ما علاقة تضخم الأراضي والعقار بالبطالة؟

23/05/2022 1
عبد الحميد العمري

قد يكون العدد كبيرا لمن لا يرون عمق العلاقة بين التضخم في أسعار الأراضي والعقار من جانب، ومن جانب آخر البطالة بين صفوف الباحثين عن عمل، وأنها علاقة طردية في الأجلين المتوسط والطويل، فكلما ارتفع التضخم العقاري أدى ذلك إلى تزايد معدل البطالة، عدا ما له من آثار عكسية واسعة جدا في مختلف نشاطات الاقتصاد الكلي، وتحديدا الأنشطة الإنتاجية كما سيتضح في الأجزاء المقبلة من المقال، هذا إضافة إلى آثاره العكسية الأخرى في الاستقرار المعيشي للأسر والمجتمع عموما.

لإجلاء تلك العلاقة أعلاه سيتركز التحليل هنا على القناتين الرئيستين اللتين تتشكل من خلالهما تلك العلاقة الطردية بين كل من التضخم العقاري ومعدل البطالة. لكن قبل ذلك، لا بد من إيضاح كيفية تغير معدل البطالة صعودا أو هبوطا، لما سيشكله من أهمية في فهم الصورة كاملة بيسر وسهولة كما سيأتي. يشكل القطاع الإنتاجي من الاقتصاد الكلي العصب الرئيس لإيجاد الوظائف، ويتمثل أغلب القطاع الإنتاجي أو المنتج من الاقتصاد في القطاع الخاص، الذي بتسارع نموه تتسارع على أثره قدرته على إيجاد وإيجاد مزيد من الوظائف، والعكس صحيح بتباطؤ نموه تتباطأ قدرته من حيث إيجاد مزيد من الوظائف، وقد يذهب إلى أسوأ من ذلك بحال بدأ معدل نموه بالتراجع، ما سيضطره في مراحل زمنية تالية إلى تقليص حجم الوظائف لديه، وفي كلتا الحالين "تباطؤ النمو، أو تراجعه" سيؤدي كل ذلك إلى ارتفاع معدل البطالة، نظير ارتفاع أعداد المتعطلين الناتج من تراكم مخرجات التعليم والتدريب أمام بوابات منشآت القطاع الخاص التي لم تستطع إيجاد فرص عمل لهم نتيجة ضعف نموها، وأيضا من الذين فقدوا وظائفهم من القوى العاملة نتيجة انكماش نمو المنشآت، وما ترتب عليه من إنهاء عقودهم من قبل أرباب تلك المنشآت.

يفهم مما سبق أن الركيزة الأساسية التي تحدد مستوى ومعدل البطالة تتمثل في النمو الحقيقي للقطاع الخاص "الجزء المنتج من الاقتصاد الوطني"، وأن ذلك النمو متى ما تسارع صعودا جاءت النتائج محمودة على طريق خفض معدل البطالة، ورفع معدلات التوظيف والتوطين، والعكس صحيح، متى ما تباطأ ذلك النمو، جاءت النتائج عكسية بارتفاع معدل البطالة، وانخفاض معدلات التوظيف، هنا يمكن القول إننا وصلنا إلى مربط الفرس "الركيزة الأساسية" لما يتمحور حوله عنوان / سؤال المقال، المتمثل في النمو الحقيقي للقطاع الخاص "الجزء المنتج من الاقتصاد الوطني"، فما علاقة تضخم الأراضي والعقار بهذا النمو الحقيقي للقطاع الخاص؟

ذكرت أعلاه أنه توجد قناتان رئيستان تتشكل من خلالهما العلاقة الطردية بين كل من التضخم العقاري ومعدل البطالة، وأن الركيزة الأساسية بين هذين المتغيرين تتمثل في النمو الحقيقي للقطاع الخاص المنتج، وتمت معرفة وفهم العلاقة بين معدل النمو الحقيقي للقطاع الخاص ومعدل البطالة، ويأتي الآن دور فهم العلاقة بين التضخم العقاري ومعدل النمو الحقيقي للقطاع الخاص التي تتدفق من خلال قناتين رئيستين، كما سبق ذكره، الأولى: تتمثل في أن كل ارتفاع متسارع في أسعار الأراضي والعقار، سيترتب عليه ارتفاع في تكلفة الإنتاج التشغيلي لدى القطاع الخاص، وبحال تمكن القطاع الخاص من اللحاق بذلك الارتفاع من حيث تنامي الربحية، فلن تظهر انعكاسات سلبية على استقراره ونموه وقدرته على التوظيف، إنما تبدأ التحديات في التصاعد بحال عجز القطاع الخاص عن اللحاق بتلك الوتيرة المتسارعة من التضخم العقاري، ليجد نفسه أمام تصاعد فواتير إنتاجه وتشغيله بسرعة تفوق قدرته على تحقيق أرباح تمتص تلك الارتفاعات، ليبدأ في البحث عن خطط بديلة لخفض بنوده الأخرى من التكاليف، كإغلاق بعض فروعه المستأجرة، وتقليص أعداد العاملين لديه، ومن الطبيعي جدا ألا يجد قدرة على إيجاد وظائف جديدة، وبحال استنفذت أي منشأة قد تواجه هذا المصير جميع خططها البديلة في خفض بقية بنود التكاليف، ولم تتمكن في نهاية الطريق من التغلب على هذه التحديات، فلا شك أن اتخاذ أربابها لإنهاء نشاط تلك المنشأة هو القرار الأخير الذي لا مفر منه.

أما القناة الثانية: فتتمثل في غياب المنافسة بين الاستثمار في القطاع الخاص من جانب، ومن جانب آخر المتاجرة والمضاربة على الأراضي التي في ظل ما تقدم ذكره أعلاه، ستجتذب عمليات المتاجرة والمضاربة على الأراضي أغلب الثروات والأموال، نظير ما تحققه من مكاسب قياسية لا يمكن أن ينافسها أي فرص استثمارية أخرى، وسيتحول في ظل هذه المعطيات كثير من أصحاب الثروات والأموال نحو المتاجرة والمضاربات على الأراضي، وتحقيق المكاسب القياسية التي لا يمكن للقطاع المنتج أن يحققها لهم، وهنا سيتعاظم حجم القطاع غير المنتج "المتاجرة والمضاربة على الأراضي" على حساب حجم القطاع المنتج، وقد يجد عديد من أرباب المنشآت أنهم مرغمون في نهاية طريق حياة منشآتهم، كما سبق ذكره أعلاه، على التحول نحو القطاع غير المنتج واللحاق بركب الرابحين، وتعويض ما كابدوه من خسائر في ثرواتهم.

النتيجة النهائية لما تقدم إيضاحه من خلال القناتين الرئيستين أعلاه، أن الاقتصاد الكلي سيجد اتساعا وتسارعا في حجم الجزء غير المنتج منه "المتمثل في المتاجرة والمضاربة على الأراضي" على حساب ضعف أو انكماش الجزء المنتج منه، والمحصلة النهائية من كل ذلك لا تقف عند مجرد ارتفاع معدل البطالة، بل تمتد إلى ضعف أو انكماش النمو الحقيقي للاقتصاد، وارتفاع التضخم على أغلب السلع والمنتجات والخدمات، وتشكل كثيرا من التحديات التنموية والاقتصادية والاجتماعية التي تتطلب تسخير مزيد من الجهود والموارد المالية الكبيرة للتعامل معها، في الوقت الذي يمكن أن يتم تجاوزها تماما، وتجنب عدم الدخول في مواجهة بالغة الصعوبة معها، متى تم القضاء على الأسباب التي أدت إلى وجود هذا التضخم غير المبرر في أسعار الأراضي والعقار.

 

نقلا عن الاقتصادية