مستقبل سوق العقار .. اقتصاديا واستثماريا ومجتمعيا

25/07/2022 9
عبد الحميد العمري

وصل ارتفاع متوسط الأسعار الحقيقي للأراضي والفلل والشقق السكنية "وفقا لبيانات وزارة العدل" إلى نحو 154 في المائة، وذلك خلال الفترة من كانون الأول (ديسمبر) 2018 حتى منتصف العام الجاري، مدفوعا بعوامل عديدة كان من أبرزها زيادة الائتمان العقاري للأفراد، الذي وصل إلى نحو 460 مليار ريال خلال الفترة نفسها، وتزامن مع تدني معدلات الفائدة البنكية خاصة خلال الفترة "آذار (مارس) 2020 ـ آذار (مارس) 2022"، إضافة إلى توافر الدعم السكني الحكومي الممنوح لأغلبية الأفراد بما لا يتجاوز 500 ألف ريال للفرد الواحد وفقا لمستوى دخله الشهري، وأدى كل ذلك إلى تحفيز جانب الطلب بصورة كبيرة جدا. في المقابل، لم يحظ جانب العرض بالتحفيز المماثل أو حتى قريبا منه، ما أسهم في زيادة تمسك ملاك الأراضي والعقارات السكنية بممتلكاتهم، والتطلع إلى بيعها بأعلى الأسعار السوقية، وهكذا مضت الأمور في السوق العقارية المحلية حتى منتصف العام الجاري، وهو بالطبع على العكس بدرجة كبيرة من تطوراتها خلال الفترة 2016 ـ 2018، التي شهدت تراجعات لافتة في نشاطها، وانخفاضا في متوسط الأسعار الحقيقي للأراضي والفلل والشقق السكنية، وصل إلى نحو 29.0 في المائة خلال الثلاثة أعوام لمجمل لتلك الفترة.

وبالنظر إلى الفترة الراهنة، يمكن التأكيد أن السوق العقارية قد استهلت خطواتها الأولى في مرحلة جديدة من التطورات، التي تمتزج بين متغيرات محلية وأخرى خارجية، تختلف في مضمونها إلى حد بعيد عن أوضاعها خلال المرحلتين السابقتين على وجه الخصوص "المرحلة الأولى 2016 ـ 2018، المرحلة الثانية 2019 ـ 2022"، وتختلف بالتأكيد عما سبقها من مراحل زمنية ماضية سبقت 2016 وما قبله من عقود زمنية طويلة.

من أهم سمات المرحلة الراهنة على مستوى العوامل المؤثرة، أن السوق العقارية أصبحت أكثر ارتباطا بالقطاع التمويلي، الذي تحول إلى أكبر قنوات ضخ السيولة الشرائية فيها، الذي قاده إلى التأثر بدرجة أكبر من السابق بالتغير في معدل الفائدة البنكية "تكلفة التمويل" ارتفاعا أو انخفاضا، إضافة إلى الانخفاض الكبير في قوائم انتظار تملك المساكن، خاصة خلال الفترة من مطلع 2019 حتى منتصف العام الجاري، مقابل ارتفاع النمو السنوي لأعداد الوحدات السكنية الجديدة بنحو 4.5 في المائة، ومع زيادة تسهيلات حصول المطورين العقاريين على التمويل اللازم بدءا من العام الجاري، سيكون متاحا للسوق رفع قدرتها السنوية الراهنة لضخ الوحدات السكنية الجديدة البالغة نحو 360 ألف وحدة سكنية، إلى أعلى من ذلك المستوى بمعدلات متنامية خلال الأعوام القليلة المقبلة، خاصة مع دخول شركات تطوير عملاقة كشركة روشن "وهنا انتقل إلى أهم السمات على المستوى التنظيمي والهيكلي"، وغيرها من شراكات الشركات المحلية مع شركات التطوير العقاري الأجنبية، التي يمكن لوجودها واتساع نشاطاتها المجدية محليا خلال الأعوام القليلة المقبلة، أن يسهم ذلك في مضاعفة القدرة على ضخ المنتجات السكنية المتنوعة والأعلى جودة، قد يناهز عددها سنويا نحو 500 ألف وحدة سكنية جديدة، وهو الأمر الإيجابي الذي سيسهم تحققه في زيادة إنتاجية القطاع العقاري، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي وفقا لمستهدفات رؤية المملكة 2030، على خلاف ما عانته السوق العقارية سابقا من مجرد تدوير الأموال والثروات في المتاجرة والمضاربة بالأراضي دون انتفاع أو استخدام وتطوير لها.

