مستقبل الاقتصاد الصيني

17/10/2022 1
د. عبدالله الردادي

عشر سنوات مرت على تولي (شي جينبينغ) مقاليد رئاسة الصين، وها هو الآن يستعد لفترة رئاسة ثالثة تستمر لخمس سنوات قادمة. وفي المؤتمر الوطني الصيني، الذي يقام كل خمس سنوات، ألقى الرئيس الصيني خطاباً استمر ساعتين، وصف هذا الخطاب بالقصير نوعاً ما، مقارنة بخطاب المؤتمر السابق الذي استمر لنحو ثلاث ساعات ونصف الساعة، ومع ذلك، فقد تضمن الخطاب العديد من المشكلات التي تتعرض لها الصين الآن، وسياسة الحزب الشيوعي تجاه هذه المشكلات. ولكن لم يكن مستقبل السياسة الاقتصادية ضمن خطاب الرئيس الصيني، وهو أحد أكبر التساؤلات التي تطرح حول الصين هذه الأيام، لا سيما مع المأزق الذي يجابهه الاقتصاد الصيني.

فقبيل تولي (شي جينبينغ) الرئاسة، وتحديدا عام 2012 بلغ الناتج القومي للصين 8.5 تريليون دولار، مُشكّلا 11 في المائة من الناتج القومي العالمي. وخلال هذه المدة، كان متوسط النمو السنوي للاقتصاد الصيني 6.7 في المائة، وهي أكبر نسبة توسع اقتصادي لدولة ذات اقتصاد ضخم في العصر الحديث. وفي عام 2021 أصبح حجم الاقتصاد الصيني 17.7 تريليون دولار، أي 18.4 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي. هذه الأرقام المذهلة للاقتصاد الصيني حدثت نتيجة لسياسات اقتصادية ناجحة سواء من عهد (شي جينبينغ) أو من سبقوه، ولكنها تصطدم الآن بواقع بعيد عن ذلك. فتوقعات النمو الصيني لهذا العام مفزعة، فأفضل التوقعات تشير إلى أن النمو السنوي لن يتعدى 3.2 في المائة، بينما تتوقع بعض المصادر ألا يتجاوز النمو 2.8 في المائة. في كل الأحوال فإن هذا النمو هو ثاني أسوأ نمو اقتصادي للصين خلال 46 سنة، المرة الوحيدة التي كان فيها النمو أسوأ كانت في عام الجائحة 2020.

والصين تواجه اليوم عدداً من التحديات على المستويين الداخلي والخارجي، وقد يؤثر أي من هذه التحديات على نموها الاقتصادي في المستقبل القريب. فمن الناحية الداخلية، فإن حالة من الاستياء تعم الطبقة المتوسطة الصينية بسبب أزمة العقار والديون التي عصفت بقطاع العقار الصيني. هذا القطاع يُشكّل نحو 30 في المائة من الاقتصاد الصيني، وهو أحد أكبر أسباب نمو الاقتصاد، والأهم أنه لا بديل لهذا القطاع بالدور الذي يقوم به تجاه نمو الاقتصاد الصيني. كما أن الحملة التي شنتها الحكومة الصينية على قطاع التقنية ألقت بأثرها على الاستثمارات التقنية بشكل عام، فقد خسرت شركتا (علي بابا) و(تينسنت) ما قيمته تريليون دولار من قيمتهما السوقية منذ أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي. والإشارة التي تلقتها السوق من الحكومة الصينية هو أن الحكومة لا تريد أن تصبح الشركات «أقوى من اللازم»، وفي ذلك دافع قوي لإحجام الشركات عن الاستثمار، لا سيما الشركات الأجنبية. إضافة إلى ذلك كله، فإن إصرار الحكومة الصينية على سياسة (صفر كوفيد) ألقى بظلاله على النشاط الاقتصادي في الصين، ومع ذلك فإن الحكومة الصينية لا تزال تصر على هذه السياسة، وهو الأمر الذي أكده الرئيس الصيني في خطابه بالأمس، موضحاً أن حياة البشر تأتي في المقام الأول.

من الناحية الخارجية فإن العالم الغربي وبكل وضوح يستهدف الصين، اتضح ذلك جلياً خلال السنوات الماضية، وإن كان العالم قد نسى أو تناسى ذلك بسبب الجائحة، فقد عاد هذا الموضوع مرة أخرى للساحة بأحداث منها منع الولايات المتحدة بيع الرقائق الإلكترونية المتقدمة للصين. فالصين ستتصادم مع العالم الغربي في السنوات القادمة من الناحية الاقتصادية، لأسباب منها محاولة الغرب تحويل مسار سلاسل الإمداد من الصين إلى دول آسيوية أخرى أكثر توافقاً مع دول الغرب، وهو أمر معلن كان في زيارة الرئيس الأميركي لعدد من الدول الآسيوية هذا العام. والتباعد بين الصين والعالم الغربي في ازدياد، لا سيما مع المواقف السياسية التي تتخذها الصين وكان آخرها عدم استنكار الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى القضية المستمرة عن سيادة تايوان، وبالتأكيد سياسة الصين تجاه هونغ كونغ.

إن ظلامية التوقعات تجاه الاقتصاد الصيني تزيد من أهمية المؤتمر الوطني الصيني لهذه الدورة، ففيه تحدد الأولويات الوطنية للخمس سنوات القادمة. ومع أن التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد الصيني سيستمر بالنمو بنسبة 4 إلى 5 في المائة، إلا أن هذه النسبة لا تتوافق مع طموح الصين، وهي التي أسهمت بشكل كبير في نمو الاقتصاد العالمي منذ بداية الألفية. وبعيداً عن الأولويات السياسية والعسكرية، فإن التحديات الاقتصادية التي تواجهها الصين قد تحتم عليها تغيير سياساتها الاقتصادية حتى لا تكرر حالة اليابان التي شهدت نمواً متصاعداً في السبعينات والثمانينات، حتى أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، قبل أن تدخل في دوامات اقتصادية تسببت في انخفاض نموها حتى هذا اليوم. والمفارقة أن من تمكن من إزاحة اليابان عن المركز الثاني هي الصين نفسها، قبل عشر سنوات!

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط