كيف سيؤثر رفع الفائدة في أسعار العقار محليا؟ «1 من 2»

11/05/2022 3
عبد الحميد العمري

 

استعرض المقال السابق تأثير الرفع المتتالي لمعدلات الفائدة "تكلفة التمويل" في التضخم وأسعار العقار عالميا، وأنه أفضى إجمالا إلى استجابة التضخم وأسعار العقار بالانخفاض، إلا أن في الوقت ذاته أظهر أيضا تباينا في نسب الانخفاض في الدول تحت الدراسة، قياسا على تأثير العوامل الأخرى اقتصاديا وماليا واجتماعيا، واختلافها من بلد إلى آخر، فوفقا لمؤشرات أسعار العقارات السكنية الصادرة عن بنك التسويات الدولية BIS التي شملت - مثالا لا حصرا - 16 دولة "الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، سويسرا، إسبانيا، النرويج، أيرلندا، فنلندا، بلجيكا، الدنمارك، السويد، هولندا، كوريا الجنوبية، جنوب إفريقيا"، وأظهرت في مراحل زمنية تلت ارتفاع معدل الفائدة، انخفاضات قوية في أسواقها العقارية تجاوزت في بعضها 40 في المائة، وأخذا في الحسبان عوامل أخرى لا يتسع المجال لذكرها، أسهمت بدرجات مختلفة في تضاعف حجم خسائر الأسواق العقارية في تلك الدول.

إجمالا أدى رفع معدل الفائدة في حالات الدول أعلاه إلى دخول أسواقها العقارية في موجة من الانخفاضات، وبعضها كان حادا خلال أقل من أربعة أعوام، كما حدث في الدنمارك وكوريا الجنوبية عام 1982، وفي السويد عام 1993، حينما خسرت أسواق تلك الدول الثلاث ثلث قيمتها السوقية.

وتكررت حالات انخفاض أسواق العقار في الـ 16 دولة أعلاه 34 مرة خلال الفترة 1970 - 2021، ووصلت أعلى نسبة انخفاض إلى 55.0 في المائة (أيرلندا عام 2012)، فيما بلغت أدنى نسبة انخفاض 10 في المائة فرنسا عام 2015، وتجاوز متوسط الانخفاض في تلك الأسواق نسبة 29.2 في المائة، في حين بلغ متوسط الفترة التي استغرقتها الانخفاضات نحو 5 - 7 أعوام.

وكما هو معلوم أن الأسواق العقارية في تلك الدول، اعتمدت ولا تزال بصورة رئيسة على التمويل البنكي، من هنا جاءت قوة التأثير المباشر لمعدل فائدة الإقراض في الأسواق العقارية في تلك الدول، سواء بالخفض الذي أدى إلى تسارع وتيرة ارتفاع أسعار العقارات، أو بالرفع الذي أدى إلى تراجع الأسعار حسبما أظهرته دراسة أسواق العقار في الدول المشار إليها أعلاه "بنك التسويات الدولية BIS.

بالنسبة للسوق العقارية محليا، فحتى ما قبل إصدار البنك المركزي السعودي أنظمة التمويل في نهاية 2014، لم تكن نسبة التمويل العقاري الممنوحة للأفراد تتجاوز 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (5.3 في المائة من الناتج غير النفطي)، أي: أدنى من 79.3 مليار ريال بنهاية 2013، وطوال الفترة التي سبقت هذا التاريخ، كانت سيولة السوق العقارية، وتحديد اتجاهات الأسعار، ونشاط السوق، تعتمد إجمالا بصورة رئيسة على التمويل المباشر من المدخرات والثروات التي شكلت لها السوق العقارية أكبر وأهم مخزنات الثروة محليا، وما زال ذلك قائما حتى الفترة الراهنة، إضافة إلى ارتفاع جاذبيتها للمضاربات المحمومة نظير الارتفاع القياسي لمكاسبها، مقابل تدني تكلفتها ومخاطرها، وتتركز عمليات المضاربة على الأراضي في أنحاء وأطراف المدن الرئيسة، وما زال نشاطها المحموم يتصاعد فترة بعد فترة حتى تاريخه، مستفيدة من استعادة النشاط العقاري للانتعاش مجددا منذ مطلع 2019، الناتج عن الزيادة المطردة في القروض العقارية السكنية كما سيأتي إيضاحه بعد قليل.

