاراتهم ورضاهم الوظيفي، إلى جانب مواجهة التحدّي المتمثّل في إيجاد موظفين يتمتّعون بالخبرات المناسبة، ولا سيما لتحقيق أهداف التوظيف المحلية في المملكة العربية السعودية. وثمة ضرورة ملحة لذلك، إذ قال 33% من الموظفين في المملكة العربية السعودية إنهم يعتزمون بشكل أكيد أو مرجح للغاية البحث عن وظيفة جديدة خلال العام المقبل، مقارنةً بنسبة 30% في منطقة الشرق الأوسط ككل.
ما هو العامل الأكثر أهمية في العمل؟
في ظل انتعاش سوق العمل في المملكة، يشعر الموظفون بالتمكين وبثقة أكبر نسبيًا في القيمة التي يضيفونها. على سبيل المثال، أوضح 62% من المشاركين في الاستطلاع أنهم يعتزمون عزمًا أكيدًا أو مرجحًا للغاية طلب ترقية (مقابل 30% عالميًا و53% في منطقة الشرق الأوسط) بينما يعتزم 59% منهم طلب زيادة في الأجر (مقابل 35% عالميًا و54% محليًا). كما اعتبر الموظفون في المملكة المكافأة المالية حافزًا كبيرًا (46%) تليها مباشرة القدرة على الإبداع والابتكار (45%) وتحقيق الرضا الوظيفي (42%).
وفي هذا الصدد، تتوافق القوى العاملة السعودية مع التوجهات العالمية، حيث أظهر استطلاعنا العالمي أن الموظفين يفكّرون بعناية أكثر من أي وقت مضى حول ما إذا كانت حياتهم المهنية تمنحهم الرضا الذاتي، وما إذا كانت قيم أصحاب العمل الذين يعملون لديهم تتماشى مع قيمهم الشخصية. وقد ظهرت هذه الأسئلة إلى الواجهة بعد أكثر من عامين من التقلّبات في أماكن العمل، أولًا نتيجة جائحة فيروس كورونا المستجد يليها التعافي الاقتصادي، ومع التحوّل السريع والتغيّر التكنولوجي الذي يجري حول العالم.
نؤمن أن بناء الثقة عامل أساسي لمواجهة هذه التحدّيات. وليس على أصحاب العمل السعوديين القلق، إذ تظهر القوى العاملة درجة كافية من الثقة تجاههم، وهي في الواقع أعلى من المتوسط العالمي والإقليمي: قال 34% من الموظفين إنهم واثقون للغاية من أن أصحاب العمل الذين يعملون لديهم يتميّزون بالشفافية بشأن قضايا الصحة والسلامة (21% عالميًا و29% على صعيد المنطقة)، بينما يُعد 27% واثقين للغاية من أن أصحاب العمل يعالجون مسألة التنوّع في أماكن العمل (25% عالميًا و16% في منطقة الشرق الأوسط).
كما أوضح 26% آخرون أنهم واثقون للغاية من شفافية الشركات بشأن أثرها على البيئة، وقالت النسبة نفسها إن أصحاب العمل الذين تعمل لديهم يقدّمون الدعم والموارد للموظفين لتقليل الأثر البيئي الذي يسبّبه عملهم. ويُعد هذا الجانب مهمًا إذ تقع الاستدامة في صميم رؤية السعودية 2030 وتحوّل الطاقة، حيث التزمت المملكة بتحقيق صافي صفر انبعاثات الكربون بحلول عام 2060، تساهم مثل هذه العوامل في زيادة احتمالية قيام الموظفين السعوديين بتوصية أصحاب العمل – 60% منهم يوصون بمكان عملهم بشكل أكيد أو مرجح للغاية، مقارنة بنسبة 51% في منطقة الشرق الأوسط و37% فقط عالميًا.
الترحيب بتحدّي بناء قوى عاملة أقوى
تتمحور رؤية السعودية 2030 حول تحسين حياة جميع المواطنين وتعزيز مرونة الاقتصاد للمستقبل. وتُعد معالجة آمال ومخاوف القوى العاملة من خلال صقل المهارات، وبناء الثقة، ودعم الصحة النفسية والجسدية لدى الموظفين، عناصر أساسية لتحقيق تلك الأهداف. لقد حان الوقت لكي تستفيد الشركات من استعداد الموظفين لصقل مهاراتهم ومن شعورهم بالتفاؤل، وتضاعف جهودها لبناء قوى عاملة مدفوعة بالمشاركة والتحفيز وقادرة على تحقيق إمكاناتها الكاملة، بحلول عام 2030 وما بعده.