الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يسيران بقوة على الطريق نحو اقتصاد أخضر. وأوضح المسؤولون من كلا الجانبين هذا الأمر رغم سعي الاتحاد الأوروبي للحصول على مزيد من الغاز، ودعوات الإدارة الأمريكية لمزيد من إنتاج النفط.
سيحتاج كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى مزيد من النفط والغاز، وكذلك الفحم. وهذا يعني أنه رغم الدعوات لمزيد من مصادر الطاقة المتجددة من كل من الحكومات وصناعة الطاقة المتجددة، فمن المرجح أن ترتفع الاستثمارات في إنتاج مزيد من النفط والغاز والفحم، على الأقل على المديين القصير والمتوسط.
على سبيل المثال، حدد تقرير حديث من Reclaim Finance، مديري الأصول الذين يستثمرون في النفط والغاز والفحم. وفقا للتقرير، استثمر نحو 30 من مديري الأصول في العالم نحو 82 مليار دولار في شركات تعمل على تطوير إمدادات جديدة من الفحم، و468 مليار دولار في 12 شركة نفط وغاز كبرى. وتساءل التقرير "هل تغير إدارة الأصول ممارساتها الاستثمارية بما يتماشى مع متطلبات تحول الطاقة، وتقلل من الاستثمار في الفحم أو النفط أو التوسع في الغاز؟ وأجاب بالتأكيد لا.
لسوء الحظ بالنسبة للشركة وجميع نشطاء البيئة، حفر آبار جديدة للنفط والغاز أو فتح منجم فحم جديد هو الشيء الطبيعي الذي يجب فعله عندما يتجاوز الطلب على الطاقة العرض المتاح. وهذا هو بالضبط ما تفعله الشركات في بعض أجزاء العالم. حتى في أوروبا، يعيد بعض الدول النظر في خططها لتحول الطاقة، ولا سيما المملكة المتحدة وألمانيا.
حيث أعادت المملكة المتحدة في وقت سابق من هذا العام النظر في عزمها على تعليق جميع عمليات التنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال تدريجيا وسط أزمة طاقة بدأت في الخريف الماضي وتفاقمت مع الأزمة الأوكرانية، وتسببت في ارتفاع أسعار الطاقة، ودفعت ملايين الأسر إلى فقر الطاقة. مقابل هذا التطور، تتحرك المملكة المتحدة لتوسيع التنقيب عن النفط والغاز وسط أزمة أسعار الطاقة. قالت لجنة تغير المناخ في المملكة المتحدة إنها لن تعترض على إصدار الحكومة تراخيص جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال، حيث تواجه بريطانيا أزمة متصاعدة في أسعار الغاز وتهديدا بانعدام أمن الطاقة على المدى الطويل. تسبب تغيير موقف الحكومة بطبيعة الحال في احتجاجات من دعاة حماية البيئة.
في ألمانيا، تمت إعادة النظر في خطط التحرك التدريجي نحو نظام طاقة خال من الانبعاثات بنسبة 100 في المائة في ضوء النقص المحتمل في الغاز وسط الأزمة الأوكرانية. كان رد الحكومة الألمانية على هذا الخطر المحتمل هو التخطيط بسرعة لبناء عدة محطات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال ليحل محل الغاز الروسي. بعبارة أخرى، يستبدل أكبر اقتصاد في أوروبا والاتحاد الأوروبي أحد مصادر الغاز بآخر مثله، بدلا من استبداله بمصادر الطاقة المتجددة. المفارقة هنا هي أن ألمانيا في سعيها هذا لن تضطر فقط إلى دفع أضعاف سعر الغاز الروسي والقيام باستثمارات كبيرة جدا، بل إنها ستعتمد على الغاز المسال الذي تمتاز سلسلة توريده بانبعاثات أكبر من غاز الأنابيب.
في الولايات المتحدة، هناك تحول مماثل جار رغم الأجندة الخضراء المؤيدة لانتقال الطاقة التي جاء بها الرئيس جو بايدن إلى السلطة، إلا أنه يدعو الآن جميع منتجي النفط المستعدين للاستجابة لضخ مزيد من النفط لأن أسعار الوقود المحلية مرتفعة. وقالت الإدارة مرارا وتكرارا إن أجندة انتقال الطاقة والدعوات الحالية لمزيد من إنتاج النفط ليست متعارضة لأن هذا الأخير مجرد إجراء مؤقت حتى على الأرجح تتمكن مصادر الطاقة المتجددة بمفردها من تلبية الطلب. مؤقتا أم دائما، سيتطلب الإنتاج الأكبر استثمارات أكبر في مشاريع لا يقل عمرها الافتراضي عن 20 عاما.
في هذا الجانب، قال رئيس قسم تجارة الطاقة والطاقة المتجددة في شركة موتيفا Motiva: "نحن بحاجة إلى جميع مصادر الطاقة كجزء من هذا التحول. هذا تحول طويل، لن يحدث بين عشية وضحاها". وهذا يتوافق تماما مع رؤية منظمة أوبك. بالفعل، لن يحدث انتقال الطاقة بين عشية وضحاها فحسب، بل سيتطلب أيضا كثيرا من الجهد والاستثمارات. في الشهر الماضي، على سبيل المثال، حذر محلل CRU، وهي مؤسسة بحثية تعنى بتقديم معلومات حول صناعات المعادن والتعدين والأسمدة العالمية، من أن صناعة التعدين بحاجة إلى استثمار نحو 100 مليار دولار في مناجم النحاس الجديدة إذا أردنا تجنب عجز في العرض قد يصل إلى 4.7 مليون طن بحلول عام 2030. مع الزيادة المخططة لقطاعي الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، من المتوقع أن ترتفع فجوة العرض في العقد المقبل إلى ستة ملايين طن سنويا. بناء على توقعات الطلب، من المحتمل أن يكون هناك نقص في المعروض من جميع أنواع المعادن اللازمة لانتقال الطاقة والمعادن الأخرى.
الوضع في الوقت الحالي هو كالتالي: يحتاج العالم إلى طاقة أكثر مما يحصل عليها. الناس في الأغلب لا يهتمون حقا بمصدر الكهرباء طالما أنها موجودة. وهم يميلون إلى الشعور بالغضب عندما ترتفع أسعار كل شيء لأن الوقود المستخدم في نقل البضائع من مكان إلى آخر باهظ التكلفة بسبب تشدد معروض النفط.
من الواضح أنه لا أحد، ولا حتى أكثر أعضاء الاتحاد الأوروبي دفعا باتجاه الطاقة المتجددة، يمكنه بناء ما يكفي من مزارع الرياح والطاقة الشمسية للتخلص من الحاجة إلى إمدادات إضافية من النفط والغاز. وبالتالي، فإن الاستثمار في إنتاج النفط والغاز سيزداد رغم تحذيرات دعاة المناخ. يجادل البعض بأن زيادة الاستثمار في النفط والغاز ستكون مطلوبة فقط على المدى المتوسط، لكن شركات الطاقة تميل إلى التخطيط للمستقبل فترات طويلة من الزمن. إذا لم تكن هناك جدوى من الالتزام طويل الأمد بالإنتاج الإضافي، فمن المحتمل ألا يقوموا بذلك. إذا كانوا قد قدموا هذا الالتزام، لذلك لأنهم يتوقعون أن يظل الطلب على النفط والغاز ثابتا لوقت طويل لضمان استثماراتهم.
نقلا عن الاقتصادية