الاستدامة المالية في الميزانية العامة للربع الأول 2022

18/05/2022 0
عبد الحميد العمري

أظهرت بيانات الميزانية العامة للدولة عن الربع الأول من العام الجاري، ارتفاعا سنويا في إجمالي الإيرادات وصلت نسبته إلى 35.7 في المائة، ووصوله إلى أعلى مستوى منذ بدء إعلان الميزانية بشكل ربع سنوي، مستقرا عند مستوى 278 مليار ريال، كما أنه المعدل من النمو السنوي الأعلى من معدل النمو المقدر لإجمالي الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الجاري، الذي تم تقديره في بيان الميزانية للعام الجاري بنحو 12.4 في المائة، مقارنة بإجمالي الإيرادات العامة خلال العام الماضي.

وجاء النمو الأكبر لمصلحة الإيرادات النفطية بارتفاع سنوي وصلت نسبته إلى 57.6 في المائة "183.7 مليار ريال"، بينما سجلت الإيرادات غير النفطية ارتفاعا سنويا بنسبة 6.9 في المائة "94.3 مليار ريال"، وشكلت نحو 33.9 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة، وهو ما يترجم بصورة كبيرة استمرار جهود الحكومة المبذولة على طريق تنفيذ المبادرات والإصلاحات المالية التي تم إعلانها طوال الأعوام الماضية، وتم تصميمها استهدافا لتعزيز وتنمية مصادر الإيرادات غير النفطية، ضمانا لاستدامتها واستقرارها في الأجلين المتوسط والطويل، إضافة إلى دعم مواصلة تنفيذ خطط التحول الاقتصادي للمملكة، والعمل على تمويل النفقات ذات البعد الاجتماعي، حيث أسهم تنويع وتنمية الإيرادات بشكل هيكلي ومستمر في نمو الإيرادات غير النفطية بشكل ملحوظ، من خلال مجموعة من المبادرات التي اتسمت بالكفاءة والفاعلية، وعملت على تعزيز آلية انتظام تدفقها، إلى أن أصبحت مصدرا مهما متصفا بالاستدامة.

أما على مستوى إجمالي المصروفات، فقد سجل ارتفاعا سنويا وصلت نسبته إلى 3.9 في المائة، واستقر بدوره عند مستوى 220.5 مليار ريال، وليتحقق بذلك فائض مالي ربعي وصل إلى نحو 57.5 مليار ريال، وهو ما يشكل نحو 63.9 في المائة من إجمالي الفائض المتوقع تحقيقه عن العام المالي الجاري كاملا "المقدر بنحو 90 مليار ريال"، وبما يشير - بمشيئة الله تعالى - تحت استمرار الأوضاع الراهنة أو تحسنها حتى نهاية العام الجاري، إلى إمكانية تجاوز سقف ذلك الفائض المقدر عند تلك المستويات.

وبالنظر في تفاصيل إجمالي المصروفات الحكومية خلال الربع الأول 2022، فقد يأتى الارتفاع المحدود في حجمها نتيجة الارتفاع السنوي للمصروفات الجارية، التي سجلت نموا سنويا بنسبة 4.2 في المائة "205.6 مليار ريال"، فيما تراجعت المصروفات الرأسمالية بنسبة سنوية طفيفة لم تتجاوز 0.7 في المائة، ويمثل هذا الجانب من الإنفاق الحكومي المخطط ألا يتجاوز خلال العام المالي الجاري سقف 92 مليار ريال، بانخفاض تصل نسبته إلى 18.2 في المائة مقارنة بحجمها خلال العام المالي الماضي، والاعتماد الأكبر في هذا الخصوص على الإنفاق الاستثماري المخطط له من قبل صندوق الاستثمارات العامة، وكل ذلك يأتي متزامنا مع انتهاء العمل على عدد من المشاريع الرأسمالية، وتولي القطاع الخاص وصندوق الاستثمارات العامة تمويل عديد من المشاريع الرأسمالية، وفي المقابل تعتزم الحكومة الاستمرار في تنفيذ عديد من المشاريع في جميع القطاعات، منها مشاريع تجهيز البنية التحتية، والمدن السكنية، ومشاريع الطرق السريعة، وبناء الوحدات السكنية، وإنشاء محطات المياه.

كما تستهدف الحكومة المحافظة على الأسقف المعتمدة للمصروفات في الأجل المتوسط، وذلك حسب ما تم إعلانه في الميزانية العامة للدولة نهاية العام الماضي، وتم تقديره ببلوغ إجمالي المصروفات بنحو 955 مليار ريال خلال العام المالي الجاري، والتأكيد على استمرار ضبط المصروفات بما لا يتجاوز سقف 941 مليار ريال بحلول نهاية 2023، ثم بما لا يتجاوز 951 مليار ريال بحلول نهاية 2024.

ووفقا لما تضمنه البيان التمهيدي للميزانية الأخيرة، فقد تم التأكيد أن المحافظة على مستويات الإنفاق الحكومي، تعكس مدى الالتزام بالأسقف والنهج المتبع في السياسات المالية الداعمة لرفع كفاءة الإنفاق، وتطوير فعالية الإنفاق الاجتماعي، إلى جانب إعادة ترتيب الأولويات بناء على التطورات والمستجدات بما يتناسب مع متطلبات الفترة، إضافة إلى استمرار الصرف على المشاريع الكبرى وبرامج تحقيق الرؤية، تحقيقا لما يدعم مستهدفات رؤية المملكة 2030، وإتاحة مزيد من الفرص أمام الصناديق والقطاع الخاص، للمشاركة في قيادة الفرص الاستثمارية، وخصخصة بعض الأصول والخدمات الحكومية، إضافة إلى مشاريع تطوير البنى التحتية.

ختاما: رغم التقدير المتحفظ الذي ورد في بيان الميزانية العامة الأخير لعام 2022 بخصوص فوائض الميزانية، ووصولها إلى نحو 90 مليار ريال "2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي" بحلول نهاية العام المالي، إلا أن تحقيق نحو 63.9 في المائة منه خلال الربع الأول فقط، ومع التوقعات المتفائلة حتى تاريخه في اتجاه مزيد من تحسن العوامل والأوضاع الداعمة لإيرادات الدولة، وإمكانية أن يتجاوز الفائض الفعلي للعام المالي الجاري مستوياته المقدرة، فذلك يشكل دفعة أكبر للمستهدفات المالية المحددة سابقا، التي أشارت إلى أنه سيتم توجيه تلك الفوائض المتحققة في الميزانية لأجل تعزيز الاحتياطيات الحكومية، ودعم الصناديق التنموية، وصندوق الاستثمارات العامة، والنظر أيضا في إمكانية التعجيل بتنفيذ بعض البرامج والمشاريع الاستراتيجية ذات البعدين الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى سداد جزء من الدين العام حسب ظروف السوق، وكل ذلك بهدف تعزيز القدرة على التعامل مع الأزمات من خلال تقوية المركز المالي للدولة، والتركيز بدرجة أكبر على الاستثمار الذي يحقق النمو الاقتصادي المستدام، وبما يضمن المحافظة على استدامة واستقرار المركز المالي للدولة.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية