الأهمية الاستراتيجية لـ «رقمنة» القطاع العقاري

07/09/2022 0
عبد الحميد العمري

أعلن صندوق الاستثمارات العامة، مطلع الأسبوع الجاري، إطلاق الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار "السجل العقاري"، التي ستعمل على إنشاء سجل عقاري شامل لجميع معلومات الوحدات العقارية، وتقديم خدمات تسجيل العقارات، وفق أفضل الممارسات في هذا القطاع، وتأسيس منصة رقمية متكاملة، بالتعاون مع الهيئة العامة للعقار وعدد من الجهات الحكومية الأخرى، التي تستهدف المساهمة في تنظيم وتطوير القطاع العقاري المحلي.

ووفقا للبيان الصادر عن الصندوق، ستسعى الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار نحو تطوير إجراءات وآليات التسجيل، والمساهمة من ثم في تحسين ورفع جودة الخدمات المقدمة من قبلها، والعمل على سهولة وصولها إلى المستفيدين منها، وكل ذلك بالاعتماد على البنية المتطورة للحلول الرقمية، وبما سيؤدي إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية وتطوير السجل العقاري، الذي سينتج عنه إنشاء سجل متكامل لجميع الوحدات العقارية في المملكة، سيتضمن قاعدة بيانات رقمية عملاقة، تشمل جميع الوحدات بكل أنواعها "الحكومية، التجارية، السكنية، الزراعية"، ومن ثم ربط البيانات الكاملة للملكية بالمعلومات الجغرافية، التي ستسهم بدورها في استدامة القطاع العقاري المحلي، وتعزيز الشفافية في الخدمات العقارية والتعاملات الناشئة عنها.

تكمن الأهمية الاستراتيجية لـ"رقمنة" القطاع العقاري المحلي في عديد من الجوانب الرئيسة، التي ستعود بقدر عال جدا من العوائد والإيجابيات على الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع العقاري خصوصا. يأتي في مقدمة تلك الجوانب الرئيسة، أولا، منح القدرة وتوفير الإمكانات اللازمة لنقل القطاع العقاري المحلي بما يمثله من ثقل اقتصادي ومالي يقدر بتريليونات الريالات من موقعه الراهن، إلى موقع معلوماتي يتمتع بأعلى قدر من الشفافية، سيمكن للمخطط ومتخذ القرار بالاعتماد على تلك المنصة الرقمية للقطاع، أن يتخذ أفضل القرارات والإجراءات اللازمة لتنظيم القطاع، وتسييره في الاتجاهات المعززة للنمو الاقتصادي عموما، وللقطاع العقاري خصوصا، والعمل أيضا على حسن استغلال الفرص الاستثمارية في القطاع، والانتقال بها نحو أفضل المراكز الاستثمارية التي تخدم احتياجات التنمية الشاملة محليا، وتوافر تلك الفرص بأعلى درجات الشفافية أمام المدخرات المحلية والأجنبية، بالمنهجية المتكاملة مع بقية البرامج والمبادرات الخاصة برؤية المملكة 2030.

