الاقتصاد بالأحرف

01/05/2022 1
علي المزيد

أكتب هذا المقال وهو سينشر اليوم الأحد، لذلك لا أعرف هل سيكون يوم النشر هو يوم عيد؟ أم سيكون آخر يوم من أيام رمضان؟ لذلك سأبتعد عن الاقتصاد الجاد المسبب لارتفاع الضغط، وربما الأزمات القلبية، خصوصاً في حالة الخسارة.

على أي حال تعودنا على أن الأرقام هي من يشرح الاقتصاد، ولكن في حالات بساطة المجتمع وفقره، فإن الأرقام لا تستخدم ويستعاض عنها بالأحرف، ففي جنوب السعودية إذا قابلتهم يبادرونك بتحية جميلة يقولون فيها «مرحباً ألف»، وهم يقصدون تحيتك برقم كبير بالنسبة لمجتمع اعتاد على زراعة مدرجات الجبال واعتمد على الرعي، فكان هذا الرقم الألف يعد كبيراً لديهم، وهذا يدل على بساطة الاقتصاد وعدم تعقد أرقامه، لذا أتى الألف كبيراً بالنسبة للمحيي والمحيا، ومع تطور الاقتصاد وتعقد أرقامه رفع الجيل الجديد تحيتهم لتصبح «مرحباً مليون»، لتناسب تطور الاقتصاد وارتفاع أرقامه إلى المليارات، ومع ذلك تظل «مرحباً ألف» هي النسخة الأصيلة والأجمل.

على أي حال هذه التحية الجنوبية الجميلة لم تأت من فراغ، وإنما هي امتداد للتراث العربي، فمع بساطة الاقتصاد الأموي لم يكونوا يعرفون المليون، لذلك يقولون عوضاً عن المليون ألف ألف، فيذكر أن أحد علماء الحديث حفظ ألف ألف حديث. ويذكر أن كل وارث من ولد أبناء الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك ورث ألف ألف دينار، أي مليون دينار، وهذا يدل إما على بساطة الاقتصاد أو انعدام التضخم، لذلك لا يحتاجون إلى أرقام كبيرة لاستخدامها.

والأخوة المصريون يستخدمون لفظة «أرنب» للتدليل على المليون، ويستخدمون أجزاء الأرنب في الصرف، فيقولون «ربع أرنب» أي ربع مليون جنيه، و«نصف أرنب» أي نصف مليون جنيه. ومع التطور الاقتصادي في السعودية وزيادة التضخم بدأ سقف الرموز للأرقام يرتفع، فبدأ أهل نجد وسط السعودية يستخدمون مصطلح «لك» تعبيراً عن المائة ألف ريال (26.6 ألف دولار أميركي)، فيقال فلان باع بيته بـ«لك»، أي مائة ألف ريال، وهو رقم كبير في وقته، وهذا الوقت يقترب من الستين عاماً أو أكثر من ذلك بقليل، أي أنه ليس ببعيد و«لك» باللهجة الدارجة تعني الامتلاء، أي أن المائة ألف ريال تملأ الخزنة ملئاً تاماً، بحيث لا يكون هناك مجال لإدخال مال آخر، واللفظة في حينه تدل على الكثرة، وأصبحت المائة ألف ريال اليوم رقماً هامشياً مع زيادة التضخم. ودمتم.

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط