ازدادت حالات قيام مجالس إدارات الشركات المدرجة في السوق السعودية بطلب الموافقة على تخفيض رؤوس أموال شركاتهم بنسب غالبا تراوح بين 20 و90 في المائة من رأس المال، فما أسباب قيامهم بذلك؟
في الفترة الماضية إلى ما قبل عام ونصف العام تقريبا كانت هناك طلبات لخفض رأس المال لشركات كثيرة، منها على سبيل المثال شركة المشاريع السياحية و"مجموعة الحكير" و"كيمانول" و"الأنابيب" و"بترو رابغ" و"مجموعة فتيحي" و"نسيج العالمية" وشركة شاكر و"أسمنت المدينة" و"أسمنت الجوف" و"معدنية" و"أنعام الدولية" و"الكابلات" و"أميانتيت" إلى جانب عدد من شركات التأمين.
هذا الأسبوع تقدمت شركة الكابلات السعودية بطلب خفض رأس المال من 262 مليون ريال إلى 67 مليون ريال، وكانت الشركة قبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر قامت بخفض رأسمالها من 360 مليون ريال إلى 262 مليون ريال، وحاولت في ذلك الوقت الحصول على موافقة المساهمين برفع رأس المال بمقدار 400 مليون ريال ولم تتم الموافقة. الشركة تحاول الآن بعد خفض رأس المال إلى 67 مليون ريال أن تقوم برفعه بمقدار 400 مليون ريال، على أمل أن يوافق المساهمون على ذلك في هذه المرة.
ولا ننسى حالة شركة زين السعودية في الأعوام الماضية حيث بدأت برأسمال 14 مليار ريال وقت الإدراج في السوق المالية، ثم خفضته إلى 4.8 مليار ريال، ثم رفعته إلى 10.8 مليار ريال، ومن ثم خفضته مرة أخرى إلى 5.8 مليار ريال، وبعد ذلك بعدة أعوام خفضته إلى 4.5 مليار ريال وعلى الفور قامت برفعه إلى 8.99 مليار ريال!
هذه الحركات البهلوانية التي تقوم بها الشركات لها مسببات بالطبع، إلا أنها تثير امتعاض المستثمرين وتطرح كثيرا من علامات الاستفهام عن الجدوى الاقتصادية من هذه العمليات وإلى متى تستمر ومتى يجب أن تتوقف الشركة عن عمليات إطفاء الخسائر وجلب مزيد من المال.
تقوم الشركات بخفض رؤوس أموالها إما بشراء جزء من أسهمها من الملاك مباشرة ودفع قيمة الأسهم المشتراة نقدا إلى الملاك، غير أن هذا النوع من عمليات خفض رأس المال نادر الحدوث وأسبابه تختلف عن أسباب عمليات خفض رأس المال الشائعة والمتكررة، كون سببه عدم حاجة الشركة إلى رأسمالها بحجمه الحالي. هذا النوع من عمليات خفض رأس المال حصل في العامين الماضيين مع شركة أسلاك و"مجموعة فتيحي" وكذلك شركة أسمنت المدينة، وعندما يتم ذلك ينخفض عدد أسهم الشركة في السوق ويرتفع سعر السهم وينخفض رأس المال، وتنخفض القيمة السوقية للشركة، وسبب انخفاض القيمة السوقية للشركة يعود لكونها أخرجت أموالا نقدية من أصولها لشراء أسهم المساهمين، فتنخفض قيمتها.
أما الطريقة الشائعة فتتم بإلغاء جزء من الأسهم، وبهذه الحالة ينخفض عدد الأسهم في السوق ويرتفع سعر السهم الواحد وينخفض رأسمال الشركة لكن تبقى القيمة السوقية كما هي لا تتغير. وسبب عدم تغير القيمة السوقية لأن عملية خفض رأس المال هذه تتم بلا تأثير في أصول الشركة.
