مخطئ جدا من ظن أنها كانت وليدة الفترة الراهنة، بوادر الأزمة العقارية العالمية التي أصبحت تواجهها أسواق العقار حول العالم من تعثرات في سداد مستحقات الرهون العقارية، وتوقف لآلاف المشاريع العقارية من أقصى الشرق في الصين، إلى أقصى الغرب في الولايات المتحدة، وتزامنها مع تراجع مستمر لمبيعات المساكن في أغلب تلك الأسواق طوال أشهر متتالية، منذ النصف الثاني من العام الماضي حتى الفترة الراهنة، في الوقت ذاته الذي تسارع خلال مدته الوجيزة - أقل من عامين ونصف - ارتفاع مستويات أسعار المساكن بصورة غير مسبوقة منذ 1950، متأثرة بالدرجة الأولى من تسارع نمو الإقراض العقاري بأعلى من 60 في المائة في المتوسط لدى أغلبية تلك الأسواق، الذي سجل قفزاته القياسية تلك تحت تأثير مباشر من تدني معدلات الفائدة وزيادة التيسير الكمي، كسياسات اضطرت إليها البنوك المركزية حول العالم مع أول مؤشرات اندلاع التداعيات السلبية للجائحة العالمية كوفيد - 19.
ذلك أن شرارات الأزمة العقارية الراهنة في الأسواق الأكبر عالميا «الولايات المتحدة، الصين»، تعود إلى ما قبل الأزمة المالية العالمية 2008، التي أُخمد جزء كبير من مشكلاتها الائتمانية الهائلة تحت رماد سياسات التيسير الكمي وتدني معدلات الفائدة طوال تلك الفترة، وشهدت خلالها مزيدا من التضخم، واتساع رقعتها لتنضم إليها أسواق عقارية أخرى في كثير من الدول، وزادت درجة غليانها بعد تفشي الجائحة العالمية كوفيد - 19، لتبدأ أول مؤشرات انكشافها للجميع مع أوائل صيف العام الماضي من السوق العقارية الصينية، التي تعد إحدى أكبر الأسواق العقارية على مستوى العالم، في ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، في ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، ووفقا لتقرير نشرته الاقتصادية مطلع الأسبوع الجاري، يأتي مصدر القلق العالمي مما يجري في الصين عقاريا، التي ترتبط كاقتصاد عملاق بعلاقات مالية وتجارية عالمية، والخوف من أن تمتد أزمة العقارات في الصين إلى منظومتها المالية، التي ستتجاوز صدمتها حدود الصين، وسيكون لتصاعد التخلف عن السداد في الصين - وفقا لوكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية - تداعيات اقتصادية واجتماعية واسعة وخطيرة.
أثناء هذه التقلبات التي بدأت تتزايد في أغلبية الأسواق العقارية حول العالم، تتدافع البنوك المركزية العالمية نحو التصدي لموجات التضخم الأعلى خلال أكثر من 42 عاما مضت، عبر الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة، والسحب المتدرج للسيولة الفائضة في الأسواق، كان من أولى نتائجها ارتفاع الدولار أمام بقية العملات الرئيسة في العالم، ومضاعفة الضغوط على أغلبية الدول الأقل دخلا والأضعف نموا، بارتفاع تكلفة ديونها الخارجية وتكاليف التأمين عليها، في الوقت ذاته الذي لم يخرج الاقتصاد العالمي من صدمة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات الناتجة عنها على الاتحاد الروسي، التي تسببت في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وكما أن مجمل تلك المتغيرات المتسارعة في رتمها ألقت بظلالها القاتمة على عموم الاقتصادات والأسواق حول العالم، فقد انعكست أيضا على أغلب الأسواق العقارية حول العالم، محركة من تحتها أمواجا هادرة من الأزمات المتصاعدة شهرا بعد شهر.
محليا، نحن جزء له وزنه المعتبر من الاقتصاد العالمي، يرتبط اقتصادنا وأسواقه بكثير من الارتباطات مع العالم الخارجي، تضاف فرصه وتحدياته على حد سواء، إلى الرصيد المحلي منها، ومن ضمنها بالطبع السوق العقارية المحلية، التي زاد ارتباطها بصورة متسارعة مع القطاع التمويلي بنحو 0.5 تريليون ريال خلال أقل من ثلاثة أعوام مضت، وهو ما بدأت «ساما» في شفافية محمودة منها، بالكشف عن نسب التعثر للتمويل العقاري السكني البالغة 4.1 في المائة، وللتمويل العقاري التجاري البالغة 7.8 في المائة بنهاية 2021، إضافة إلى ما نشرته وزارة العدل مطلع الأسبوع الجاري بتجاوز ما استقبلته المحاكم من طلبات فك رهن العقارات سقف 43.7 ألف طلب منذ بداية العام الهجري الجاري حتى تاريخه، وأن القطاع السكني شكل منها نحو 75 في المائة من هذه الطلبات.
تقتضي تلك التطورات غير المقلقة مقارنة بما هو قائم في بقية الأسواق الخارجية، التحرك سريعا نحو مزيد من التحوط الائتماني والمالي، الذي يستهدف المحافظة على الاستقرار المالي بالدرجة الأولى، والمحافظة على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بصورة أوسع، والوصول بالسوق العقارية إلى مستوى راسخ من الاستقرار وعدالة الأسعار.
