فرص تعافي الاقتصاد السعودي وانتعاشه

05/09/2022 0
عبد الحميد العمري

يحظى الاقتصاد السعودي بفرص نمو واعدة خلال العام الجاري، قدر أن تصل إلى 7.6 في المائة مع نهاية العام الجاري، كأسرع معدل نمو اقتصادي متوقع تحقيقه خلال الفترة، مقارنة ببقية الاقتصادات حول العالم، وهو أيضا المعدل المقارب لنحو ثلاثة أضعاف معدل التضخم المقدر وصوله إلى 2.8 في المائة مع حلول نهاية الفترة نفسها، ويتزامن هذا الأداء الجيد للاقتصاد مع تسارع معدلات التوطين "توظيف العمالة المواطنة"، التي تمكنت من النمو بمعدل سنوي مع منتصف العام الجاري بلغ 17.3 في المائة، وفقا لبيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حول الوظائف في القطاع الخاص، ويتوقع في ظل هذه المعدلات المتسارعة للتوطين "التوظيف"، أن يرتفع عدد العمالة المواطنة في القطاع الخاص بصافي زيادة تناهز 284.4 ألف وظيفة، ويصل إجمالي عددها مع نهاية العام الجاري إلى أعلى من 2.2 مليون عامل وعاملة من المواطنين في القطاع الخاص، وبما يدفع معدل التوطين إلى الارتفاع إلى أعلى من 24.6 في المائة بحلول نهاية العام الجاري. وبالطبع، فإن هذه التطورات الإيجابية على مستوى بيئة سوق العمل المحلية، تعني في المقابل استمرار معدل البطالة في تراجع أكثر مما ظهر عليه طوال العامين الماضيين "بلغ 10.1 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري".

تأتي تلك التطورات الجيدة للاقتصاد الوطني، في الوقت ذاته الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي نمطا مختلفا من الأداء، الذي اقترب أكثر إلى الركود منه إلى النمو ولو بمعدلات متدنية، متأثرا بالركود الذي بدأت مؤشراته في الظهور على مستوى الاقتصادات المتقدمة، التي تأثرت كثيرا بالصراعات والعقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة وأوروبا على الاتحاد الروسي بعد تدخله في أوكرانيا، وما نتج عنه من تقلبات حادة في أسواق الطاقة والغذاء على حد سواء، دفعت بدورها معدلات التضخم إلى الارتفاع إلى أعلى مستوياتها في تلك الدول خلال أكثر من أربعة عقود مضت، واندفعت البنوك المركزية على أثره إلى رفع معدلات الفائدة بأعلى وتيرة منذ نهاية السبعينيات الميلادية. وكما يبدو فإن المواجهة بين البنوك المركزية والتضخم قد تمتد إلى بدايات 2024، الذي يؤكد حدوث مزيد من الضغوط على أداء الاقتصادات والأسواق العالمية طوال تلك الفترة.

ما يعني الاقتصاد الوطني في ضوء هذا التباين محليا وعالميا، أن تستمر وتيرة النمو لكل من الاقتصاد والوظائف، ويزداد نمو ومساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وتعزيز درجات التقدم على تنويع قاعدة الإنتاج، وتحقيق مزيد من اجتذاب الاستثمار الأجنبي، وكل ذلك مرهون بالتقدم الذي جرى ويجري العمل على تحقيقه فترة بعد فترة على طريق الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الكلي، التي كان لها الدور الحاسم في حقيقة الأمر، وهو ما سبق التأكيد عليه في أكثر من مقام سابق، من كونها اللاعب الأكبر خلف الجزء الأكبر الذي اكتسبه الاقتصاد الوطني طوال الأعوام الأخيرة، بدءا من تداعيات الجائحة العالمية لكوفيد - 19 وما تلاها من تحديات، وأن ما تحقق من ثبات واستقرار للاقتصاد الوطني طوال تلك الفترة حتى تاريخه، يعزى في الجزء الأكبر منه - بحمد الله - إلى ثمار الإصلاحات الهيكلية الواسعة والجذرية التي خضع لها الاقتصاد منذ منتصف 2016، التي نجحت عبر مختلف برامجها التنفيذية ومبادراتها في إعادة تأسيس وتشكيل الاقتصاد الوطني، وتعد في الحقيقة هي مربط الرهان على قدرة الاقتصاد على المحافظة على وتيرة النمو بعد تجاوزه فترة التعافي الماضية، خاصة في ظل التذبذبات الراهنة في أسواق الطاقة، ما يؤكد بدرجة عالية جدا الدور الذي يقوم به مجمل عمليات الإصلاحات والتطوير الراهنة للاقتصاد، وأنها بالفعل هي الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها النمو المستدام والمنشود لاقتصادنا الوطني.

كما يجب التأكيد على أن من أهم الركائز "محليا" التي ستفتح مجالات أوسع لنمو القطاع الخاص، وزيادة قدرته على توفير مزيد من الوظائف، وتحقيق معدلات أسرع على طريق التوطين، والمساهمة الفاعلة في خفض معدل البطالة، إضافة إلى زيادة اجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، أن يتم الدفع بصورة أسرع وأكبر على طريق إجراءات وخطوات خفض معدلات التضخم في السوق العقارية، التي ما زالت أحد أكبر مصادر تضخم تكاليف المعيشة والإنتاج على حد سواء، ويعد تجاوز هذا التحدي وتحقيق خطوات فاعلة في مضماره واحدا من أهم وأكبر دعائم النمو الاقتصادي محليا، وإضافة مهمة جدا على طريق اجتذاب مزيد من الثروات والأموال محليا ومن خارج الحدود، نظرا لما يمثله بقاء أسعار الأراضي متضخمة، كما هي الحال الراهنة، من عائق عملاق أمام كثير من تدفقات الاستثمار المحلي والأجنبي، ما يقتضي بدوره تأكيد أهمية تسريع وتفعيل جميع الأدوات اللازمة لمعالجة أسباب التضخم العقاري الراهن، والعمل بصورة أكثر فاعلية وسرعة للقضاء على تلك الأسباب، التي من أهمها زيادة معدلات الاكتناز والمضاربة كأكبر عاملين، ودون إغفال عديد من العوامل الأخرى، إلا أنها لا ترتقي من حيث التأثير في الأسعار إلى التأثير الكبير الذي يلعبه هذان العاملان "الاكتناز، المضاربة".

تشكل الإصلاحات والتطوير الراهن للاقتصاد الوطني، منظومة متكاملة الأجزاء والأركان، ويعد العمل على إزالة التشوهات التي أدت إلى تضخم أسعار الأراضي محليا بأكثر مما يتحمله المنتج والمستهلك على حد سواء، واحدا من أهم الأولويات التي تنتظر ترجمة حقيقية على أرض الواقع، وكونها العمل المتمم لبقية عمل منظومة الإصلاحات والتطوير، وما قد يسببه التأخر فيها من تعطيل أو تأخير لكامل عمل المنظومة الإصلاحية والتطويرية، وهو بكل تأكيد ما يجب تجاوزه، والعمل على معالجته بصورة أسرع وأوسع، وهو - بإذن الله تعالى - ما سيمكن رؤيته قريبا مع تسارع الإصلاحات المرتبطة بهذا الملف التنموي، خاصة مع تسارع خطوات تنفيذ بقية مراحل نظام الرسوم على الأراضي البيضاء.

 

 

نقلا عن الاقتصادية