تركزت الأهداف والأرقام التي تضمنها البيان التمهيدي للميزانية 2023، على تأكيد التزام الحكومة بالاستمرار في تنفيذ البرامج والمشاريع ذات العائد الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق رؤية المملكة 2030، والسـعي المسـتمر القائم على تمكين القطاع الخاص في دعم التنويع الاقتصادي، من خلال استمرار جهود الدولة الكبيرة في مجال تحسين بيئة الأعمال، وتذليل المعوقات القائمة، التي تؤهلها لأن تكون بيئة أعمال جاذبة ومنافسة، وصولا إلى زيادة مساهمة القطاع الخاص في رفع معدلات النمو الاقتصادي للعام المقبل وفي الأجل المتوسط.
وهو النهج الذي سبق أن نجحت الحكومة في مضماره خلال العامين الأخيرة أثناء وبعد الجائحة العالمية، بالاعتماد على تنفيذ عديد من المبادرات الداعمة لجميع نشاطات الاقتصاد، وبالتزامن مع استكمال عمليات الإصلاحات الهيكلية، ومضاعفة جهود تمكين التحول الاقتصادي، ليأتي التأكيد مجددا عبر البيان التمهيدي الأخير، على بذل مزيد من الجهود والعزم بالاستمرار في إكمال تلك المبادرات والإصلاحات لتعزيز النمو الاقتصادي، وتوطيد ركائز الاستدامة المالية، من خلال رفع كفاءة وفاعلية الإنفاق والضبط المالي، تزامنا مع استمرار الحكومة في جهودها الرامية إلى تعزيز نمو الاستثمار المحلي، من خلال عقد وبناء مزيد من الشراكات مع القطاع الخاص، وتوسيعها على أوسع نطاق ممكن، وتأهيله أيضا ليشمل جميع مناطق المملكة حسبما تتميز به من بيئة استثمارية متنوعة، هذا إضافة إلى استمرار جهود التحسين والتطوير المرتبطة بالتشريعات والسياسات، التي أسهم ما تم إنجازه منها حتى تاريخه في تقدم المملكة في سلم مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال، وهي الجهود التي تضافرت سابقا بحمد الله تعالى، وستؤدي مستقبلا إلى ضمان استمرار الأداء والنمو الاقتصادي، وتحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية لـ2023. كما لا تغفل التدابير الاستباقية التي اتخذتها المملكة كوضع أسقف على أسعار بعض المشتقات البترولية "البنزين"، وتمكنت من خلالها من احتواء القدر الأكبر من التضخم، ومن ثم الحد من تأثير ارتفاع الأسعار، ما يمهد بإذن الله تعالى إلى عودة التضخم في منظور الأجل المتوسط إلى مستوياته الطبيعية، إضافة إلى ما قامت به الحكومة خلال الفترة الماضية من جهود ملموسة، استهدفت تعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية من خلال الدعم الإضافي لمستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، فضلا عن تخصيص مزيد من الموارد لأجل دعم زيادة المخزونات الاستراتيجية للسلع الأساسية، والتأكد من توافرها بالقدر الكافي لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار العالمية.
أثمرت الجهود الواسعة أعلاه في رفع معدل النمو الاقتصادي في نهاية النصف الأول من العام الجاري إلى 12.2 في المائة كأعلى معدل نمو في منظور عقد زمني مضى، وارتفع النمو الحقيقي للأنشطة غير النفطية بمعدل سنوي بلغ 8.2 في المائة، وتراجع معدل البطالة بين المواطنين للربع الثامن على التوالي إلى 9.7 في المائة بنهاية الربع الثاني من العام الجاري "4.7 في المائة للذكور، 19.3 في المائة للإناث"، كأدنى معدل بطالة بين المواطنين خلال 20 عاما مضت "منذ 2002"، وجاء كل ذلك في ظل سيطرة ملموسة على معدل التضخم، الذي جاء الأدنى ضمن مجموعة دول العشرين، والأدنى بالتأكيد مقارنة بالموجة القياسية للتضخم خلال أكثر من أربعة عقود زمنية مضت في أغلب الاقتصادات حول العالم. وللمحافظة على تلك الإنجازات والدفع بها إلى مستويات أعلى، جاء البيان التمهيدي الأخير للتأكيد على الاضطلاع بمزيد الإنفاق الحكومي الرشيد، وبالاعتماد على صندوق الاستثمارات العامة، الذي زاد استثماراته في عدة مجالات وقطاعات واعدة، منها قطاع السياحة والضيافة كمشروع "البحر الأحمر"، وإطلاق "مجموعة بوتيك" المتخصصة في الضيافة الفندقية الفاخرة، إضافة إلى استثماراته في قطاع الأغذية والزراعة عبر توسع استثماراته في شركة سالك، وإطلاق الشركة السعودية للقهوة في أيار (مايو) الماضي من هذا العام، كما عمل الصندوق على تعزيز التحول الرقمي وتطوير القطاع العقاري المحلي، من خلال إطلاقه الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار في أيلول (سبتمبر) الماضي.
لقد أكد البيان التمهيدي الأخير استهداف الحكومة لاستكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها في ظل رؤية 2030 والمحافظة على الاستدامة المالية، بما تضمنته من تبني سياسات مالية تسهم في الحفاظ على الاستدامة المالية، وتطوير إدارة المالية العامة ورفع جودة التخطيط المالي لتعزيز النمو الاقتصادي والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد. أما في الأجل المتوسط، فتستهدف السياسة المالية تقوية المركز المالي للمملكة، الذي يعزز من قدرتها في مواجهة الصدمات الخارجية المحتملة، بالمحافظة على مستويات الاحتياطيات الحكومية عند مستويات مناسبة، واستدامة مؤشرات الدين العام. يمكن التأكيد أن ميزانيـة العام المالي المقبل، عكست بدرجة عالية جدا درجات التقدم في تنفيذ البرامج والمشاريع الداعمة للنمو والتنوع الاقتصادي، وتحسين الخدمات العامة، وتعزيز برامج أنظمة الرعاية والحماية الاجتماعية، مع الحفاظ على المكتسبات التي تحققت طوال الأعوام الماضية على جانب المالية العامة.
ختاما، أطلقت الدولة -أيدها الله- استراتيجيات عملاقة "استراتيجية تنمية السياحة الوطنية، استراتيجية التقنية المالية، الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، استراتيجية برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الاستراتيجية الوطنية للثقافة، استراتيجية قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية، الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية"، وأطلقت أيضا مشاريع عملاقة "مشروع نيوم، مشروع ذا لاين، مشروع البحر الأحمر، مشروع القدية، مشروع الرياض الخضراء، مشروع الرياض آرت، ومشروع حديقة الملك سلمان"، انضمت تلك الاستراتيجيات والمشاريع العملاقة إلى ما سبقها من استراتيجيات ومبادرات عملاقة، سيتم العمل المتكامل والمشترك على إنجازها حسبما تم التخطيط لمواعيدها النهائية، وكل ذلك استهدافا لإحداث النقلة النوعية والملموسة حسب مجال كل استراتيجية، التي ستقدم للاقتصادي الوطني مزيدا من التحفيز والدعم، إضافة إلى زيادة حظوظه المشروعة من النمو والازدهار، التي ستصب نتائجها الإيجابية النهائية في مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية