جاءت نتائج الميزانية العامة للدولة عن الربع الثاني من العام الجاري، وعلى مستوى أدائها خلال النصف الأول من العام نفسه، متسقة إلى حد بعيد مع جميع المؤشرات الإيجابية المتحققة للأداء الاقتصادي في المملكة، بفضل الله، وسجل إجمالي الإيرادات الحكومية خلال النصف الأول من العام الجاري نموا سنويا وصلت نسبته إلى 43.2 في المائة "648.3 مليار ريال"، وجاء معدل النمو المتحقق هنا حتى منتصف العام الجاري، أعلى بكثير من معدل النمو المقدر لإجمالي الإيرادات العامة للدولة عن العام المالي كاملا، الذي كان قد تم تقديره في بيان الميزانية مطلع العام عند 12.4 في المائة.
يأتى مصدر النمو الأكبر خلال الفترة من النمو القياسي الذي حققته الإيرادات النفطية، التي سجلت ارتفاعا سنويا خلال النصف الأول من العام المالي الجاري بنسبة بلغت 74.5 في المائة "434.1 مليار ريال"، مقابل ارتفاع حجم الإيرادات غير النفطية عن الفترة نفسها بمعدل سنوي وصلت نسبته إلى 5.0 في المائة "214.3 مليار ريال"، أي ما نسبته 33.0 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة، كما ترتفع هذه المحصلة نصف السنوية لبند الإيرادات غير النفطية خلال العام الجاري 15.3 في المائة، مقارنة بـأعلى حصيلة لها تم تحقيقها خلال أفضل عام مالي سبق إصلاحات وبرامج رؤية المملكة 2030، بما يؤكد فترة بعد فترة أهمية الجهود والبرامج الطموحة، التي بذلتها الدولة على طريق الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الشاملة والجذرية طوال الأعوام الماضية، وهو الطريق الذي انصب العمل الحكومي المتكامل على التنفيذ الدقيق لجميع المبادرات والإصلاحات المالية التي تم الإعلان عنها طوال الأعوام الماضية، وضمن منهجية قائمة على الحوكمة الحازمة والدقيقة، وصولا إلى تحقيق جميع مستهدفاتها الاستراتيجية، وعلى رأسها التعزيز المستمر والمتنامي لمصادر الإيرادات غير النفطية، والعمل المتكامل من جميع الأجهزة الحكومية التنفيذية لأجل ضمان استدامتها واستقرارها في الأجلين المتوسط والطويل، هذا إضافة إلى استمرار دعم وتكثيف الجهود المنصبة على تنفيذ خطط التحول الاقتصادي للمملكة، والعمل على تمويل النفقات ذات البعد الاجتماعي، التي أسهم النجاح اللافت على مستوى تنويع وتنمية تلك الإيرادات بشكل هيكلي ومستمر في نمو الإيرادات غير النفطية بشكل ملحوظ، وذلك من خلال تبني العمل بمجموعة من المبادرات التي اتسمت منهجيتها بمعدلات عالية من الكفاءة والفاعلية، وعملت جميع الأجهزة أيضا على تعزيز آلية انتظام تدفقها، إلى أن أصبحت مصدرا مهما متصفا بالاستدامة اللازمة.
وفي جانب بند إجمالي المصروفات، فنتيجة للالتزام بضوابط ترشيد الإنفاق الحكومي "الحوكمة"، لم يتجاوز النمو السنوي لإجمالي المصروفات الحكومية خلال النصف الأول من العام المالي الجاري سقف 10.3 في المائة "512.9 مليار ريال"، علما أن المصدر الأكبر للنمو المتحقق في إجمالي المصروفات الحكومية خلال الفترة، يأتى من النمو القياسي للإنفاق الرأسمالي "المشاريع التنموية"، التي قفزت بمعدل سنوي خلال الفترة وصل إلى 38.0 في المائة "50.3 مليار ريال"، أي بما شكل نحو 55.3 في المائة من إجمالي الإنفاق الرأسمالي المخطط له خلال العام المالي الجاري المقدر بنحو 92 مليار ريال. بينما في المقابل، نما إجمالي الإنفاق الجاري خلال الفترة، بجميع بنوده المشكلة له "تعويضات العاملين، السلع والخدمات، نفقات التمويل، الإعانات، المنح، المنافع الاجتماعية، المصروفات الأخرى"، 7.9 في المائة "462.1 مليار ريال"، وتحرك أكبر بندين في الجزء من الإنفاق الحكومي خلال الفترة نفسها، على النحو الآتي، نمو بند تعويضات العاملين بما لا يتجاوز 2.2 في المائة "251.1 مليار ريال"، "54.3 في المائة من إجمالي المصروفات الجارية"، ونمو الإنفاق على السلع والخدمات بمعدل سنوي 32.8 في المائة "97.2 مليار ريال"، "21.0 في المائة من إجمالي المصروفات الجارية".
جدير بالذكر هنا فيما يتعلق بالإنفاق الاستثماري، لما يسهم به خصوصا في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، من خلال تركزه على المشاريع التنموية ذات الأولوية، وكما قد أصبح معلوما أن الجزء الأكبر من المهام والأدوار الرئيسة لهذا النوع من الإنفاق، كان قد تم نقله إلى صندوق الاستثمارات العامة، ويبدو أن المالية العامة رأت ارتفاع الحاجة خلال المرحلة الراهنة، وبما حملته من مستجدات محلية ودولية نظير ما يواجهه الاقتصاد العالمي والأسواق الخارجية من تحديات، أن ترتفع مساهمتها في الجانب التنموي للاقتصاد الوطني، ودون التداخل مع ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة، بل يكون داعما إضافيا لتلك الأدوار التنموية والاستثمارية الموكلة للصندوق، الذي تنامى الاعتماد عليه بصورة أكبر ضمن برامج التحول، ليتولى بدوره الإنفاق الاستثماري المخطط له في تلك المجالات التنموية متوسطة وطويلة الأجل، متزامنا في ذلك الاتجاه الاستراتيجي مع انتهاء العمل على عدد من المشاريع الرأسمالية. وبدأ القطاع الخاص وصندوق الاستثمارات العامة تولي أغلب تمويل عديد من المشاريع الرأسمالية، وفي المقابل تعتزم الحكومة الاستمرار في تنفيذ عديد من المشاريع في جميع القطاعات منها: مشاريع تجهيز البنية التحتية، والمدن السكنية، ومشاريع الطرق السريعة، وبناء الوحدات السكنية، وإنشاء محطات المياه.
أفضت النتائج المالية المتحققة أعلاه خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، إلى تحقيق فائض مالي فعلي عن الفترة بنحو 135.4 مليار ريال، أي بما يزيد على 50.4 في المائة من إجمالي الفائض المقدر تحقيقه بنهاية العام المالي الجاري كاملا "90 مليار ريال"، مؤكدا بدوره - بمشيئة الله تعالى - تحت استمرار التطورات والأوضاع الإيجابية الراهنة محليا، أو حتى في ظل تحسنها أو تدنيها بعض الشيء خلال النصف الثاني من العام الجاري، أن الميزانية العامة وإدارتها راسخة ومتينة بحمد الله.
نقلا عن الاقتصادية