القمة السعودية - الأمريكية الأخيرة التي عُقدت بمدينة جدة السعودية، وجمعت بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بين سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد وفخامة الرئيس جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والمشاركين من الطرفين، وصفها المراقبون والمحللون السياسيون والاقتصاديون بقمة الشفافية والوضوح والمصارحة بعيداً عن المجاملات السياسية المعهودة في مثل هذه القمم، وبالذات أنها ركزت على تحقيق المصالح المشتركة للدولتين بشكلٍ متوازن لصالح شعبي البلدين.
ويأتي هذا الوصف للقمة، كونها عُقدت في ظروف عالمية صعبة واستثنائية بسبب ما يمر به العالم حالياً من حالة اقتصادية مضطربة بسبب الضغوط التضخمية غير المسبوقة التي شهدتها معظم اقتصادات دول العالم في العصر الحديث، إضافة إلى الظروف الجيوسياسية المحيطة بالعالم، بسبب النزاع الأوكراني - الروسي، وما تسببه في اضطراب أيضاً غير مسبوق وإرباك في سلاسل الإمداد، وبالذات المرتبطة بالطاقة والغذاء.
لتلك الأسباب وغيرها وبالذات المرتبطة بالمتغيرات المناخية والموقف العدائي لدولة إيران تجاه معظم دول المنطقة، وبالذات المملكة العربية السعودية، أكد الطرفان على أهمية الاستمرار في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين، وليس ذلك فحسب، بل أكد البيان الصادر عن القمة على الدور المحوري للشراكة التاريخية التي تأسست منذ ما يقرب من ثمانية عقود على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بالاجتماع الذي جمع بينهما على متن البارجة يو إس إس كوينسي العام 1945، والذي كان بمثابة حجر الزاوية لبناء علاقة متينة وقوية على مدى العقود الماضية رغم الاختلافات في وجهات النظر بين البلدين التي تظهر على السطح من وقت لآخر، والتي ولله الحمد لم تصل إلى درجة الخلاف الذي يتسبب في القطيعة بين البلدين.
واستناداً للعلاقة التاريخية المتجذرة بين البلدين، شدّدا على أن يتشاركا اقتصادياً وسياسياً بما يحقق للمنطقة الأمن والاستقرار والازدهار، كما وأكدا على أهمية التعاون الاستراتيجي الاقتصادي والاستثماري، وبالذات في الجانب المرتبط باستقرار أسواق الطاقة العالمية على المديين القصير والطويل، بما يحقق النمو والازدهار للاقتصاد العالمي. وكذلك اتفقا على العمل معاً كشركاء استراتيجيين في مجال تعزيز الطاقة النظيفة، وما يشمله من استثمارات رئيسة في التحول في مجال الطاقة النظيفة، بالتركيز بشكل خاص على مصادر الطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف، بما في ذلك بناء القدرات البشرية والتعاون في الجوانب التنظيمية في المجال النووي، وكذلك في مجال التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وتطوير المواد المستدامة وغيرها من المبادرات في إطار الاقتصاد الدائري للكربون، حيث تهدف المملكة العربية السعودية إلى أن تكون رائدة عالميًا في هذا المجال.
ولقد كان لرؤية المملكة 2030 حضور قوي في مباحثات القمة والإشارة إليها بالبيان الختامي، حيث رحب الجانب الأمريكي بالرؤية، باعتبارها تُمثل خطة استراتيجية للتحول الاقتصادي والإصلاحات الاجتماعية التي تتبنى تنفيذها المملكة، سيما أنها عززت من المشاركة الاقتصادية للمرأة، وزيادة استثمارات القطاع الخاص الأمريكي في المملكة.
تجدير الإشارة، إلى أنه قد تمخض عن القمة توقيع 16 اتفاقية تعاون ثنائية بين البلدين في مجالات عدة، شملت الطاقة والاستثمار والأمن السيبراني والفضاء والتدريب، بما في ذلك تعزيز تطبيق تقنية الجيل الخامس (5G) باستخدام شبكات الراديو المفتوحة، وكذلك التمكين من تطوير الجيل السادس (6G) عبر تقنيات مشابهة، وتعزيز الشراكة في مجال البنية التحتية السحابية والتقنيات ذات الصلة.
دون أدنى شك أن قمة جدة السعودية الأمريكية، تُعد قمة نوعية في توجهاتها، سيما أنها رسمت ملامح ووضعت خارطة طريق للعلاقات استراتيجية أعمق وأوسع وأرحب للبلدين في مجالات عدة، سيما أنها تُعد مرحلة انطلاقة قوية بعد فترة من الفتور بسبب اختلافات في وجهات النظر إزاء قضايا وملفات سياسية.
هذه القمة وهذا اللقاء بين الجانبين السعودي والأمريكي - بتصوري - سيعيدان العلاقات بين البلدين إلى مسارها الصحيح الذي يليق بحجم وعظمة البلدين تجارياً واقتصادياً وسياسياً، سيما أن البلدين يعتبر كل منهما شريكاً تجارياً رئيساً، حيث قد بلغ التبادل التجاري بين البلدين خلال العشرة أعوام الماضية 2 تريليون ريال، وتحل أمريكا في مراتب متقدمة بين أكبر الشركاء التجاريين للمملكة، حيث تجاوزت صادرات المملكة إلى السوق الأمريكية خلال عام 2021 حاجز 53.5 مليار ريال مقارنة بــ30 مليار ريال في عام 2020، بينما بلغت واردات المملكة لأمريكا خلال عام 2021 أكثر من 60.5 مليار ريال، مقارنة بـ55.1 مليار ريال في عام 2020. ووصلت صادرات المملكة إلى السوق الأمريكية خلال الربع الأول من العام الجاري إلى أكثر من 20.6 مليار ريال مقابل 8.8 مليارات ريال للفترة نفسها من العام الماضي، في حين بلغت الواردات في الربع الأول من 2022 أكثر من 14 مليار ريال.
نقلا عن الرياض