متى ينعكس ارتفاع الريال على الواردات في السوق المحلية؟

28/11/2022 3
عبد الحميد العمري

ارتفعت قيمة الريال أمام أغلب العملات العالمية حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري بنسب وصلت إلى نحو 30 في المائة، وبالتركيز على الدول الأكثر استيرادا منها خلال الأشهر التسعة من العام الجاري، التي انخفضت قيمة عملاتها أمام الريال بمتوسط 13.4 في المائة (الصين، الهند، ألمانيا، مصر، اليابان، إيطاليا، كوريا الجنوبية، سويسرا، فرنسا، المملكة المتحدة)، يلاحظ عدم استجابة أسعار الواردات من تلك الاقتصادات حتى تاريخه في السوق المحلية، حتى مع منح مهلة تجاوزت الأشهر التسعة لإحلال المخزونات لدى المنشآت المستوردة من تلك الاقتصادات، ومن غيرها من الاقتصادات التي تراجعت عملاتها أمام الريال بنسب لافتة، إلا أن شيئا لم يطرأ على الأسعار، التي شهد عديد منها على العكس من ذلك، بارتفاع أسعارها في السوق المحلية حسبما أوضحت مكونات معدل التضخم في بياناته الأخيرة!

توضح بيانات التجارة الدولية الأخيرة (حتى سبتمبر 2022)، أن الواردات إلى المملكة البالغ حجمها خلال الأشهر التسعة من العام الجاري نحو 347 مليار ريال (73.1 في المائة من إجمالي الواردات خلال الفترة) من نحو 45 بلدا حول العالم، شهدت أسعار عملاتها انخفاضا أمام الريال بمتوسط 12.4 في المائة، في الوقت ذاته الذي تظهر بيانات التضخم ارتفاع معدله خلال الفترة نفسها بنحو 3.1 في المائة، وارتفاع الرقم القياسي لأسعار الجملة للفترة نفسها بنحو 4.6 في المائة، مع الأخذ في الحسبان ارتفاع عديد من السلع والمواد المستوردة بأعلى من تلك النسب حسبما توضحه نشرات الأسعار الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء خلال الفترة نفسها، والأخذ أيضا بالانخفاض القياسي في تكاليف الشحن الدولية التي وصلت نسب انخفاضها في المتوسط إلى نحو 82.8 في المائة.

على الرغم من كل تلك التطورات التي تدفع إلى انخفاض أسعار الواردات على السوق المحلية، إلا أن أيا منها لم يتحقق حتى تاريخه على أرض الواقع، حتى مع انتهاء المدد الافتراضية لإحلال المخزون لدى التجار والموردين محليا. سابقا، طالما تحجج كثير من التجار والموردين بارتفاع تكاليف الشحن، والتأمين، وتقلبات أسعار الصرف العالمية، وكثير من التبريرات المقبولة وغير المقبولة وراء رفعهم الأسعار في السوق المحلية، وتقبلها المستهلك المحلي على مضض منه، على الرغم من آثارها العكسية على تكلفة معيشته! حتى تاريخه، لم يصدر أي تبريرات من شريحة التجار والموردين في السوق المحلية للارتفاع المطرد في مستويات الأسعار، وهو ما ينتظره المستهلك عموما، بقدر ما ينتظر إيضاح الصورة الشاملة من قبل وزارة التجارة، التي تقف على رقابة ومتابعة الأسعار والجودة في الأسواق المحلية عموما، وما الأسباب التي تقف خلف استمرار الارتفاع في أسعار سلع ومنتجات تم استيرادها في ظل تحسن سعر الريال أمام عملات الدول التي تم الاستيراد منها!

تتصاعد أهمية الالتفات العاجل إلى هذا الملف من قبل وزارة التجارة وبقية الأجهزة المعنية به، إذا ما تم النظر إلى تفاصيل وأنواع الواردات موضوع الحديث هنا، بدءا من السيارات والمحركات والأجهزة والملابس والأغذية والمشروبات إلى آخر تلك القائمة، التي تشكل وزنا نسبيا مرتفعا في تكلفة المعيشة بالنسبة إلى الأفراد والأسر محليا، وأنه من الضرورة بمكان العمل على متابعة ومراجعة التفاصيل الكاملة لتطورات هذا الجانب التنموي والمعيشي، والتأكد من انعكاساته على الإنفاق الاستهلاكي المحلي، وما يمثله من ثقل بالغ الأهمية يتدخل في أغلب تفاصيل جودة الحياة والاستقرار المعيشي، حتى الإنتاجي في الاقتصاد الوطني.

إنه الجزء الرئيس من الرقابة والمتابعة التي تتطلب بذل أقصى الجهود لترجمتها على أرض الواقع، وأن تتحقق نتائجها المأمولة بما يلبي ويخدم احتياجات الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، التي ستصب بالتأكيد في مصلحة توطيد الاستقرار الاقتصادي واستدامته، عبر عديد من المسارات، التي من أهمها المحافظة على استقرار الأسعار في السوق المحلية، والحد من أي آثار تضخمية لأي أسباب كانت محلية أو خارجية، وحماية الاقتصاد الوطني والمجتمع من تلك الآثار العكسية بكل ما يمكن الاعتماد عليه من سياسات تجارية وإجراءات رقابية فاعلة.

يشكل التدخل بالبحث والمتابعة والتدقيق والمراجعة في تفاصيل هذا الملف المتحدث عنه أعلاه، صلب الجهود المأمول القيام بها على وجه السرعة من قبل الأجهزة المعنية به، وفي مقدمتها وزارة التجارة، إضافة إلى حماية المستهلك، والعمل المشترك بين تلك الأجهزة على معالجة الأسباب التي أدت إلى عدم استجابة السوق المحلية لتلك التطورات الإيجابية، والعمل المستمر والدؤوب على تذليل السبل كافة أمام انعكاسها إيجابيا على معيشة المواطنين والمقيمين على حد سواء. هذا عدا نتائجه الإيجابية على ترشيد الإنفاق على بنود الدعم السخي، الذي تولت الدولة إقراره والإنفاق عليه من الموارد العامة.

ختاما، على التجار والموردين المحليين ترجمة تلك التطورات على أسعار منتجاتهم وسلعهم المستوردة في السوق المحلية، كما أنهم في فترات زمنية سابقة قاموا بترجمة ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وتقلبات أسواق الصرف عليها محليا، ودون التدقيق هنا في الفروقات السعرية بين ما حدث خارجيا من جانب، ومن جانب آخر محليا. فلا بد أن يحدث الأمر ذاته في ظل الظروف الراهنة المختلفة عما سبق في الماضي، وأن يبادروا بترجمة التطورات الراهنة على الأسعار في السوق المحلية، ودون انتظار لتدخل الأجهزة الرقابية والإشرافية، كجزء من المسؤولية تجاه الاقتصاد والمجتمع، والتأكيد هنا على أهمية إقامة العقوبات والجزاءات متى استدعى الأمر، بحال تم التأكد من وجود أي مخالفات أو تجاوزات في هذا الشأن، كنوع من التمييز الواجب بين تاجر أو مورد حظي عمله بالمسؤولية والمصداقية، وآخر مخالف لم يرع أدنى مستويات تلك المسؤولية والثقة.

 

 

نقلا عن الاقتصادية