حتى لا يصبح توظيف المرأة بعازة وبلا عازة

30/06/2022 6
طلعت بن زكي حافظ

أصبح عمل المرأة اليوم ضرورة حتمية وملحة أوجدتها الظروف والمتغيرات الاقتصادية المعاصرة، التي فرضت الحاجة إلى وجود دخل آخر مساعد ومؤازر لدخل الرجل للقيام بأعباء الأسرة المعيشية، بمعنى آخر أوضح وأدق، أن عمل المرأة بالنسبة لبعض الأسر والعوائل أصبح اليوم ليس من قبيل الترف والوجاهة الاجتماعية للمرأة وكما يَعتقد البعض مخطئاً أو بغرض تغريبها وتحريرها من هويتها الإسلامية ومن فطرتها الأنثوية، بأكثر ما هو أصبح حاجة اقتصادية ومطلباً مالياً واقتصادياً داعماً لحياة الأسرة ومساند لمتطلباتها المعيشية، وكخلفية تاريخية مختصرة عن سوق العمل في المملكة، فإلى وقتٍ قريب جداً، كان يُعاني السوق كبقية أسواق العمل الناشئة، من تشوهات هيكلية عديدة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ سيطرة العمالة الوافدة غير المؤهلة علمياً وفنياً، وفشل العديد من المبادرات الحكومية التي كانت تستهدف رفع نسب السعودة والتوطين، بالإضافة إلى عدم إقبال المواطنين على الوظائف المهنية البسيطة وكذلك عدم تقبل المجتمع لعمل المرأة بسبب العادات والتقاليد الاجتماعية.

تلك التشوهات تسببت في ارتفاع معدلات البطالة في المملكة بين الذكور والإناث، وفي ضعف مشاركة المرأة السعودية في الاقتصاد، حيث على سبيل المثال، قبل انطلاقة برامج رؤية المملكة 2030، كان معدل المشاركة الاقتصادية للسعوديين (15) سنة فأكثر بالربع الثاني من العام 2016 لصالح الرجل، حيث بلغت 63.2 % في حين بلغت بالنسبة للسعوديات 17.7 %. وبلغ معدل البطالة بين السعوديين الذكور 5.4 % في حين بلغ بين السعوديات الإناث 33.7 %، مما أثر على المعدل العام للبطالة بين السعوديين من الجنسين ليسجل رقماً مرتفعاً بذات الفترة بلغ 11.6 % مقارنة بمعدل البطالة العام بالسعودية (يشمل السعوديين وغير السعوديين) الذي بلغ 5.6 %.

وقد كان السبب الرئيس وراء ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين في الماضي، هو ارتفاع عدد السعوديات العاطلات عن العمل وذلك لأسباب عدة، منها: احتكار الرجل لمعظم الأعمال والمهن المتوفرة بالسوق، ضعف الممكنات الجاذبة والمسهلة لعمل المرأة بالسوق، كمثال صعوبة المواصلات وعدم توفر حضانات بمقار العمل، بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي كانت تقف عائق أمام عمل المرأة. ولكن ومنذ تفعيل برامج الرؤية، وبالذات المرتبطة بتنمية الموارد البشرية ومكافحة البطالة في السعودية كأحد أبرز مستهدفات الرؤية بخفض معدل البطالة في المملكة من 11.6 % إلى 7 % بحلول عام 2030، فقد تحسنت معدلات البطالة بين السعوديين، حيث قد كشفت نتائج نشرة سوق العمل للربع الرابع من عام 2021 الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء، وفق تقديرات مسح القوى العاملة الذي تُجْريه بشكلٍ ربع سنوي، انخفاض معدل البطالة لإجمالي السعوديين (الذكور والإناث 15 سنة فأكثر) ليصل 11.0 % في الربع الرابع من عام 2021، مقارنةً بالربع الثالث من نفس العام الذي بلغ 11.3 %. كما وأظهرت النتائج انخفاض معدل بطالة السعوديين الذكور (15 سنة فأكثر) في الربع الرابع من عام 2021 ليصل إلى 5.2 % مقارنةً بـالربع الثالث من نفس العام حيث بلغ 5.9 %. وبينت نتائج النشرة كذلك أن معدل بطالة بين السعوديات الإناث (15 سنة فأكثر) بـ الربع الثالث من نفس العام قد بلغ 21.9 %، مما يوضح تحسناً ملحوظاً في معدل البطالة بين الإناث السعوديات مقارنة بالماضي.

أخلص القول؛ إنني والكثيرين ممن يشاركونني الرأي ليس ضد عمل المرأة وفتح فرص مجالات عمل أمامها أوسع وأشمل من الماضي، ولكن شريطة ألا يكون ذلك على حساب بطالة الرجل، بحيث أن تكون فرص التوظيف عادلة ومتكافئة بين الجنسين، وحتى لا يصبح توظيف المرأة السعودية سواء بالقطاع العام أم بالقطاع الخاص بعازة وبلا عازة، سيما أنني قد أشرت في مقال سابق لي في هذه الصحيفة بعنوان «تَمكين المرأة وبطالة الرجل» أن تقرير صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، أظهر ارتفاع معدل البطالة للذكور السعوديين إلى 7.2 % في الربع الأول من عام 2021 مقارنة بمعدل 7.1 % في الربع الرابع من العام الذي سبقه، في حين انخفض معدل البطالة بين الإناث السعوديات إلى 21.2 % خلال الربع الأول من عام 2021 مقارنة بمعدل 24.4 % في الربع الذي سبقه.

أختم مقالي هذا بالاتفاق في الرأي مع الزميل الكاتب بصحيفة عكاظ الأستاذ خالد السليمان الوارد بمقاله بعنوان (المرأة بين التمكين والتفضيل!) «بأن هناك سعياً لزيادة حصة المرأة من نسبة الوظائف في القطاعين العام والخاص، وهذا أمر مفهوم في إطار تعويضها عن الفترة السابقة التي حصرت مجالات توظيفها في قطاعات محدودة وجعلت لها حصة الأسد من نسبة البطالة. لكن حتى لا يتحول التمكين إلى تفضيل على حساب الأهلية وحتى نعزز معايير التنافس العادل على فرص العمل على أسس الكفاءة وليس الجنس، فإن من المهم أن نعزز ثقافة تقاسم المسؤوليات في المجتمع مثلما نرسخ حالياً ثقافة تساوي حقوق وفرص العمل بين الرجل والمرأة. ففي المجتمعات الغربية غالباً يتقاسم الزوجان مسؤوليات الحياة ويحددان حصة كل منهما من المسؤولية حسب توزيع أدوارهما داخل المنزل وخارجه، أما في مجتمعنا فإن الرجل يتحمل حسب الأعراف الاجتماعية مسؤوليات تأسيس منزل الزوجية ونفقات المعيشة الأسرية حتى وإن كانت زوجته تعمل. لذلك عندما نفضل المرأة على الرجل في الحصول على فرص العمل دون إخضاع هذه الفرص للتنافس العادل وفق الكفاءة والأهلية ودون وجود مفهوم تقاسم لمسؤوليات المعيشة المشتركة للزوجين العاملين، فإننا نظلم الرجل وخاصة الشاب المقبل على تأسيس حياة أسرية يتحمل وحده قيمة فاتورتها، لذلك من المهم أن نتنبه للمؤثرات الدقيقة في المجتمع، وحفظ توازن الأدوار والمسؤوليات».

 

نقلا عن الرياض