تحدثت في وقت سابق عن استراتيجية معينة للاستثمار في الأسهم تعتمد على التخصص في عدد قليل من الشركات من أجل تحقيق نتائج مالية أفضل من عموم المستثمرين، ولا شك أن هذه الاستراتيجية تكتنفها مخاطر عالية، إلا أن أهم ميزة لها هي أنها تسلح الشخص بميزة تنافسية قوية مقارنة ببقية المتعاملين بحكم كمية المعلومات التي ستكون متوافرة لديه عن العدد المحدود من الشركات التي يتابعها.
ونحن الآن في منتصف 2022 والأسواق المالية محليا وعالميا تعاني انخفاضات حادة، ربما يكون أسلوب التخصص في شركة أو شركتين مجديا للغاية لشرائح معينة من المستثمرين، وبالطبع فهي لا تناسب جميع المستثمرين. ما الذي يجعل الوقت الحالي فرصة مناسبة لتطبيق هذا الأسلوب الاستثماري الغريب بعض الشيء؟
أولا هذا الأسلوب يناسب أكثر لمن يستثمر في الأسواق الأمريكية وليس الأسهم السعودية والسبب يعود إلى وجود مشتقات مالية مكملة وداعمة لهذا الأسلوب الاستثماري في أمريكا، بينما لا توجد حاليا مشتقات مالية مناسبة في السوق السعودية. لذا سنتحدث فقط عن السوق الأمريكية لشرح هذه الفكرة.
هناك عدد كبير من الشركات المدرجة في الأسواق الأمريكية التي تلقت صفعات موجعة هذا العام، بعضها مستحقة لكن كثيرا منها شركات سبحت أسهمها مع التيار وتم التخلص منها بشكل مبالغ فيه. ومثل هذه التصرفات الجماعية تحدث أحيانا عندما ينتاب الهلع المستثمرين فيتخلصون مما لديهم من أسهم دون الاكتراث بمتانة الشركة وقوتها. بعض الناس يشبه نزول الأسهم القوي الذي بدأ تقريبا من منتصف 2021 بفقاعة شركات الإنترنت في 2000، وهو تشبيه ليس في محله لاختلاف الظروف ولاختلاف واقع الشركات التي انهارت في 2000 مقارنة بشركات 2022. أثناء فورة فقاعة شركات الإنترنت كانت هناك شركات وهمية استحقت بجدارة الانهيارات التي تلقتها، بعضها كانت شركات بلا مبيعات حقيقية وبلا أمل في تحقيق أي أرباح وبعضها بنماذج عمل هزيلة، اشتركت جميعها في أهمية استغلال السيولة في ذاك الوقت للإدراج والحصول على أموال المستثمرين.
لذا فإن أحد الأساليب المناسبة هذه الأيام، من وجهة نظري بالطبع، تتم من خلال انتقاء شركة أو شركتين من الشركات التي لديها نماذج عمل متميزة وتكون من الشركات الرائدة في مجالها، ولديها بالفعل ربحية عالية قبل أزمة كورونا وبعدها. أسهم هذه الشركات ربما تكون قد تلقت مبالغة في ارتفاع أسعارها إلى منتصف 2021، فيكون من الطبيعي أن تدخل في عملية تصحيح لمواكبة سير القطاع الذي تعمل فيه وتماشيا مع التطورات الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم وأسعار الفائدة وما إلى هناك من مخاوف من عواقب الركود الاقتصادي. ولكن هناك عددا من الشركات التي أصبحت أسعارها الآن في متناول المستثمرين على المدى المتوسط والطويل.
بعض الأسماء الكبيرة المعروفة تشمل شركات التقنية مثل "مايكروسوفت"، "جوجل"، "أمازون"، أو شركات متوسطة في مجال شرائح الكمبيوتر والمعالجات مثل "إنفيديا"، "مايكرون"، "إنتل"، أو شركات أصغر من ذلك مثل شركات التسوق الإلكتروني وشركات الحوسبة السحابية وغيرها كثير، أو ربما تكون شركات أخرى في قطاعات غير تقنية. الهدف هو أن يتم انتقاء الشركة التي لديها نمو في المبيعات ومركزها المالي قوي والأهم من ذلك أنها شركة رائدة في مجالها، ومن ثم الاستثمار فيها فقط، وربما إضافة شركة أخرى معها.