خفض رأس المال بإلغاء كمية من الأسهم المصدرة سببه الرئيس حاجة الشركة إلى إطفاء الخسائر المتراكمة لديها تلبية لمتطلبات السوق المالية، حيث تستحق الشركة اللون الأصفر إذا كانت خسائرها من 20 إلى 35 في المائة من رأس المال، واللون البرتقالي لفئة الخسائر بين 35 و50 في المائة، واللون الأحمر لمن تتجاوز خسائرها 50 في المائة من رأس المال. ولكن هناك سبب آخر لهذه العملية أكثر أهمية وهو ما يفسر كثرة عمليات خفض رأس المال، ويعود ذلك إلى حاجة الشركة إلى المال من خلال عملية رفع رأس المال. وهذا أمر غريب بعض الشيء: إذا كانت الشركة بحاجة إلى رفع رأسمالها لماذا إذن تقوم بخفضه؟ السبب كما ذكرنا أن الشركة التي تقوم بخفض رأسمالها، بإلغاء عدد من أسهمها، هي في حقيقة الأمر خالية من المال، فعملية الخفض بالنسبة لها مجرد إجراء محاسبي لتعديل مبلغ رأس المال المسجل في قائمة المركز المالي للشركة. ولكن عملية خفض رأس المال هذه ضرورية إن كانت الشركة ترغب في الحصول على أموال من المستثمرين بينما سعر سهمها في السوق قريب من القيمة الاسمية للسهم، أي: عشرة ريالات. لماذا؟
سبب الحاجة إلى خفض رأس المال قبل القيام برفعه هو أن سعر السهم في السوق سينخفض بنسبة وتناسب مع مقدار رفع رأس المال، وبالتالي من الممكن أن ينخفض سعر السهم إلى ما دون عشرة ريالات وعندها لن تنجح عملية رفع رأس المال، لأن المساهم لن يدفع عشرة ريالات للسهم الواحد لرفع رأس المال بينما سعر السهم في السوق أقل من عشرة ريالات. إذن أحد أهم أسباب الحاجة إلى خفض رأس المال قبل عملية رفع رأس المال يعود إلى هذه الجزئية، أي: الخوف من هبوط سعر السهم لما دون القيمة الاسمية.
هل تستفيد الشركات فعليا من عمليات خفض رأس المال ورفعه؟ أي هل يتحسن أداء الشركات التي تقوم بعمليات خفض رأس المال ومن ثم رفعه؟
هناك دراسة تمت من قبل هيئة السوق المالية على بيانات الشركات لمدة 15 عاما من 2005 إلى 2019 تم فيها إجراء 307 عمليات لإعادة الهيكلة المالية للشركات، منها عمليات خفض رأس المال بواقع 39 عملية، وعمليات رفع رأس المال من خلال أسهم منحة بعدد 217 عملية، و51 عملية خاصة برفع رأس المال من خلال طرح حقوق أولوية. وبسبب التشريعات المتعلقة بمعالجة خسائر الشركات المدرجة زادت عمليات خفض رأس المال من نسبة 3 في المائة من إجمالي عمليات إعادة الهيكلة فيما قبل 2016، إلى أن أصبحت النسبة 35 في المائة بعد 2016. أي أن معظم عمليات خفض رأس المال أسبابها تشريعية وليست تجارية.
يبدو أن لا علاقة مباشرة بين رأسمال الشركة ونتائجها المالية التشغيلية، كون رأس المال عبارة عن بند محاسبي يمكن تغييره بعدة طرق، بينما النتائج التشغيلية مسألة تجارية تخضع لعوامل عدة من عرض وطلب وتسويق وقبول لمنتجات الشركة وخدماتها، وهكذا. هذه الملاحظة واضحة وصحيحة إذا كان خفض رأس المال مجرد إلغاء أسهم بهدف تحقيق إطفاء شكلي للخسارة، لكن ماذا عن خفض رأس المال عن طريق قيام الشركة بشراء أسهمها من المساهمين، هل من تأثير لذلك في نتائج الشركة التشغيلية؟
الدراسة وجدت أن هناك تحسنا كبيرا في مؤشر هامش الربحية الذي ارتفع من 10 إلى 16 في المائة قبل تخفيض رأس المال إلى 40 في المائة بعد التخفيض، وذلك مقارنة بنتائج الشركة في العامين السابقين لعملية خفض رأس المال بالعامين التاليين للعملية. وهذا التحسن في النتائج المالية يظهر بشكل أكبر لدى الشركات التي قامت بعمليات التخفيض وهي ليست شركات متعثرة، حيث كان التغير في هامش الربحية من 18 في المائة قبل التخفيض إلى 50 في المائة بعد التخفيض.
كذلك تمت دراسة تأثير خفض رأس المال على صافي الدخل، ومرة أخرى كان التساؤل عن تأثير عمليات خفض رأس المال على النتائج التشغيلية للشركة، وهذه المرة تم الأخذ بصافي الدخل كمقياس للنتائج المالية لأداء الشركة. هنا كذلك كانت نتائج البحث تشير إلى تغير إيجابي كبير في أداء الشركة بعد عملية خفض رأس المال، ومرة أخرى النتائج كانت أكثر إيجابية لدى الشركات التي قامت بعمليات الخفض وهي ليست شركات متعثرة.
نقلا عن الاقتصادية
لن مافيه احد يحاسبهم يسرحون ويمرحون بكيفهم ومتى ماطرى عليهم خفض ورفع الطلب تجي الموافقه عليه وهم ماقد ارسلوه