إن السوق العقارية تتجه أكثر نحو مزيد من التوازن، الذي سينعكس بالتأكيد على ارتفاع كفاءتها اقتصاديا ومجتمعيا، وسينتج عنه عدالة أفضل على مستوى الأسعار السوقية، نتيجة لزيادة المنافسة السوقية، وزيادة المعروض من الوحدات السكنية المتنوعة وذات الجودة الأعلى، مقابل تراجع حجم الطلب التراكمي، وتركزه على الطلب الطبيعي من الأسر الجديدة، وهو الأمر الذي قد يستغرق حدوثه أعواما أقل، ستعتمد بدرجة كبيرة على تسارع نمو المنتجات السكنية الجديدة سنويا.

كما لا يمكن إغفال التطورات الهيكلية في الاقتصاد الوطني التي تتزامن مع تطورات السوق العقارية، لعل من أبرزها إيجاد مزيد من قنوات الاستثمار المحلية المجدية والجاذبة، التي سيسهم وجودها في اجتذاب جزء كبير من المدخرات والثروات التي اعتاد ملاكها على تدويرها في الأراضي خلال العقود الماضية، وانتقال إداراتها إلى أجيال حديثة من الورثة يتوافر لديها قدر أعلى من التعليم والخبرة الاستثمارية الأكثر تنوعا، وتطمح إلى المساهمة بصورة أفضل في التنمية، وبناء كيانات استثمارية تتوافق مع التحولات الهيكلية العملاقة التي يشهدها الاقتصاد الوطني، ويعد هذا البعد الاقتصادي والاستثماري المهم جدا، واحدا من أهم التطورات الإيجابية طويلة الأجل للاقتصاد والمجتمع، التي يؤمل أن تتسارع خطواتها عاما بعد عام، لما يمثله ذلك من أهمية قصوى للتنمية والاقتصاد الوطني على المستويات كافة، خاصة في مجال زيادة تنويع قاعدة الإنتاج، وزيادة فرص العمل أمام المواطنين والمواطنات. إجمالا، ليتمكن المرء من تصور أهميته وحجم تأثيره الكبير اقتصاديا ومجتمعيا مستقبلا، يكفي الإشارة إلى أن حجم الثروات التي تكتنزها المخططات الشاسعة من الأراضي في مختلف أنحاء المملكة، تقدر بعدة تريليونات من الريالات بأرقام الفترة الراهنة، وأن انتقالها من تلك الأوعية الاستثمارية الخامدة، وتحولها خلال أقل من العقدين الزمنيين المقبلين بمعدلات متسارعة إلى أوعية استثمارية نشطة إنتاجيا، سيكون له نتائج إيجابية مهمة جدا للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وعدا ما سينتج عن تحولها الهيكلي اقتصاديا واستثماريا من نتائج مهمة جدا، فإن من أهم النتائج الإيجابية لهذا التحول التي لا تقل أهمية عما سبق، هو تضاؤل مغذيات التضخم محليا، التي كانت تنتج عن العمليات الواسعة لاكتناز وتدوير الأموال والثروات في الأراضي.

ختاما، تتأهب السوق العقارية أثناء تحولها الراهن لكثير من التطورات الإيجابية والمهمة، الذي يقود زمامه الطموح "الهيئة العامة للعقار" من خلال الأنظمة والإجراءات الواسعة والمهمة التي تقف عليها مباشرة، وغير مباشرة بالمشاركة مع بقية الأجهزة الحكومية وفي القطاع الخاص. سيكون من أبرز نتائج تلك الجهود والمبادرات الطموحة، التخلص من شركات التطوير البدائية وإحلالها بشركات تطوير أعلى كفاءة، إضافة إلى تخلص السوق العقارية من المتاجرين والمضاربين بالأراضي، والسماسرة المتلاعبين وغير المواطنين، والتخلص في العموم من كثير من المتورطين في ارتكاب أسوأ الممارسات التجارية في سوق العقار المحلية، التي انعكست سلبا على الاقتصاد والمجتمع. والله ولي التوفيق.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية