لم يسبق أن وصل مستوى شفافية البيانات والمؤشرات الاقتصادية والمالية، وكثير من الجوانب التنموية المهمة الأخرى كما وصلت إليه خلال الأعوام الأخيرة، ويتفق معي كثير من "قدامى" المختصين والمهتمين بتلك البيانات والمؤشرات الذين تجاوزت خبرتهم في هذا المجال عقدين من الزمن، على أنه في الأعوام الماضية التي كان الجميع يعاني كثيرا في الوصول إلى أحدها لأهميته في مجاله، أو قد لا يجدها في الأصل قبل عقدين من الزمن! أصبح اليوم أمام كم هائل من تدفق تلك البيانات والمؤشرات ربع السنوية والشهرية، يفوق إلى حد بعيد جدا قدرته المحدودة على متابعتها أولا بأول، وهذا مما يؤكد التقدم الكبير جدا الذي تم إنجازه على طريق شفافية المعلومات وسرعة نشرها على الصورة التي وصلت إليها الأجهزة العامة بحمد الله، بدأت بشكل ملموس وجلي من بعد إعلان رؤية المملكة 2030.
أصبحنا اليوم أمام منظومة عملاقة من البيانات والمؤشرات منتظمة الصدور "ربع سنوي، شهري" على جميع المستويات، بدءا من البيانات الكلية والتفصيلية للأداء الاقتصادي بشكل ربع سنوي وسنوي، وبيانات الميزانية العامة التي لم تتطور فقط من مجرد نشرها سنويا إلى أن أصبحت تصدر بشكل ربع سنوي، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بمسافات كبيرة جدا، أصبحت توفر تفاصيل دقيقة عن الميزانية العامة بهيئة لم يسبق لها مثيل، بدءا من البنود التفصيلية لكل من الإيرادات والنفقات العامة، مرورا بالفائض/ العجز المالي، وإلى أين ستذهب الفوائض ومن أين سيتم تمويل العجز إن وجد، وصولا إلى الدين العام ومصادره المحلية والخارجية وما تم سداده منه، تفاصيل مالية مهمة وكثيرة لم يكن أي منها يتوافر عنه أي معلومة قبل أقل من عقد من الزمن! وقس على ذلك الكثير في بقية المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية "التجارة الخارجية، الاستثمار، الأسعار، التضخم، أسواق النقد والمال والتأمين، المساكن والعقار، الطاقة، الصحة، السياحة، الترفيه، التغيرات السكانية، إلى آخر بقية مجالات التنمية والاقتصاد والمجتمع"، ومن ضمنها أيضا سوق العمل المحلية التي لم يعد ينقصها إلا إنجاز موضوع هذا المقال.
إنه من اللافت إلى حد بعيد، أنه وسط هذا الزخم المعلوماتي والواسع من البيانات والمؤشرات المهمة، ما زال الاقتصاد الوطني يعتمد في نشره معدل البطالة على مواعيد ربع سنوية، وتأتي في الوقت ذاته متأخرة ربعا سنويا على أقل تقدير! في الوقت ذاته الذي أصبحت خلاله الأجهزة العامة المعنية بتوفير البيانات اللازمة لتطورات سوق العمل المحلية، تتمتع بإمكانات بشرية وتقنية متقدمة جدا، تتيح أمامها إمكانية نشر جميع التفاصيل المتعلقة بمعدل البطالة والتوطين والتوظيف والاستقدام وإنهاء العقود والتقاعد، وغير ذلك مما يرتبط بحجم العمالة المواطنة والوافدة على حد سواء، وفي كل من القطاعين الحكومي والخاص.
عدا أنه يحق للاقتصاد الوطني وهو أحد أهم أعضاء مجموعة دول العشرين وصندوق النقد الدولي وغيرهما من المنظمات الدولية، أن تتوافر لديه مؤشرات شهرية منتظمة في واحد من أهم مجالات التنمية والاقتصاد، فإن مما يتجاوز بأهمية توفير معدل البطالة والتوطين والتوظيف بصورة شهرية، أنه مؤشر مهم جدا يرتبط بمنظومة عملاقة من البرامج والمبادرات تحت مظلة رؤية المملكة 2030، ويمثل توفيره بتلك الصورة أهمية قصوى لبقية تلك البرامج والمبادرات والجهود الكبيرة التي تبذل من خلالها، إضافة إلى المتابعة اللصيقة من قبل الهيئات والمؤسسات الدولية والشركات الاستثمارية في الخارج لتطورات الاقتصاد الوطني، وما يمثله من أهمية عالية لدى المستثمرين الأجانب، وهذه الأسباب تحمل من الوجاهة والأهمية ما يكفي لإيجاد وتوفير هذا المؤشر الاقتصادي المهم بصورة شهرية في أي اقتصاد حول العالم، فما بالنا والحديث هنا عن أحد أبرز وأهم الاقتصادات حول العالم خلال الفترة الراهنة في المنظور المستقبلي.
لقد شهد معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات خلال أقل من عام مضى تراجعا لافتا، منحدرا من 11.3 في المائة خلال الربع الثالث 2021 إلى أدنى مستوى له في 20 عاما بوصوله إلى 9.7 في المائة مع منتصف العام الجاري، وهذا بالتأكيد مؤشر إيجابي ويخدم الاقتصاد الوطني، ويعزز كثيرا من ثقة المستثمرين بفرصه الاستثمارية، ودون إغفال بقية الجوانب الإيجابية المهمة الأخرى، لعل من أهمها في المرحلة الراهنة أنه يعزز من الجهود الكبيرة التي يتم بذلها على مستوى تشجيع الاعتماد على الموارد البشرية المواطنة، سواء لدى الشركات الوطنية أو الأجنبية، ويعزز أيضا من النظرة الإيجابية تجاه واقع ومستقبل الاقتصاد الوطني عموما، وبيئة الأعمال المحلية خصوصا.
ختاما، أكاد أجزم أن الهيئة العامة للإحصاء وبقية الأجهزة العامة ذات العلاقة بتطورات سوق العمل المحلية، تجتهد في هذا المجال لأجل نشر معدل البطالة والتوطين والتوظيف بصورة شهرية، قياسا على ما أصبح متوافرا لديها من موارد وخبرات بشرية وإمكانات تقنية متقدمة، وما المقال هنا إلا تذكير وتأكيد على أهمية الإسراع بنشر تلك المؤشرات، خاصة خلال الفترة الراهنة التي يشهد خلالها الاقتصاد الوطني حراكا كبيرا وواسعا، عدا ما يرتبط به مع الاقتصاد العالمي من تقلبات وأزمات غير مسبوقة في تاريخه منذ الكساد الكبير، وهذا يدفع بكثير من المهتمين والمختصين في المجال الاقتصادي والتنموي عموما إلى ترقب تدشين هذا المؤشر قريبا -بإذن الله تعالى- قياسا على ما تقدم استعراضه أعلاه من أولويات محلية وخارجية، وقياسا على الموارد والإمكانات الكبيرة التي أصبحت متوافرة لدى الأجهزة العامة ذات العلاقة بتطورات سوق العمل المحلية. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
بعد ثبوت عزوف الشباب السعودى فى معظمه عن الوظائف المهنية والحرفية يجب حذف هذه الوظائف من سجلات نسب البطالة. البطالة فى السعودية فى غالبها بطالة (إنتقائية) تختص بالوظائف الإدارية والمكتبية. ليتنا نرى إحصائية تبين ماهى الوظائف التى يبحث عنها الشباب السعودى !