الاقتصاد السعودي .. نمو راسخ واستقرار مستدام

12/09/2022 2
عبد الحميد العمري

مجددا أكد أحدث مؤشرات أداء الاقتصاد السعودي في منتصف العام الجاري، قوته ومتانته التي اكتسبها نتيجة الإصلاحات الهيكلية والشاملة، التي بدأت مع منتصف 2016 ضمن البرامج التنفيذية والمبادرات الجريئة التي حملتها رؤية المملكة 2030، لتنقل الاقتصاد السعودي من الاعتماد المفرط على مصدر وحيد، ليقف بعد عدة أعوام قليلة مقبلة على ركائز أساسية متنوعة وعديدة، كان من ثمارها الأولية تسجيل الاقتصاد نموه ربع السنوي الخامس على التوالي، بمعدل نمو سنوي حقيقي بلغ 12.2 في المائة، وتضمنه لمعدل نمو حقيقي سنوي أظهرته الأنشطة غير النفطية بنحو 8.2 في المائة، وبمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي ناهزت 43 في المائة، مقابل 44 في المائة كنسبة مساهمة للأنشطة النفطية التي قفز نموها الحقيقي سنويا بنحو 22.9 في المائة للفترة نفسها.

وللتأكيد على الخطوات الملموسة التي قطعها الاقتصاد السعودي في طريق الإصلاحات الهيكلية، فقبل عام كامل من صدور البيانات الأخيرة عن الأداء الاقتصادي مع منتصف العام الجاري، سجل الاقتصاد الكلي نموا حقيقيا بمعدل سنوي وصل إلى 1.9 في المائة بنهاية الربع الثاني من 2021، وجاء الدفع الرئيس لذلك النمو من النمو الحقيقي للأنشطة غير النفطية بنحو 9.0 في المائة، مقابل انخفاض سنوي للأنشطة النفطية عن الفترة نفسها بنحو 7.0 في المائة، ولو عدنا إلى الوراء قبل الإصلاحات التي تمت على الاقتصاد السعودي، سيظهر مدى قوة تأثره بالتقلبات الحاصلة على الأنشطة النفطية، وانعكاسها على مختلف أنشطة الاقتصاد حسب درجات ارتباطها المختلفة، وأن الأمر لم يعد كالسابق، مع تحسين ديناميكية نشاطات الاقتصاد، على الرغم من تخفيف أدوات الدعم والتحفيز الحكومي، وإحلاله تدريجيا بمزيد من الأعباء والتكاليف التنظيمية، بهدف زيادة عوائد الميزانية العامة من الإيرادات غير النفطية، التي قفزت مساهمتها في إجمالي الإيرادات العامة من 12.5 في المائة إلى نحو 42 في المائة بنهاية الفترة.

وعلى الرغم من زيادة الأعباء على الأنشطة المنتجة من الاقتصاد طوال الفترة الماضية، التي قابلتها برامج تحفيز نوعية لعديد من الأنشطة الصناعية على وجه الخصوص، وارتفعت وتيرتها طوال فترة التصدي لتداعيات الجائحة العالمية لكوفيد - 19، لمنح القطاع الخاص بشكل عام مزيدا من القدرة على الصمود في وجه تلك التداعيات الشديدة. كل هذا سار بمحاذاة استمرار الإصلاحات، وخفف إلى حد بعيد من الآثار العكسية للجائحة، ومنح القطاع الخاص على وجه الخصوص مرونة أكبر في التكيف مع الإصلاحات الهيكلية، مكنته من السير بمعدلات متصاعدة في سلم النمو، وزيادة قدرته على توظيف الموارد البشرية المواطنة، التي نمت خلال الفترة نفسها بمعدل سنوي قياسي وصل إلى 17.3 في المائة، مضيفة كصافي زيادة في أعداد العمالة المواطنة في القطاع الخاص أكثر من 306.2 ألف وظيفة.

هنا، لا بد من الإشارة إلى أن ما تم إنجازه حتى مواعيد البيانات الأخيرة حول أداء الاقتصاد والتوظيف، لا يمثل كامل المستهدفات النهائية المتوخى تحقيقها بحلول 2030، بقدر ما أنه مجرد خطوات مرحلية تم إنجازها على الطريق الطويل الممتد إلى نهاية عمر المشروع التنموي العملاق للمملكة، ولا تتجاوز إزاء الطموحات الكبيرة للاقتصاد السعودي سوى كونها مؤشرات إنجاز مرحلية، تشير إلى سلامة إجراءات تنفيذ برامج التطوير والإصلاح، وكونها خاضعة لمنظومة متكاملة من الحوكمة، ومراقبة وتقييم الأداء، ولمقاييس دقيقة للتأكد من كفاءة وفعالية تلك البرامج والمبادرات العديدة، التي يتم العمل على مراجعتها وتقييمها بصورة دقيقة وتفصيلية كل خمسة أعوام، ليبدأ العمل مجددا على تقويم وتطوير ما لم يسهم بالدرجة الكافية في تحقيق المستهدفات المحددة، وترسيخ العمل بما تم إقراره من سياسات وبرامج ومبادرات جاءت نتائجها متسقة بدرجة عالية مع المستهدفات، وهذا تحديدا الذي منح مجال التنفيذ الفعلي للرؤية الاستراتيجية المرونة الكافية واللازمة، وأسهم في اتسامها بالكفاءة والحيوية لمشروع ضخم جدا وطويل الأجل، كالمشروع التنموي ممثلا في رؤية المملكة 2030.

ختاما، سبق الإشارة طوال الأعوام الماضية إلى أن أي برامج إصلاح وتطوير، في الأغلب ما تقترن في بداياتها بعديد من الآلام ذات الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية، ثم تبدأ بالتراجع مع سرعة تكيف الاقتصاد معها، لتتحول تدريجيا إلى وتيرة تتسم بتصاعد المكاسب بالتزامن مع تراجع حدة تلك الآلام، ومن الجيد أن تبدأ تلك الصورة في السطوع بالتزامن مع منتصف المرحلة الثانية من عمر الرؤية، وأن تتأهب بمزيد من المتانة والاستقرار للانتقال إلى المرحلة الأخيرة من عمرها، وتخوض ثلثها الأخير على أرض أكثر صلابة ورسوخا، وبما يمنحها كثيرا من الخيارات والمرونة الكافية لإتمام وإنجاز تلك البرامج والمبادرات وقد اكتسب الاقتصاد الكلي عموما، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، كثيرا من الممكنات والموارد اللازمة، إضافة إلى الخبرات العالية التأهيل والجودة من القدرات والكفاءات الوطنية ذكورا وإناثا على حد سواء، التي مثل الإنسان السعودي الهدف الاستراتيجي للرؤية، ومثل أيضا ثقليها النوعي والكمي الأكبر على حد سواء، ليأتي توظيف المكتسبات المتحققة من المرحلتين الأولى والثانية في تعزيز وتحقيق المرحلة الأخيرة، وهذا من أهم الركائز التي لم يكن بالإمكان إثباتها إلا بمشاهدتها على أرض الواقع، كما أصبح ملموسا خلال الفترة الراهنة بحمد الله، ويذهب بنا جميعا إلى أبعد من كل ذلك فيما سيلي عام 2030، الفترة الزمنية التي سيكون الاقتصاد الوطني والمجتمع قد أصبحا أكثر أهلية للانتقال إلى مستويات أعلى من الإنتاجية والقدرة على تحقيق طموحات تنموية أكبر بإذن الله تعالى.

 

 

نقلا عن الاقتصادية