ولكن هنا تنشأ مشكلة المخاطرة المعروفة التي عادة تتم معالجتها بتنويع الاستثمار بعدة شركات لتقليص المخاطرة، فكيف إذن يمكن تقليص المخاطرة في هذه الحالة؟ يجب ألا يظن الشخص أنه بحكم أن سهم الشركة انخفض 50 أو 60 في المائة حتى الآن أن ذلك دليل كاف لعدم وجود مخاطرة عالية مستقبلية. هناك حالات كثيرة من الممكن أن تستمر الأسهم فيها بالنزول إلى حد غير متوقع وغير معقول.
لذا فالحل يأتي من باب التحوط، وأحد أهم طرق التحوط تتم من خلال عقود الخيارات وهي نوع من أنواع المشتقات من المتوقع أن تطلق قريبا في السوق السعودية. الفكرة بكل بساطة هي أن يضع الشخص جميع أمواله في شركة واحدة ـ أو شركتين كأقصى حد ـ بشرط أن يكون لديه قناعة تامة بها، وبذلك فهو يراهن على ارتفاع أسهمها بقوة كبيرة متى بدأت الأسهم بالاستقرار والعودة إلى مسارها الصاعد. وهذه الشركات تتميز بقيم مرتفعة لمعامل "بيتا" لحركة أسهمها، الذي يعني أن أسهمها تتحرك بضعف أو أكثر مقابل تحرك مؤشر السوق، والهدف من ذلك أنه في حال عودة السهم إلى المسار الصاعد فيكون هناك ارتفاعات شاهقة في سعره أعلى من ارتفاع السوق كلها.
الاستراتيجية تكتمل باستخدام أحد أبسط الأدوات المتاحة من خلال سوق عقود الخيارات، وهي شراء تأمين على السهم من خلال شراء عقود "بوت". حماية المحفظة تتحقق نتيجة وجود عقود خيارات خاصة بأسهم الشركة، وليست عقود خيارات عامة للسوق كلها، ومنها يستطيع الشخص ضمان عدم نزول قيمة المحفظة عن حد معين بشكل قاطع ومؤكد. فمثلا يستطيع الشخص شراء عقود "بوت" تنتهي بعد شهر أو ثلاثة أشهر أو أكثر من ذلك، وتكون عبارة عن ضمان بعدم خسارة أكثر من نسبة معينة من قيمة المحفظة بغض النظر عن مصير الشركة ولا مصير سوق الأسهم كلها.
هذا الأسلوب يتطلب من الشخص القبول بتحمل نسبة انخفاض في قيمة المحفظة، على سبيل المثال بمقدار 15 في المائة كحد أقصى خلال شهرين، إلا أن هذا الأسلوب يجعل الشخص يعرف مسبقا الحد الأقصى للخسارة الممكنة خلال الفترة المعنية، وبذلك يبتعد عن التوتر والقلق بخصوص مصير محفظته، وبالتالي عندما يكون الشخص على علم بأكبر قدر ممكن من الخسارة، فإنه يشعر بالراحة وعدم الخوف، على الرغم من كون ذلك يخالف جميع المسلمات الثابتة فيما يخص تنويع الاستثمار. وفي الوقت نفسه، يستفيد الشخص من ارتفاع السهم حينما يتحقق كما هو يراهن عليه.
طريقة التأمين على المحفظة من المتوقع أن تتاح في السوق السعودية قريبا، وعندها يستطيع المستثمر تطبيق هذه الاستراتيجية والاستفادة من الحماية التي توفرها له.
ختاما، من يتخصص في سهم واحد سيتولد لديه مع مرور الوقت ميزة تنافسية فريدة، تعلي قامته فوق قامات الآخرين، وتمكنه من التنبؤ بتحركات السهم قبل غيره من عامة المشاركين، لكن يجب أن يستخدم مع ذلك أحد أساليب التحوط، وأبسطها على الإطلاق يتم من خلال شراء عقود حماية من نوع "بوت".
نقلا عن الاقتصادية
تحية طيبة دكتورنا الغالي، ماذا عن استراتيجية شراء leap calls لشركات بنفس المعايير المذكورة مقارنة بالطريقة اللي كتبتها وشكرا لك
فيه عدة طرق، مشكلة الـ leaps سعرها عالي وسيولتها ضعيفة، لو قررت تبيع تضطر تقبل سعر متدني، لكن عقود call إلى عام واحد ممكن كأسلوب مخاطرة بديل ولكن مختلف عن أسلوب تأمين المحفظة.
يعطيك العافية يا دكتور .... ليه ما تطرقت لمنتج العقود المستقبلية التي طرحت مؤخراً كأحد ادوات التحوط ؟ وحددت عقود الخيارات ( الأوبشن ) كأداة تأمين للمحفظة
التحوط يضمن لك سعر محدد مع ربح محدود، بينما التأمين يضمن لك حد للخسارة مع ربح مفتوح.