ثانيا، إن القطاع العقاري بعد اكتمال رقمنته، سيصبح بالكامل خاضعا للحوكمة، التي سيؤدي تفعيلها إلى رفع درجة تنظيم القطاع، وإخضاعه بسهولة أكبر للإصلاحات اللازمة، والقضاء على جميع أشكال التشوهات الكامنة فيه، التي تركت آثارا عكسية في نشاط السوق العقارية عموما، وأفضت في جوانب واسعة منها إلى تضخم مبالغ فيه على مستوى الأسعار السوقية، ارتفع معه كل من تكلفتي الإنتاج والمعيشة على حد سواء، وسيصبح ممكنا تحت هذه النقلة المعلوماتية العملاقة، اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة للحد من هذه التشوهات، وصولا إلى التنقية الكاملة للقطاع العقاري منها ومن آثارها. ثالثا، سيسهم وجود هذه المنصة الرقمية للقطاع العقاري بدرجة كبيرة في التعزيز اللازم للموثوقية والشفافية المرتبطة بالملكيات العقارية، والمساعدة بدرجة أكبر على جهود الحد من المنازعات العقارية التي غلبت على عديد من التعاقدات المرتبطة بها، وهي التحديات التي طالما عاناها القطاع العقاري طوال عقود زمنية مضت، وشكل وجودها معوقات كأداء على طريق تنظيم وتطوير القطاع، التي يتوقع أن تتلاشى تدريجيا خلال العقود المقبلة، بمشيئة الله، بوجود هذه المنصة الرسمية المعززة للموثوقية والشفافية في خدمات وبيانات العقارات في المملكة، وحفظ وحماية حقوق الملاك أيا كانوا من أي تعديات أو تجاوزات أو ممارسات مخالفة.

رابعا، ستوفر تلك المنصة الرقمية بما ستضمه من بيانات ومعلومات مهمة جدا، كثيرا من الإمكانات والقدرات للأجهزة الحكومية المعنية بتنظيم القطاع وتطويره، والمساهمة في رفع كفاءتها الإشرافية والرقابية على جميع تعاملات القطاع. ومن ذلك في هذا الشأن، أنه سيصبح ممكنا التعرف على أي ممارسات احتكارية في القطاع عموما، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالأراضي، حتى تلك الممارسات التي قد تنطوي على أشكال المضاربة على الأراضي، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من أي من تلك الممارسات بالغة الضرر، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي، أو على مستوى القطاع العقاري. ومن الفوائد المعلوماتية أيضا في هذا الشأن، أن المؤشرات الدقيقة التي ستوفرها منصة رقمنة القطاع أمام كل من متخذي القرار والمخططين، ستمنح كثيرا من الكفاءة والفاعلية اللازمة لأي قرارات أو إجراءات أو تدابير يتم اتخاذها على مستوى تحسين وتنظيم وتطوير وإصلاح القطاع العقاري، لما ستقدمه المنصة الرقمية من بيانات ومعلومات دقيقة جدا، يمكن الاعتماد عليها في إطار تلك الجهود الإشرافية والتنظيمية، إضافة إلى حماية تلك القرارات والإجراءات من الوقوع في الآثار العكسية لعدم دقة البيانات والمعلومات المستقاة من القطاع، وهذا الأمر بحد ذاته، يعد واحدا من أهم وأكبر مكاسب وجود المنصة الرقمية للقطاع العقاري، التي لا يمكن تقديرها بأي ثمن.

في ضوء هذا التدشين المهم جدا للشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني للعقار "السجل العقاري"، وما ستوفره من منصة رقمية للقطاع العقاري المحلي، يمكن التأكيد أن الاقتصاد الوطني عموما، وهذا القطاع الحيوي والتنموي في الاقتصاد، سيكون الجميع على مواعيد تنموية مهمة، خلاصتها الجوهرية كعوائد وإيجابيات ستصب بمشيئة الله تعالى في المصلحة العامة للبلاد والعباد، وستثمر فترة بعد فترة عن مكاسب متنامية على المستويات كافة، بدءا من البيئة التنظيمية للقطاع عموما، وللسوق العقارية تحديدا، مرورا بالبيئة الاستثمارية وما ستنتجه من فرص عملاقة واعدة أمام القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي حتى للمجتمع، ستسهم مجتمعة في تعزيز وتنويع قاعدة الإنتاج المحلي، وفي زيادة وإيجاد عشرات الآلاف من فرص العمل المجدية، وانتهاء بإدخال القطاع العقاري داخل أسوار الاقتصاد الوطني، وتسخيره بالكامل لأجل خدمة التنمية الشاملة والمستدامة، فكل التوفيق لهذه الشركة الواعدة، التي يترقب نجاحاتها المأمولة الجميع.

 

 

نقلا عن الاقتصادية