شهدت المؤشرات الرئيسة للسوق الأمريكية أسوأ أداء لها في نيسان (أبريل) منذ عام 1970، وذلك لمؤشر داو جونز، وكذلك لمؤشر إس آند بي 500، بينما مؤشر ناسداك شهد أسوأ أداء له منذ فقاعة الدوت كوم عام 2000.
في الحقيقة كانت السوق الأمريكية قد شهدت عمليات هبوط جماعية في مؤشراتها الثلاثة سابقة الذكر منذ مطلع العام الحالي، حيث فقد مؤشر داو جونز أكثر من 4500 نقطة، ما يزيد على 12 في المائة من القمة القريبة من مستويات 37 ألف نقطة، بينما فقد مؤشر إس آند بي 500 أكثر من 750 نقطة، ما يعادل 15 في المائة، فيما جاء مؤشر ناسداك الأسوأ بينها، حيث هبط ما يزيد على 3850 نقطة، ما يعادل 23 في المائة.
هذا الهبوط الجماعي من المؤشرات الثلاثة جاء بعد تعاف كبير منذ قاع شهر آذار (مارس) عام 2020 الذي شهد فيه آنذاك معظم الأسواق العالمية والمحلية وأسواق السلع هبوطا حادا إبان ذروة أزمة جائحة كورونا المستجدة التي شهد فيها العالم موجة إغلاقات لكبرى الاقتصادات في العالم.
كما أن هذا الهبوط في المؤشرات الأمريكية قد يكون عملية تصحيح للموجة الصاعدة من عام 2020 وبعدها تستعيد السوق عافيتها واستكمال صعودها مجددا، وقد تكون أيضا نهاية الموجة الصاعدة وبداية موجة هبوط جديدة.
في الحقيقة كلا الاحتمالين قائم، لكن دعونا نركز في العوامل التي أسهمت في عمليات الهبوط منذ مطلع العام، وعلى رأسها ارتفاع التضخم لمستويات لم يصل إليها منذ أربعة عقود متجاوزا نسبة 8.5 في المائة، وهو ما يعد نسبة كبيرة، تأخر "الفيدرالي" الأمريكي في الاعتراف بها مبكرا، فضلا عن علاجها، حيث كان يردد باول، رئيس "الفيدرالي"، وعدد من الأعضاء، أن التضخم سيكون مؤقتا، وهو الأمر الذي أثبتت الأيام عدم صحته. والعامل الآخر، الأزمة الروسية - الأوكرانية التي أسهمت في زيادة أسعار الطاقة. وثالثها، العقوبات الأوروبية على روسيا التي أثرت حتى في الشركات الأمريكية والسوق الأوروبية ككل، حيث تتداخل مصالح عديد من الشركات مع الاقتصاد الروسي، خاصة في مجالي الطاقة والغذاء، ما جعلها تتجرع ويل العقوبات. والعنصر الرابع، يكمن في توقع تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني بسبب موجة الإغلاقات التي تعيشها كبرى المدن الصناعية من جراء انتشار موجة جديدة من فيروس كوفيد - 19، ما يهدد ضعف الطلب واستمرار مشكلات الإمدادات وسلاسل التوريد التي يعانيها العالم أجمع، يضاف إلى ذلك ارتفاع الدولار الذي يزيد الضغط على الأسهم. كل هذه العوامل ضغطت على السوق الأمريكية بقوة منذ مطلع العام الجاري.
كما أن مسلسل رفع أسعار الفائدة الذي أعلنه "الفيدرالي" الأمريكي منذ رفعه الأول مطلع العام، وما سيتبعه من عمليات رفع أخرى، كل هذه العوامل توجد حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين، وتشجع على انسحاب السيولة من الأسهم لمصلحة الودائع وغيرها من القنوات الاستثمارية الأخرى، خاصة أن الرفع المتسارع للفائدة يوجد حالة من الخوف لديهم من شبح الركود.
ما حدث من هبوط قد يكون امتصاصا استباقيا لكل هذه العوامل، لكن ذلك يستوجب التعامل بحذر مع السوق، وتوفير سيولة مناسبة للقدرة على التعامل مع أي اتجاه، وذلك إلى حين وجود إشارات واضحة على انتهاء عمليات التصحيح الحالية.
نقلا عن الاقتصادية