المالية العامة والتوقعات ودورها

12/12/2022 0
د.صالح السلطان

تعد الميزانية العامة وفق تبويب مهني عن فترة مستقبلية، وهذا يجعلها عملا بني على تنبؤات أي توقعات مستقبلية متعددة الجوانب والاعتبارات والارتباطات. ومن ذلك ارتباطه ارتباطا وثيقا بمتابعة أوضاع الاقتصاد محليا ودوليا وما يتوقع بشأنه، وفهم جيد لتأثير الميزانية في الاقتصاد.

وتقوم بعمل ذلك أجهزة مختصة داخل وزارة المالية، وبالتعاون مع أجهزة اقتصادية خارج وزارة المالية. وتعمل الوزارة بشكل وثيق مع عديد من الأجهزة الأخرى مثل المصرف المركزي. والكلام عام وليس خاصا بدولة بعينها.

وتفصيلا، يستند إعداد الميزانية على أمور منها عمل توقعات اقتصادية عن الاقتصاد المحلي وعن الاقتصاد العالمي. وهذا العمل يتضمن تقديم التحليل والمشورة بشأن السياسات الاقتصادية الكلية والمسائل الاقتصادية والمالية المحلية والإقليمية والدولية.

وتبعا، تعطى المشورة بشأن إجراء السياسات العامة في القضايا الاجتماعية والعمالية والسياسات القطاعية، وتشارك في وضع وتنفيذ تنظيم المؤسسات المالية، وشركات التأمين والوسطاء وتنظيم الادخار والاستثمار والأسواق المالية وسياسة تمويل الشركات والإسكان، وتسهم في تطوير سياسة الإعانات وتنمية التجارة الخارجية، وإدارة النقدية وديون الدولة، ومتابعة مصالح الدولة في المؤسسات والمنظمات الأخرى التي تدخل في مجال اختصاصها.

تصدر التنبؤات الاقتصادية من فريق فني اقتصادي متخصص. وهذا الفريق يستخدم نماذج توقعات تحتوي على مجموعة من المعادلات المقدرة بالطرق القياسية التي تأخذ بحسبانها النظريات الاقتصادية ذات العلاقة.

وينتج النموذج توقعات دورية في الأغلب ربع سنوية. كما يحتوي تقرير التوقعات الاقتصادية على تنبؤات للأعوام الثلاثة المقبلة. وتركز التوقعات على القطاع الحقيقي وليس على القطاع النقدي.

ويطلب من البنوك الخاصة وبعض الجهات المستقلة إجراء تنبؤات اقتصادية وذلك للحد من مبالغة الحكومة في حجم التوقعات. وتسلم التوقعات الاقتصادية مع الميزانية للبرلمان وتنشر هذه التوقعات مع الميزانية.

ويتم في نشرة التوقعات الاقتصادية في الدول وفي الجهات الاستشارية العلمية ووضع سيناريوهات للوضع الاقتصادي، مع التركيز على التوقعات الأهم كمعدلات النمو الاقتصادي والتضخم والتوظيف وأوضاع المالية العامة.

وتتميز بعض التوقعات بتحفظها، ولذا قد تكون أقل من توقعات بعض المنظمات العالمية كصندوق النقد الدولي. ويتم إجراء بعض التوقعات الجزئية للأسعار حيث يتم توقع معدلات التضخم للسلع والخدمات الأهم في نظر الناس كالإيجارات مثلا. كما يجري الاهتمام بتوقعات النمو الجزئية المتعلقة بقطاعات رئيسة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتم أيضا إصدار جدول مدخلات ومخرجات.

أهداف ودور التوقعات الاقتصادية

تهدف هذه التوقعات إلى تزويد الحكومات بنظرة شاملة عن التطورات الاقتصادية محليا وإقليميا وعالميا. وتزويدها بتوقعات أو استشراف عن الوضع في الوقت الراهن والمستقبل القريب خاصة العام المقبل. ومن الأهداف بناء سيناريوهات اقتصادية لقوانين الميزانية الحالية.

الأدوات المسخرة للخروج بتوقعات اقتصادية

هناك طرق، على رأسها الحصول على آراء متخصصين في القطاعات، ومعلومات من مؤشرات ومسوحات، ودراسة تصرفات الناس والجهات والمنشآت ضمن نموذج شامل للاقتصاد.

تتم الأعمال السابقة ضمن خطوات في سياسات المالية العامة. وسياسات المالية العامة تعني استخدام الحكومة صلاحيات في الجانبين، الإيرادات كجباية الزكاة وفرض الضرائب والرسوم والنفقات، وبين الاثنين الفائض أو العجز، وما يبنى له وعليه من سياسات.

السياسة المالية لعمل الحكومة تشير إلى التغيير الكلي أو تكوين هذه الإيرادات والنفقات من أجل إدارة نمو الطلب في الاقتصاد.

والهدف من ذلك هو إنماء الطلب على القوة العاملة وعلى غيرها في البلاد. ويتبع ذلك فعل ما من شأنه تنمية القطاعات والمنشآت والآلات المستخدمة في مستويات عالية نسبيا مع مراعاة تقليل قدر الإمكان لتوليد التضخم أو الاضطرار إلى الاعتماد على الإفراط في الاقتراض، خاصة من الخارج.

تراعى في سياسات المالية العامة مستويات الطلب الكلي، والتوظيف وما يمكن أن تشكله من حاجة إلى زيادة في إيرادات أو نفقات إضافية. ومن المسلم به أن بعض أوجه الضرائب والإنفاق تؤثر في جوانب اقتصادية أكثر من جوانب.

من المهم العمل قدر الإمكان على توازن الميزانية. قد تزيد إيرادات الدولة أكثر من الزيادة في النفقات. ما يعنيه ذلك حصول تحسن في ميزان الميزانية "الزيادة في الفائض أو العجز في الانخفاض". لكن لا يستلزم ذلك عمل ما يؤدي إلى تقليص الطلب الكلي، ووضع الضغوط بما يخفض الناتج المحلي، والتوظيف وتبعا مستويات الأسعار.

من ناحية أخرى، إذا كانت الزيادات في الإنفاق أكثر من الإيرادات الحكومية، فقد يتسبب ذلك في حصول ضعف اقتصادي مستقبلي.

اي خلل في توازن الميزانية فإنه يتم تمويله في الأغلب بالاقتراض، وهذا من المحتمل جدا أن يضغط تجاه مزيد من الضرائب والرسوم مستقبلا.

وتبعا، سيأخذ المستهلكون اعتبارهم عبر أكثر من وجه ومن ذلك احتمال قوي بتقليص الإنفاق. هذا يعاكس تماما من تأثير سياسة المالية العامة التوسعية في الطلب الكلي. مجموعة أخرى تشير إلى أن الزيادة في الاقتراض الحكومي الناجم عن السياسة المالية التوسعية، ستؤدي إلى التنافس مع القطاع الخاص للحصول على الأموال المقترضة.

وهذا محفز لرفع معدلات الفائدة وربما أيضا سعر الصرف. وتبعا يصير الاستثمار الخاص والصادرات أكثر تكلفة.

طبعا من المهم التمعن في مبررات التوسع في الإنفاق، تقليلا من آثار جانبية كالتضخم وغيره. وكلما كانت التوقعات خلف التوسع وخلف غيره من قرارات، كانت أكثر مهنية وعلمية، وكانت الفوائد منها أكبر.

 

 

نقلا عن الاقتصادية