كَشفت النتائج المالية الفعلية للميزانية العامة للدولة للربع الثاني والنصف الأول من العام الجاري عن جدوى الإصلاحات المالية والاقتصادية، التي انتهجتها الحكومة السعودية منذ انطلاقة رؤيتها المباركة 2030 في شهر إبريل 2016 بقيادة عرابها سمو ولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله-.
الدلائل والمؤشرات على جدوى الإصلاحات المالية والاقتصادية عديدة وكثيرة، قد يصعب حصر جميعها في ظل محدودية مساحة هذا المقال.
لعلي أغتنم فرصة الإعلان عن النتائج المالية للميزانية العامة للدولة للربع الثاني والنصف الأول من هذا العام لتسليط الضوء على أبرز نتائج تلك الإصلاحات المالية، حيث بدأت النتائج المالية للميزانية هذا العام تكشف عن انحسار العجز المالي وتحقيق فوائض مالية على مستوى الأرباع ونصف العام، محققة بذلك مستهدفات برنامج الاستدامة المالية، الذي أطلق سابقاً بنهاية العام 2016 باسم برنامج تحقيق التوازن المالي ووضع الية تخطيط (متوسطة المدى) تُحقق استدامة وضع المالية العامة للدولة وتحقيق ميزانية متوازنة.
وهذا ما تم تحقيقه فعلياً على أرض الواقع، حيث أظهرت النتائج المالية الفعلية المتحققة عن الربع الأول من العام الجاري فائضاً مالياً بلغ 57.5 مليار ريال، في حين تم تحقيق فائض مالي بالربع الثاني من نفس العام بلغ 77.9 مليار ريال، ليُنهي نصف العام نتائجه المالية بتحقيق فائض مالي بلغ 135.4 مليار ريال. هذا الإنجاز المالي المتحقق، وبالذات المرتبط بتحقيق فائض مالي بالميزانية بالنصف الأول من العام متجاوزاً للمبلغ المقدر تحقيقه لكامل العام وهو 90 مليار ريال وبنسبة تجاوز بلغت 50 %، ليؤكد بما لا يقبل الشك على إصرار الحكومة السعودية الاستمرار في تنفيذ برامجها الإصلاحية الرامية إلى تعزيز الضبط المالي وتطوير المالية العامة للدولة للسيطرة على نسب العجز السالب إلى الناتج المحلي الإجمالي من 15.8 % في عام 2015 إلى 2.7 % في العام الماضي وصولاً إلى تحقيق معدلات إيجابية في هذا العام والعامين القادمين 2023 و2024 بنسبة 2.5 % و 0.8 % و1.1 % على التوالي رغم التحديات الاقتصادية المحيطة بالعالم، كتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد ومؤخراً التحديات التي فرضها النزاع الروسي الأوكراني، وبالذات المرتبطة بتزويد الاتحاد الأوروبي بالطاقة والعالم بالغذاء، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى معدلات غير مسبوقة منذ نحو أربعة عقود مضت، وكذلك ارتفاع أسعار الفوائد العالمية.
دون أدنى شك أن فعالية الإصلاحات، قد ساهمت بشكلٍ كبير وملحوظ في سرعة تحقيق الميزانية لفائض مالي بالربعين الماضيين من هذا العام وبطبيعة الحال خلال هذا النصف من العام، مما سيعزز من المركز المالي للمملكة، وبالذات من قدرته في التعامل مع الصدمات الاقتصادية والمالية الخارجية المحتملة التي تحل بالعالم بين الحين والآخر، وليس ذلك فحسب، حيث إن مثل هذا الإنجاز سيساهم أيضاً في التهيئة للوصول إلى بيئة مالية مستدامة تعزز من قدرة الدولة على التخطيط المالي السليم الذي يحقق مستهدفات رؤية المملكة 2030 بنمو الناتج المحلي بوتيرة منتظمة، بما في ذلك خلق فرص عمل للمواطنين والمواطنات السعوديين والسعوديات وأن يتحسن ترتيب اقتصاد المملكة بين دول مجموعة دول العشرين من المرتبة 19 إلى المرتبة 15 بحلول عام 2030.
ولكن وعلى الرغم من ذلك الإنجاز المالي المميز، تظل هناك تساؤلات تُلوح في الأفق ترتبط بقدرة تلك الإصلاحات على توفير قوة دفع ذاتية لاقتصادنا الوطني للاستمرار في هذا الأداء المالي رغم التحديات المالية والاقتصادية المحيطة بنا، سيما حين النظر إلى أن ما تحقق من نتائج إيجابية بالميزانية كان الدافع القوي وراءه هو التحسن الملحوظ الذي طرأ على أسعار النفط العالمية التي كسرت حاجز المئة دولار للبرميل بسبب النزاع العسكري الجاري حالياً بين روسيا وأوكرانيا، والذي انعكس بدوره إيجابياً وبشكلٍ ملحوظ على نمو الإيرادات النفطية بالنصف الأول من هذا العام بنسبة 75 % لتبلغ 434 مليار ريال مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي والتي بلغت فيه 248.7 مليار ريال، في حين نمت الإيرادات غير النفطية خلال نفس فترة المقارنة بنسبة 5 % فقط لتبلغ 214.3 مليار ريال بنهاية النصف الأول من العام الجاري. ومن بين التحديات الأخرى التي تواجهها تلك الإصلاحات، قدرة الاقتصاد الوطني على تحقيق إيرادات غير نفطية لا تعتمد بشكلٍ كبير على الرسوم والضرائب، وبالذات الضرائب، سيما وأن الجزء الغالب على تشكيلة الإيرادات غير النفطية بالنصف الأول من العام الجاري والنصف المماثل من العام الماضي، كانت الإيرادات المتحققة عن فرض الضرائب بأنواعها المختلفة (الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية، والضرائب على السلع والخدمات، والضرائب على التجارة والمعاملات الدولية، وضرائب أخرى)، والتي شكلت في مجملها ما نسبته 80 % بالنصف الأول من العام الجاري وكذلك النسبة نفسها لذات النصف من العام الماضي، في حين شكلت الضرائب على السلع والخدمات لوحدها منفردة من إجمالي الإيرادات غير النفطية ما نسبته 58 % بالنصف الأول من العام الجاري وقرابة 60 % بالنصف المماثل من العام الماضي.
هذا التحدي الضريبي في تشكيلة الإيرادات غير النفطية يفرض الحاجة الملحة والسريعة إلى تعزيز مساهمة القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة كقطاع السياحة وكقطاع التعدين وقطاع الاتصالات والتقنيات الذكية ونشاط الترفيه وقطاع الخدمات اللوجستية وغيرها من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ما سيمكننا بإذن الله تعالي ليس فقط من تحقيق هدف رؤية المملكة بأن يصل حجم الإيرادات غير النفطية إلى نحو تريليون ريال بحلول عام 2030، بل وسَيمكننا كذلك من الوصول إلى مستوى الاستدامة المالية المستهدف وكذلك خفض نسبة قيمة الضريبة المضافة من 15 % حالياً على مستوياتها السابقة ما بين 5-10 %.
نقلا عن الرياض