أقرت المملكة استراتيجية للصناعة في خطوة مهمة كأحد أعمدة التوجه التنموي والاقتصادي في ظل رؤية 2030. تبدأ المملكة استراتيجية شاملة، لكنها تبدأ من قاعدة صناعية بحجم وعمق يؤهلانها لخطوات مؤثرة في سلم التحدي والمنافسة العالمية. نظرا إلى أهمية الموضوع وحجمه، لا يمكن التعامل معه في عمود واحد، لذلك سيكون على ثلاثة أعمدة. حسب قراءتي، هناك ثلاثة أجزاء للاستراتيجية - لأن الاستراتيجية شاملة ولا يمكن إعطاؤها حقها حتى في عدة أعمدة، لكونها تحتاج إلى مزيد من التفاصيل والتحليل، لذلك سأحاول الإيجاز لتوصيل الفكرة.
الجزء الأول يدور حول البنية التحتية الإدارية، مثل اللجان التنسيقية والبرامج المختلفة والهيئات المباشرة، مثل المحتوى الوطني، والمادية مثل، تغير دور الصندوق الصناعي والمدن الصناعية والخدمات اللوجستية والبنية التحتية كـ"ندلب". الجزء الثاني يدور حول الفرص والتحديات، الفرص تأتي في الفجوة بين حجم الصناعة قياسا على الدخل الإجمالي وحجم التصدير الممكن، خاصة أن هناك عجزا تجاريا في القطاع الصناعي، والتحديات مثل الحاجة إلى تطوير منظومة وبيئة بحث وابتكار وسلاسل إمداد وعلاقات مع الشركات العالمية وربما الأهم في الطاقم البشري. الجزء الثالث في التوجهات العالمية المؤثرة والمستهدفات على مدى الأعوام المقبلة حتى 2035 على مراحل حسب القطاع. التوجهات تأتي في المختارات الصناعية، مثل صناعة الفضاء كالطيران والأقمار الاصطناعية، والسيارات خاصة الكهربائية، والأدوية والمعدات الطبية ومستلزمات الطاقة المتجددة والمعادن والصناعات العسكرية. المستهدفات مالية واقتصادية وبشرية. من المستهدفات تحقيق فائض تجاري يبلغ 157 مليار ريال، ونمو قيمة الصادرات عالية التقنية بأكثر من عشرة أضعاف، ورفع مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج الصناعي لأكثر من 50 في المائة. كذلك لا بد من ذكر الممكنات العملية مثل تعظيم الاستفادة من المشتريات الحكومية وزيادة مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتحسين اللوائح والحد من البيروقراطية وتسهيل التأشيرات، لجذب المواهب الضرورية، خاصة في التقنيات الواعدة.
بعد إعلان الاستراتيجية، دعت وزارة الصناعة ممثلة بالوزير ونائبه، الاقتصاديين والكتاب المهتمين بالشأن الاقتصادي، إلى شرح الاستراتيجية ومن ثم إلى حلقة حوارية اشترك فيها وزير الطاقة ووزراء الصناعة والاستثمار والاتصالات. بعد قراءة الاستراتيجية والاستماع للنقاش والمداولة، بدا لي أن هناك حاجة إلى إيضاح بعض النواحي. هناك عدة محاور تحتاج إلى مزيد من التفصيل، لأن طرح الاستراتيجية خطوة نوعية في الحديث عن الصناعة، ولا يمكن أن تكون الكلمة الأخيرة، إذ لا بد من المرونة وتعظيم الاستفادة من المستجدات العالمية وتغير الظروف الموضوعية في الاقتصاد الوطني. تجارب الدول التي سبقتنا، خاصة دول شمال شرق آسيا، مفيدة جدا، كما ناقشتها في عدة مقالات كمراجعة لكتاب مهم عن التجربة في عدة دول بعضها نجح، مثل تايوان وكوريا، وبعضها تعثر، مثل ماليزيا والفلبين وتايلاند، "تجربة الدول الآسيوية (1- 12- 2020) وما تلاه من مقالات تفصيلية". تجارب دول أخرى مفيدة وربما ضرورية، لكنها لا تكفي لأن الظروف الموضوعية تختلف جذريا من نقطة البداية إلى الممكنات والمستهدفات. الاستراتيجية خطوة ممتازة في الطريق، لكن نحتاج إلى مناقشة بعض الممكنات وما استخلصت من نقاش الوزراء، وهذا موضوع العمود المقبل.
نقلا عن الاقتصادية