مخالفات لا تقل خطورة عن التستر

09/11/2022 0
محمد العنقري

سوق العمل في المملكة يخضع لتطوير مستمر بالأنظمة والتشريعات لتواكب تطورات ومتطلبات الاقتصاد الوطني الذي يسير وفق خارطة رؤية 2030 وبما أنه من أكثر الأسواق جاذبية للعمالة في الشرق الأوسط نظراً لما يتمتع به من فرص عمل ضخمة في أكبر اقتصاد عربي فإن حجم الأعمال والعمالة يعد كبيراً فيكفي التذكير بأن حجم الحوالات للعمالة الوافدة للخارج يضع المملكة بالمرتبة الثانية عالمياً بعد أميركا لكنها تمثّل نسبة أعلى من الناتج الإجمالي قياساً بالاقتصاد الأمريكي وهو ما يدلّل على العدد الكبير لهم، حيث تستحوذ قطاعات التشييد والبناء والصيانة والتشغيل على جل العمالة الوافدة وبكل تأكيد لهم دور مهم في تنفذ الأعمال التي تحرك الأنشطة الاقتصادية، فالسوق السعودي ضخم ولا يمكن للعمالة الوطنية أن تلبي كافة احتياجات السوق خصوصاً الأعمال المتدنية المتطلبات بالتأهيل والمنخفضة الدخل.

ومع نمو الاقتصاد الوطني على مدى الخمسين عاماً الماضية منذ إطلاق أول خطة تنمية عام 1970 زاد الطلب على العمالة وتوسعت الأنشطة الاقتصادية بأضعاف ما كانت عليه ورغم تطور الأنظمة بسوق العمل وكذلك بنظام الشركات والمؤسسات إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور التستر التجاري الذي تمت مكافحته في مراحل زمنية مختلفة حتى آخر تنظيم ظهر والذي حد كثيراً من هذه الظاهرة التي قدر حجمها بحوالي 300 مليار ريال سنوياً وفق دراسات غير رسمية وتركزت معظم أعمال التستر بقطاعي التشييد والبناء والصيانة بنسبة تشكل 43 بالمائة من حجم التستر، بينما كانت النسبة بقطاع التجزئة بالمرتبة الثانية بحوالي 19 بالمائة وقد تمت معالجة هذه الملف بحزمة إجراءات وبعمل تنسيقي بين عدة جهات ذات علاقة وأتيحت الفرصة لتصحيح أوضاع المخالفين حتى تكون المعالجة جذرية ومن ثم بدأ تطبيق أنظمة حازمة وهو ما تظهره القرارات التي تصدر بحق متسترين بين فترة وأخرى فالتوجه لتحجيم هذه الظاهرة سيستمر نظراً لخطورتها وأثرها البالغ على الاقتصاد.

لكن ما نسمعه حالياً من أسلوب جديد للتحايل على التستر بطريقة بعيدة تماماً عن طريقة أن تكون الأعمال لعمالة وافدة بينما السجل التجاري لمواطن وهو يكون بالواجهة فقط، فقد أصبحت بعض العمالة النظامية تنفذ أعمالاً تتعلق بعقود للمنشآت التي يعملون بها لصالحهم فمن المعلومات التي تكشف هذه الأعمال أن عمالة تعمل لمؤسسات صيانة تحديداً لديها عقود تخدم بها وحدات سكنية قاموا أصحابها بالتعاقد مع تلك المؤسسات أو الشركات الصغيرة بشكل خاص للقيام بأعمال صيانة سواء لخدمات المبنى أو للزراعة أو لأجهزة كهربائية، حيث تقوم عمالة تلك المنشآت بتقديم عرض للعملاء لتوفير قطع الغيار أو الحصول على أجر أقل من الفاتورة التي تقدّرها تلك المنشأة وبذلك يستفيدون هم من تلك الأعمال، بل إن بعضهم يؤخر الحضور لتقديم الخدمة لخارج أوقات الدوام الخاص بهم حتى ينفذ العمل لحسابه الخاص وهو ما يكبد تلك المنشآت خسارة كبيرة، إذ لا يتحصلون سوى على رسم الاشتراك السنوي بشكل أساسي من عملائهم بينما تتسرَّب الكثير من الأعمال دون علمهم لتلك العمالة إلا إذا أصر صاحب المبنى الحصول على فاتورة من المنشأة حتى يحمي نفسه من أي أخطاء أو قصور بالصيانة يمكنه من حفظ حقه بتصحيح أي خلل وللأسف أن كثيراً ممن يتعاقدون مع منشآت لهذه الأعمال لا يفكرون بطلب فاتورة للإصلاحات أو الصيانة الدورية التي قدمت لهم، فمثل هذه الأعمال المخالفة قد لا يعرف حجمها حالياً لكن بكل تأكيد قد تصبح ظاهرة المتضرر منها المنشآت التي تعاقدت معهم للعمل لديها، حيث تتحمّل تكاليف والتزامات كبيرة بينما تتسرّب بعض إيراداتهم المفترضة بطرق ملتوية وهو ما يتطلب بدرجة رئيسية أن تتم معالجة مثل هذه المخالفات من قبل المنشآت وكذلك العميل الذي لا يجب أن يقبل بعمل أي صيانة بدون تقديم فاتورة نظامية ويفضل أن تقوم كل منشأة بربط إصدارها بنظام لديهم يتيح تسجيلها وفق كود يرسل للعميل وأن أي عمل لا تصدر به فاتورة تعد المنشأة غير مسؤولة عنه، بل يمكنها إذا علمت بهذه المخالفة أن يتيح لها النظام ليس فقط مخالفة من يعمل لديها، بل طلب غرامة أو مضاعفة عقد الصيانة على العميل حتى يلتزم باشتراطات العقد أما دور الجهات المعنية فهو متروك لما يمكنها أن تطوره من أنظمة تحمي كل الأطراف فمثل هذه التصرفات المخالفة هي مسؤولية المنشآت وعملائهم بالدرجة الأولى.

المخالفات وطرق التحايل للتكسّب بسوق العمل لن تتوقف والمرونة المتبعة بتطوير الأنظمة هي إحدى ركائز معالجة أي ظواهر سلبية لكن هناك دوراً رئيسياً ومهماً جداً على بقية أطراف السوق ويعد حاسماً بمعالجة أي ظاهرة تضر بالمنشآت أو بخدمة العملاء أو تزيد من الحوالات لمكاسب غير مستحقة لعامل يفترض أن له راتباً ومزايا محددة وحقوقاً كفلت له الأنظمة الحصول عليها وبذلك يصبح من الضروري دراسة مثل هذه المخالفات والسعي لتحجيمها وإنهاء ضررها خصوصاً أن المملكة تستهدف أن تمثّل المنشآت الصغيرة والمتوسطة 35 بالمائة من التأثير بالناتج المحلي ويتم تقديم دعم ضخم لتلك المنشآت بطرق متعددة.

 

نقلا عن الجزيرة