يأتي في مقدمة الإجراءات التحوطية اللازم اتخاذها من قبل «ساما»، أن تبدأ بإعادة ضبط آليات تحصيل أقساط القروض العقارية اللازمة الدفع من قبل المقترضين، بخفضها إلى ما لا تتجاوز 33 في المائة من صافي الدخل الشهري للمقترض، الذي سيسهم في خفض درجة المخاطرة على الجهات الممولة، ويخفف إلى حد بعيد من الضغوط المالية على الأفراد المقترضين، وأن تعمل «ساما» أيضا على إلزام الجهات الممولة بالتطبيق الكامل لنظام الرهن العقاري في عقود التمويل التي تتم بينها وبين المقترضين، واستبعادها لإجراءات تلك الجهات الممولة بتوقيع المقترضين على "سند أمر"، وهو الإجراء الذي لم يرد ما يسوغه نظاما، سواء في نظام الرهن العقاري "وزارة العدل"، أو حتى في أنظمة التمويل الصادرة عن «ساما»، وتكمن الأهمية في هذا الإجراء المتوافق مع الأنظمة المعمول بها في هذا الشأن، أنها ستفرض على الجهات الممولة مزيدا من درجات التحوط اللازم اتخاذها أثناء توقيع تلك العقود التمويلية، وعدم القبول بأي أسعار مبالغ فيها للعقارات المزمع تمويلها.
أما في جانب العرض، فسيسهم اعتماد آلية تسعير الأراضي "الواقعة تحت نظام الرسوم" بناء على أسعارها السوقية عوضا عن الآلية الراهنة، التي ينتج عنها خفض كبير لسعرها السوقي، في رفع كفاءة النظام بدرجة كبيرة، ويسهم في زيادة تأثيره بتحفيز ملاك الأراضي نحو ضخها في جانب العرض، إما بالتخارج منها وإما بتطويرها والانتفاع منها، وتسريع الجهود الهادفة إلى تحقيق التوازن المنشود بين العرض والطلب. تتسم تلك الإجراءات التحوطية على سبيل المثال لا الحصر - وإن كانت متأخرة بعض الشيء - بقدر عال من الأهمية، التي تستهدف بذل الجهود اللازمة للمحافظة على أوجه الاستقرار بالنسبة لجميع قطاعات الاقتصاد الوطني، بدءا من القطاع التمويلي، وصولا إلى القطاع العقاري.
نقلا عن الاقتصادية
يعطيك العافية ياشيخ عبدالحميد .... صرح ولي العهد حفظه الله ، بان سكان المملكة العربية السعودية سيرتفع ألى حوالي 50 -60 مليون بحلول 2030 وهذا يعني ضمنا ان البلد سيكون اكثر انفتاحا على الاجانب او بصورة او اخرى سوف نتبع نموذج دبي والامارات ....وهذا يعني تسهيل تملك الاجانب للعقارات بشكل او اخر وربما اتاحة القروض لهم لتملك العقارات ....اعتقد ان الهدف تنويع مصادر الدخل في البلد وايضا جلب الاستثمارات والدولارات للبلد لتصحيح عجز ميزان المدفوعات والميزان الجاري والذي عاني كما نعلم من عجز في الفترة الماضية ........................................السؤال الاهم : ماهو تأثير هذه التغيرات على اسعار العقارات في المدن السعودية .......ياليت ياستاذ / عبدالحميد لو تعطينا مرئياتك على اثر هذه التطورات على اسعار العقارات السعودية ......مهم ان نستشرف المستقبل .تحياتي
حياك الله أخي شاري، إجابة سؤالك باختصار شديد في الجانب العقاري تحديدا؛ هذه المتغيرات إذا تمّت على حجم المدن والبنى التحتية اليوم طبعا سيحدث تضخم هائل بالأسعار، وضغط أكبر على الخدمات والأسواق إلخ.. لكن إذا ما تم النظر إلى حجم الاستثمارات المخططة لإنشاء مدن جديدة (مثل لاين) التي ستستوعب لوحدها فقط 9 ملايين نسمة، وتم تطوير وتحديث القائم منها كما هو قائم الآن في الرياض وجدة كمثال، واستيعاب المدينتين فقط بعد التطوير والتوسعة لضعف سكانهما اليوم، والنظر إلى بقية المتغيرات الكبيرة والواسعة التي ستطرأ على بقية المدن والطرق داخلها وفيما بينها والمستشفيات والجامعات ومصادر الطاقة والكهرباء والمياه ومقار الأعمال ووسائل النقل من قطارات ومطارات جديدة وتوسعة القديم منها إلى آخر الاستثمارات المقدرة بـ 27 تريليون ريال التي تم الإعلان عنها، ستجد أن الصورة ستختلف 100% وأن الأمر بما تحمله التطورات مستقبلا ستشمل جميع مظاهر الحياة والاقتصاد والمجتمع بمنهجية متوازنة ومتسقة كما يؤمل بمشيئة الله، وليس كما قد يظن البعض أن زيادة سكانية بهذا الحجم ستأتي على نفس الطاقة الاستيعابية الراهنة سواء للاقتصاد أو البنى التحتية أو المدن والمحافظات أو لأي بعد آخر!! بل ستتوسع وتنشأ مجالات ومناطق جديدة واستثمارات هائلة تستوعب كافة المتغيرات المستقبلية الجاري الحديث عنها اليوم، لكنها ستكون بأرقام وحقائق الغد المختلف كثيرا عن واقعنا وإمكاناتنا خلال الفترة الراهنة.. الأمر يطول شرحه ولا يمكن بأي حال من الأحوال توصيفه كما يجب في خلاصة هذا الرد، والمأمول هنا فتح تصورات المرء على إطار أوسع بكثير لفهم وتخيل أكبر قدر ممكن من المنظومة الاقتصادية والمجتمعية إلخ التي ستكون عليها في مستقبل السبعة أعوام القادمة بإذنه تعالى