دخلت السوق العقارية المحلية في علاقة جديدة متسارعة مع القطاع التمويلي بدءا من مطلع 2019، واستمرت في التنامي والتصاعد طوال الأعوام التالية حتى تاريخه، سرعان ما ارتفع خلالها حجم التمويل العقاري الممنوح للأفراد إلى 467.8 مليار ريال بنهاية 2021، وهو ما يتجاوز 8.2 أضعاف حجمه في نهاية 2013، وما تصل نسبته إلى 15.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "23.4 في المائة من الناتج غير النفطي"، وقس على ذلك أيضا حجم التمويل العقاري الممنوح للشركات، الذي ارتفع خلال الفترة نفسها من 46.0 مليار ريال بنهاية 2013، أي: ما نسبته 1.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "3.1 في المائة من الناتج غير النفطي"، إلى أن وصل إلى أعلى من 126.7 مليار ريال بنهاية 2021، أي ما نسبته 4.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "6.3 في المائة من الناتج غير النفطي".

وعلى أن حجم ونسب إجمالي القروض العقارية سواء الممنوحة للأفراد أو الشركات التي وصلت إليها حتى نهاية 2021، لا تقارن بالنسب الأعلى الموجودة في الدول المشار إليها أعلاه، إلا أن تلك القروض العقارية محليا شكلت أكبر رافد لسيولة السوق العقارية، حيث ارتفعت مساهمة القروض العقارية الممنوحة للأفراد في إجمالي قيمة الصفقات العقارية بنهاية 2013 من 4.8 في المائة، إلى نحو 74.0 في المائة بنهاية 2021، وهنا تكمن الأهمية الكبيرة التي بلغها الائتمان البنكي للسوق العقارية.

وبصورة أوسع فإن أي تطورات أو إجراءات تتم في القطاع التمويلي، سرعان ما ستنتقل آثارها إيجابا أو سلبا إلى السوق، وهو الأمر الماثلة حقيقته اليوم في المشهد العقاري عموما، خاصة بعد أن تضاعف وزن القروض العقارية للأفراد في سيولة السوق العقارية بأعلى من 8.2 أضعاف خلال الأعوام القليلة الماضية.

تؤكد التطورات السالفة التي طرأت على منهجية تعاملات السوق العقارية، مع زيادة ارتباطها بالمتغيرات التي تطرأ على القطاع التمويلي، وزيادة تعرضها أمام أي إجراءات أو قرارات منه، على عكس وضعها سابقا طوال العقود الماضية، الذي كان خاضعا بدرجة أساسية لتغيرات الإنفاق الحكومي "الرأسمالي تحديدا" وأسعار النفط، في علاقة طردية إن صعدا صعدت السوق معهما، وإن انخفضا انخفضت معهما، وأخذا في الحسبان عديدا من العوامل الأخرى ذات التأثير المباشر في السوق خلال تلك الفترة، لكن لا ترتقي قوتها مجتمعة إلى التأثير الأكبر للعاملين الأساسيين أعلاه. وبناء على الواقع الراهن للسوق العقارية فإن أي ارتفاع في تكلفة التمويل سيؤدي إلى انخفاض مبلغ التمويل اللازم للمستهلك، وبدوره إلى مزيد من الضغط على جانب العرض، ففي حال ارتفع معدل الفائدة الثابت من 2.0 إلى 3.0 في المائة بزيادة 100 نقطة أساس، فسينخفض التمويل المتحصل عليه بنسبة 12.5 في المائة، وإذا استمر الرفع إلى 4.0 في المائة بزيادة 200 نقطة أساس، فسينخفض التمويل المتحصل عليه بنسبة 22.2 في المائة، وبحال زادت الفائدة إلى 5.0 في المائة بزيادة 300 نقطة أساس، فسينخفض التمويل المتحصل عليه بنسبة 36.4 في المائة، وهكذا مع كل زيادة في معدل الفائدة، سينخفض في المقابل حجم التمويل المتحصل عليه، كما سيرافق كل عملية رفع للفائدة، ارتفاع في قيمة الفائدة على المستفيد، وعلى أن هذه العمليات لرفع الفائدة تشكل عبئا إضافيا على المستفيد، فإنها ستشكل عبئا أكبر على البائع، ستقتضي منه لتنفيذ البيع الممكن اليوم خفض أسعاره بنسبة تتجاوز نسبة الانخفاض في التمويل المتحصل عليه من قبل المستفيد، قبل أن يضطر إلى القبول بخفض أكبر إذا ما استمر رفع معدلات الفائدة مستقبلا، وقبل أن يقتنص فرصة البيع اليوم بائع آخر، وللحديث بقية... يتبع.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية