الاقتصاد العالمي إلى أين؟

26/09/2022 0
د.صالح السلطان

يعاني الاقتصاد العالمي تضخما قويا، وزادت مشكلاته هذا العام بدخوله في مسار ضعف اقتصادي. وراء التضخم والانخفاض أحداث وعوامل مؤثرة، بعضها حديث عهد، وبعضها قديم متراكم. وفي البشر حب مال وهلع وجزع وطمع وفساد، وقد وردت بذلك نصوص شرعية. وتوعد الله سبحانه بعقاب الفاسدين.

مع التطورات تتدافع الدول خاصة الكبرى لخفض التضخم، ولو على حساب مصالح أخرى على رأسها النمو الاقتصادي. في أمريكا على سبيل المثال، تبنت ما يسمى سياسة خفض التضخم IRA Inflation Reduction Act ومعه عدة سياسات على رأسها، رفع معدلات الفائدة وتشديد السياسة النقدية وزيادة الضرائب، لتقليل العجز، فالدين العام في الميزانية الفيدرالية دون حاجة إلى مزيد إصدارات نقدية في الدولار. وراء زيادة هذه الإصدارات عبر عشرات الأعوام دوافع كثيرة عالمية أولا وأمريكية ثانيا، وليست كما يتوهم البعض أنها فقط بسبب أمريكا، وكانت عاملا أساسيا في التضخم، وفي ضعف الدولار النسبي أمام عملات رئيسة أعواما مضت. طبعا استفادت أمريكا من حاجات ومآسي الآخرين. وهذا موضوع طويل لا يتسع المقام للتفصيل فيه. لكننا نرى الآن سياسات خفض التضخم ارتفاعا في قيمة الدولار مقارنة بعملات رئيسة كاليورو.

تقليل الدين العام مطلب، لكن الدول تتفاوت في العمل على تحقيقه بناء على اعتبارات كثيرة. من عوامل أهمية التقليل أن الدين العام يقلل من حجم التكوين الرأسمالي للدولة. وهذه نقطة أخذتها بعين الاعتبار الحكومة السعودية. فبدلا من الاستدانة، أخذ صندوق الاستثمارات العامة بتوجه آخر، ضمن استراتيجيته 2021 ـ 2025. ملخص التوجه استهداف تدوير رأس المال عبر بيع حصص مملوكة للصندوق في شركات، وذلك من أجل إعادة استثمار المتحصلات في تطوير قطاعات جديدة وواعدة في الاقتصاد المحلي.

موضوع مشكلة ضخامة الدين العام يحتاج إلى تفاصيل، وأختصرها بقول لشارلز شولتز، الذي عمل مستشارا اقتصاديا لعدة رؤساء أمريكيين. قال في كتابه "دفع الفواتير"، "العجز الكبير في الموازنة جعل من المستحيل عمليا على الحكومة الفيدرالية أن تفكر جديا في طرح برامج كبرى جديدة، أو إجراء توسعات رئيسة على البرامج القائمة". من المشكلات أن أغلبية الناس رغم تذمرهم من العجز، لكنهم غير مستعدين لدعم سياسات تقلل منه في وقتهم على حسابهم. لماذا؟ الجواب يفهم من قوله تعالى، "وتحبون المال حبا جما".

أما سياسات مكافحة التضخم فليست بلا ثمن. من الثمن خفض من وفرة السيولة النقدية وتراجع نسبي في القوة الشرائية لأغلبية الناس وخلاصتها تراجع الطلب. هذه القوة الشرائية بني جزء كبير منها عبر الأعوام على سياسات جلبت تضخما كبيرا. ومعروف أن الفيدرالي أي البنك المركزي الأمريكي يقود حاليا معركة ضد التضخم. ويتوقع الفيدرالي حصول ضعف واضع في الاقتصاد الأمريكي، ومعه تزيد معدلات العطالة. وهذه المشكلة متوقعة في اقتصادات كثيرة غير الأمريكي. ما يعني توقع مسار ضعف في الاقتصاد العالمي.

إلى أي حد مسار هذا الضعف في الاقتصاد العالمي هذا العام والعام المقبل؟ اختلفت الآراء حوله. وتتركز في ثلاثة: الأول استمرار تحقيق نمو لكنه ضعيف نسبيا، وبلغة بسيطة، متوقع أن يكبر حجم الاقتصاد العالمي مقاسا بمجموع الناتج المحلي GDP للدول بصورة بسيطة. الثاني يتوقع عدم تحقيق نمو، لكن دون الوصول إلى انكماش في الاقتصاد العالمي، أي جمود أو بقاء حجم الاقتصاد العالمي دون تغيير. الثالث حصول انكماش، أي نمو بالسالب، وبلغة بسيطة يصغر حجم الاقتصاد العالمي، لكنه انكماش بسيط نسبيا. والتركيز على مرئيات جهات دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

يتوقع الصندوق استمرار تحقيق نمو، لكنه نمو ضعيف هذا العام والعام المقبل وربما الذي بعده. بصورة بسيطة هذا العام والعام المقبل. جاء في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في صيف هذا العام، أن التنبؤات تشير إلى انخفاض نمو الاقتصاد العالمي من نحو 6 في المائة في العام الماضي إلى نحو نصفها في هذا العام، وأقل قليلا من النصف في العام المقبل. لكن البنك الدولي يتوقع العكس في العام المقبل، أي حصول انكماش recession.

فهم وعبر البعض عما سبق بتعبيرات قد لا تتفق مع المقصود بالمصطلحات. مثلا، عبر البعض عن النمو الضعيف أو عكسه الانكماش البسيط بالركود، لكنهم قصدوا من خلال شرحهم حصول انكماش قوي أو كساد المعبر عنه بالإنجليزية depression. وعبر آخرون بكلمة أسوأ وهي الانهيار. ومثال آخر، عبر كثيرون عن التضخم أو فسروه بأنه بسبب فقط الزيادة في ضخ النقود. لكنه تفسير قاصر، ينظر إلى عامل واحد من العوامل المؤثرة في الطلب. فد يحصل التضخم دون ضخ مزيد نقود، مثلا بسبب حصول عوامل طبيعية أو غير طبيعية مؤدية إلى تقليل ما هو متاح للعرض.

وعودة إلى كلمة ركود، فإنها تعني في اللغة العربية السكون أي الجمود. وإذا كان الحديث عن النمو فإن الركود في النمو يعني عدم تحقيق أي نمو أصلا. وعدم تحقيقه لا يستلزم بالضرورة حصول انكماش، الذي هو نمو بالسالب. ويعبر عنه بالكلمة recession إذا حصل انخفاض في الناتج المحلي الحقيقي لمدة ستة أشهر متتالية فأكثر بنسبة لا تقل في الأغلب عن 1.5 في المائة. وإذا كان الانخفاض عظيما فيعبر عنه بالكلمة التي اشتهرت ترجمتها بالكلمة كساد.

وأختم بأن ما سبق لا يعني توقع أن العالم مقدم على انهيار اقتصادي. ليس لدينا علامات قوية تؤيد هذا التوقع. والكلام على العلامات المادية في المستقبل المنظور القريب، وليس على المدى البعيد. كفانا الله كل شر.

 

نقلا عن الاقتصادية