أمس اعتمد مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم عمل اللجنة التأسيسية لقانون اللعب المالي العادل، وذلك تزامنا مع العام المالي للأندية الرياضية وإصدار القوائم المالية الموافق لـ 30 حزيران (يونيو) 2022، فما هذا القانون؟ ولماذا الآن؟ لست متعمقا في الشأن الرياضي لكن مسألة قانون اللعب المالي العادل Financial Fair Play Regulation (FFP)، أعادتني لمقالات كتبتها في هذ الشأن منذ أعوام، من بينها مقال بعنوان "الاستثمار الرياضي .. لن ينجح أحد"، وذلك في آب (أغسطس) 2017، ثم انتقدت حوكمة الأندية في مقال ثان عام 2020 بعنوان: "الأندية الرياضية .. الحل في الخصخصة والأسهم الحرة"، وطالبت بتطبيق مفهوم أصحاب المصلحة أولا. اقتصادات كرة القدم هي التي شدتني لكتابة هذه المقالات، ففي المقال الأول تزامنا مع نتائج الأندية السعودية في البطولة العربية نسخة 2017، عرفت حينها أن مجموع الجوائز بلغ ستة ملايين دولار، بينها 2.5 مليون دولار للفائز بالمركز الأول. ورغم حجم الجائزة، فإن الأندية السعودية التي شاركت فيها، لم تتأهل من دور المجموعات، وخرجت من الجوائز خاوية الوفاض، خرجت الأندية السعودية ليس لأنها الأضعف، بل لأنها لم تهتم، والسؤال كان لماذا؟ لقد تلمست رؤية المملكة 2030، مسألة الرياضة مباشرة في كثير من الموضوعات، وهو جزء مهم للغاية في المنافسة بين الأمم ولأنها مؤشر الصحة وجودة الحياة، ولذلك يجب علينا أن نتصدر "وجوبا في رأيي"، لكن هذا لن يحدث بمجرد شغف جمهور ولاعب يجري، بل بمنظومة متكاملة من العوامل، وكانت الخطوة الأساسية هي تطبيق معايير حوكمة عالمية على الأندية السعودية. وفعلا، انطلقت حملة كبيرة من وزارة الرياضة من أجل حوكمة الأندية وتسابقت الأندية الرياضية على المكاتب الاستشارية من أجل تقديم مشورات في هذا الشأن، ولم تكن الأمور تسير بشكل مبشر في نظري لتجاهل مفهوم أصحاب المصلحة، حتى صدر أمس قرار مجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم بعمل اللجنة التأسيسية لقانون اللعب المالي العادل، فأعتقد أننا اليوم في المكان الصحيح والخطوة الأهم، ونحتاج إلى الثبات عليها وتأسيس أفكارها ومفاهميها.
صدر قانون اللعب المالي النظيف أو العادل عن اتحاد كرة القدم الأوروبي UFFA عام 2010، كوسيلة لمكافحة الإنفاق المفرط من قبل مالكي الأندية الأثرياء الذي يوجد ساحة للعب غير عادلة، وغير عادلة تعني أن هؤلاء الأثرياء لم يكن لهم هم سوى منافسة الأثرياء، وليس تطوير الرياضة كمفهوم مجتمعي، فقد تنافسوا على اللاعبين حتى أصبحت الأرقام فلكية، دون تبرير اقتصادي يفسر ذلك، ولم تعد هناك علاقة اقتصادية ولا محاسبية بين عوائد النادي "من كل مصادرها" وبين قيمة هذا اللاعب، لم تعد مفاهيم رأس المال البشري تعمل. ذلك أن العلاقة السببية بين قيمة انتقال لاعب وإيرادات النادي يجب أن تكون واضحة، حيث تزيد الإيرادات كلما زادت قيمة اللاعبين، فاللاعبون رأسمال بشري منتج للثروة، ويجب أن تكون الثروة أكبر من قيمة كل العوامل التي أسهمت في تحقيقها، فإذا تم انتقال اللاعبين بقيمة فلكية بينما الثروة التي ينتجها النادي لا تتجاوز ربع هذه الأرقام، فالسؤال لماذا؟ لم تكن هناك إجابة واضحة إلا أن هذا السلوك يعد من أنماط السلوك الاقتصادي غير الرشيد، يوجد عدم المساواة ومشكلات اقتصادية تظهر جليا في العجز الضخم عند الأندية والديون الكبيرة، وبهذا فإن النتيجة ستكون وخيمة على الرياضة والمجتمع والاقتصاد في نهاية المطاف.
قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إيقاف كل ذلك من خلال تطبيق مفهوم اللعب المالي النظيف كأحد أكثر مشاريع الحوكمة طموحا في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ويتضمن تحقيق عدة أهداف، وهي 1- تحسين القدرة الاقتصادية والمالية للأندية وزيادة شفافيتها ومصداقيتها، 2- إعطاء الأهمية الضرورية لحماية الدائنين ولضمان قيام الأندية بتسوية التزاماتها مع الموظفين والسلطات الاجتماعية/ الضريبية والأندية الأخرى في الوقت المحدد، 3- إدخال مزيد من الانضباط والعقلانية في الشؤون المالية لكرة القدم للأندية، 4- تشجيع الأندية على العمل على أساس عائداتها الخاصة، 5- تشجيع الإنفاق المسؤول لمصلحة كرة القدم على المدى الطويل، 6- حماية استمرارية واستدامة كرة القدم للأندية الأوروبية على المدى الطويل.
لقد واجه المشروع في بداياته كثيرا من النقد لطموحاته في تغيير مفاهيم راسخة في أكثر الألعاب شعبية، لكن الأهم جاء مع تطبيق حوكمة أصحاب المصلحة في كرة القدم التي قيدت القرار ودعمت النجاح وفي الأعوام الخمسة الأولى التي أعقبت إدخال مفهوم "اللعب المالي العادل" عام 2009، فتم تخفيض خسائر الأندية والديون المتأخرة لأندية الدرجة الأولى الأوروبية، حيث انخفضت إلى أقل من 20 في المائة من المستوى قبل إدخال اللوائح، مع تعزيز ميزانيات الأندية بشكل كبير "مضاعفة صافي حقوق الملكية"، وانخفض صافي الدين إلى الإيرادات من 65 إلى 35 في المائة. وتم تحديث اللوائح دوريا "2012، 2015، 2018" لتعكس التغييرات في البيئة رغم أن المبادئ والأهداف الأساسية لا تزال كما هي.
وعودة إلى الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية "واس" أمس عن اللجنة التأسيسية لقانون اللعب المالي العادل وأشار إلى أن الهدف في المرحلة الأولى هو إعداد اللوائح والتنظيمات لضمان ضبط كفاءة الإنفاق والإسهام في الاستقرار المالي وإيجاد الاستدامة المالية، بما يحقق التوازن المالي بين الإيرادات والمصروفات، وذلك من خلال العمل المشترك مع لجنة الكفاءة المالية في وزارة الرياضة، ودراسة وتحليل القوائم المالية للأندية الصادرة في 30 حزيران (يونيو) الجاري واستخراج المؤشرات المالية التي تتركز في "1" تحديد نسبة عجز مسموح به، على أن تنخفض هذه النسبة تدريجيا سنويا، "2" تحديد نسبة الرواتب والمصاريف المتعلقة بنشاط كرة القدم حيث لا تتجاوز نسبة معينة من إيرادات النادي.. "يتبع".
نقلا عن الاقتصادية