محدودية الموارد وليس ندرتها

22/08/2022 0
د.صالح السلطان

مع الضعف الذي يعانيه الاقتصاد العالمي، زاد الحديث عن الموارد ومدى كفايتها وقضايا أخرى ذات صلة. طبعا كلنا نعرف أن الموارد في هذه الدنيا ليست متاحة كما يشتهي البشر، فهذا في الجنة فقط، جعلنا الله من أهلها، من الأسس التي يقوم عليها أي اقتصاد ويقوم عليها علم الاقتصاد محدودية الموارد. والمسمى الشائع لهذه المحدودية "الندرة" ترجمة للكلمة scarcity وكلا المسميين غير موفق، تشرح كتب الاقتصاد كلمة scarcity وترجمتها كلمة ندرة شرحا لا يتناسب مع المعنى اللغوي ولا دلالة الكلمتين المتبادر لذهن الناس، بغض النظر عن ديانة أو تصورات الواحد الفلسفية عن الحياة والكون. المحدودية لا تستلزم بالضرورة الندرة، لكنها تعني أن الموارد عادة متاحة لكن ليس بالقدر الذي يشتهيه البشر. مساحة الأرض أو مساحات الدول أو أموالها كلها مثلا ثابتة معروفة، وليست مفتوحة كما يشتهي الناس. أما الندرة في اللغة، وفي عرف الناس، فتعني حالة خاصة جدا من المحدودية. تعني عادة أقل قدر ممكن وجوده، وهنا الإشكال، بما يدل على سوء اختيار المسمى الإنجليزي وترجمته تبعا.

أورد كتاب بول سامولسون وويليات وردهاوس «الاقتصاد»، الذي يعد أشهر كتاب في مبادئ الاقتصاد، وترجم إلى عشرات اللغات ومنها العربية، أورد توضيحا لما تعنيه كلمة ندرة، "فإذا كان في الإمكان إنتاج كميات غير محددة من كل سلعة، أو إذا أشبعت كل الحاجات البشرية بالكامل، فماذا ستكون النتيجة؟ لن يقلق الناس على وضع ميزانية لدخلهم، لأن في وسعهم الحصول على كل ما يريدون، ولن تضطر منشآت الأعمال إلى الشعور بالغيظ من تكلفة رأس المال أو تكلفة الرعاية الصحية، ولن تحتاج الحكومات إلى الكد من أجل الضرائب أو النفقات، لأن أحدا ما لن يهتم. فطالما كان في وسع الجميع الحصول على كل ما يرغبون، فلن يهتم أحد بمسألة توزيع الدخل بين مختلف الناس أو الطبقات... ولن تكون هناك صلة ما بين الأسواق والأسعار، ولن تكون لعلم الاقتصاد أهمية أو فائدة". ص 30.

ووفقا لهذا الشرح، الذي يتكرر شبيهه في عامة كتب مبادئ الاقتصاد، فإن الموارد في هذه الدنيا لها حدود، وهذا أمر معلوم عقلا، ولا معنى لإنكاره، وقد يكون اختيار كلمة scarcity غير موفق للتعبير عن المقصود. طبعا وجود المحدودية لا ينفي وجود مشكلات كالفقر، بل ما كان أصلا متصورا إمكان وجود هذه المشكلات دون وجود حدود للموارد، أي لو أن الموارد كانت متاحة دون حدود وكما يشتهي كل واحد، لما كان للفقر وتفاوت الأرزاق والثروات والإسراف والسرقة والكد والبيع والشراء والأسعار والأجور والتوظيف... إلخ معنى.

يتحفظ بعض كتاب الاقتصاد الإسلامي على فكرة أو مشكلة المحدودية، ويوردون ما يرونه تفردا للاقتصاد الإسلامي، كقولهم إن المشكلة ليست في المحدودية، لكن بسبب أمور أخرى ككسل "أو عجز" بعض الناس عن الكد والإفادة بما أودع الله - سبحانه - في الأرض من موارد ونعم، وكإسراف وتبذير بعض البشر، انظر مثلا، عبده، الاقتصاد الإسلامي مدخل ومنهاج 1974، ص32 و33.

القول السابق لي عليه ملحوظتان، الأولى أنهم لم يفهموا المحدودية، كما هي في كتب علم الاقتصاد حق الفهم، والثانية، أن الأمور الأخرى التي ذكروها لا تنكر، بل هي من أوضح الواضحات، لكنها تزيد من القناعة بوجود المحدودية، فتلك الأمور الأخرى لم يكن لوجودها من معنى واضح لولا محدودية الموارد. وهذه الأمور تستحق أن يبذل فيها مزيد من الجهود دراسة وبحثا، وينبغي أن يشترك في هذه الجهود أطياف متعددة من مثقفي المجتمع، وأذكر من هؤلاء، على سبيل المثال وليس الحصر، علماء الدين والاجتماع وعلم النفس والاقتصاد.

قضية محدودية الموارد مقابل رغبات لا تنتهي تجبر الناس على الاختيار، وهنا تظهر الحاجة إلى علم يدرس كيفية تخصيص / توزيع allocate موارد إنتاجية محدودة أو محددة، ولها استعمالات متعددة، في إنتاج سلع وخدمات وتوزيعها / تخصيصها سواء الآن أو في المستقبل لتلبية رغبات أو شهوات لا حدود لها، وهذا هو علم الاقتصاد. وتبعا لذلك ظهرت فكرة الكفاءة efficiency التي تعني كيف نستخدم الموارد الاقتصادية التي لها استعمالات عديدة بأكثر الطرق فاعلية لإشباع رغبات الناس غير المنتهية. والرغبات تراوح في الأهمية وقدر النفع، بل منها ما هو ضار باتفاق الشرائع والعقلاء. كما أن علم الاقتصاد يحلل أو يبحث تكاليف ومنافع تحسين أنماط توزيع الموارد.

وتحدد الموارد "وتعدد استعمالاتها" أوجد المعنى الاقتصادي للموارد الذي يتضمن من ضمن ما يتضمن وجود الأسعار والأسواق والتوزيع والاستعمالات والرشاد في التصرفات المالية... إلخ.

علم الاقتصاد هو دراسة كيف يختار الناس مواردهم المحدودة "أعني التي لها حد وقدر، وليست متاحة كما نشاء ونشتهي"، مثل: الأرض، والعمل، ورأس المال، والمعرفة الفنية، لإنتاج سلع عديدة ومتنوعة وتوزيعها على أفراد المجتمع. والمطلوب التعرف على أكفأ استخدام للموارد في ظل رغبات وشهوات لا حدود لها. وبالله التوفيق.

 

نقلا عن الاقتصادية