أتتبع سوق الأسهم السعودية منذ زمن بعيد، وتحديداً بشكل احترافي منذ عام 1985 ميلادياً، وسمعت من بعض مؤسسي الشركات المساهمة طرفاً من صعوبات النشأة، وعرفت من بعض معاصري نشأة السوق طرفاً من أخباره، والروايات تقول إن أول شركة مساهمة نشأت في السعودية هي «شركة السيارات العربية»، وكان ذلك عام 1956 ميلادياً.
وسأكتب لكم اليوم عما عاصرتُ؛ إذ كان تداول الأسهم يتم بين فئة محدودة من المساهمين، ويتم نقل ملكيات الأسهم من بائع إلى مشترٍ عن طريق شؤون المساهمين في الشركات ذاتها، ومع تطور الاقتصاد السعودي وطرح أسهم عدد من الشركات، مثل «سابك» و«البحري»، وغيرهما، ودخول عدد غير قليل من الأفراد لتداول الأسهم، نشأت مكاتب الأسهم من داخل مكاتب العقارات وغيرها من المكاتب الأخرى، ومع تطور حركة بيع الأسهم وشرائها تنادت الشركات لتأسيس شركة تسجيل الأسهم السعودية ليتم نقل ملكيات الأسهم من خلالها.
وكانت المبايعات تتم بسهولة ويسر؛ إذ ما على البائع سوى إحضار شهادة الأسهم للوسيط، ويحضر المشتري ويكتب شيكاً بالقيمة ويصور الشيك ويرفقه بشهادة الأسهم وتنتقل الشهادة وصور الشيكات من مشترٍ إلى آخر، ومن الطريف أن الشهادة قد تصل إلى البائع الأول المسجلة الشهادة باسمه، وهنا لا يحتاج إلى نقل ملكية، وإنما فقط يقوم بتمزيق صور الشيكات أو حفظها.
واستمر الوضع كذلك حتى منتصف عام 1990، حينما ظهر التداول الآلي، لتظهر سوق أوجدت كفاءة في التسعير، وكانت - وهذا ما يهم - القيمة الاسمية للأسهم متفاوتة؛ فقد كانت القيمة الاسمية لسهم «بنك الرياض» 1000 ريال (266.6 دولار أميركي) فيما كانت القيمة الاسمية لسهم شركة الإسمنت السعودي البحريني، «السعودية» فيما بعد، 50 ريالاً (13.3 دولار أميركي) فيما كانت القيم الاسمية السائدة للأسهم 100 ريال (26.6 دولار أميركي).
في حينه كنا ننادي بخفض القيمة الاسمية لعشرة ريالات، وقد تم تحديد القيمة الاسمية بـ50 ريالاً، وكان ذلك في عام 1994 ميلادياً، بعد ذلك تمت تجزئة الأسهم لتصبح القيمة الاسمية 10 ريالات (2.6 دولار أميركي)، بعد هذه القسمة أصبحنا ننادي بجعل القيمة الاسمية ريالاً واحداً (26.6 سنت أميركي)، لا سيما أن ذلك لا يغير في المؤشرات، إذ إن رأس مال الشركة سيبقى كما هو دون تغيير، والربح الموزع سيظل كما هو، فإذا وزعت 5 في المائة على السهم فإن الأمر سيبقى كما هو سواء أكانت القيمة الاسمية مائة ريال أو ريالاً واحداً، ولكن ما سيتغير هو العامل النفسي الذي سيجلب كثيراً من المتعاملين، فالمشتري اليوم إذا أراد أن يشتري 100 سهم من أسهم شركة «سابك»، فإنه سيدفع 8500 ريال (2266.6 دولار أميركي) بينما إذا جعلنا القيمة الاسمية ريالاً واحداً فإن القيمة السوقية للسهم بناء على السعر الحالي ستصبح 8.5 ريال (2.2 دولار أميركي) وهذا يمكّن المشتري من شراء 1000 سهم بقيمة المائة سهم، وهذا يخلق بعداً نفسياً للمشتري رغم عدم تغير المؤشرات المالية.
شركة «أميركانا» التي ستدرج في سوق الأسهم السعودية في 6 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، قيمة سهمها الاسمي 7.5 هللة (2 سنت أميركي)، ولعل هذه فاتحة خير؛ أن تجعل هيئة سوق المال السعودية تجزئ القيمة الاسمية للأسهم المتداولة ريالاً واحداً، لتدخل شريحة من ذوي الدخول البسيطة وتنشط حركة السوق. ودمتم.
نقلا عن الشرق الأوسط
تحياتي وتقديري. ألا ترى أن تجزئة الأسهم ودخول شريحة ذوي الدخول البسيطة ستساعد الحيتان على ابتلاع ما تبقى من صغار السردين بعد أن تم ابتلاع كباره.