خيارات المستهلك وثقافة الشراء

20/04/2022 1
عبد الحميد العمري

بعيدا من التنظير، تعد خيارات المستهلك أمام موجات ارتفاع أسعار السلع والمنتجات والخدمات بصورة عامة محدودة إلى حد بعيد، خاصة متى ما كان مستوى دخله محدودا في الأصل، أو كان مرتبطا بعقود تمويلية طويلة الأجل، وتستقطع من دخله الشهري نسبا مرتفعة، وتتوسع تلك الخيارات بالتأكيد كلما ارتفع دخله الشهري أعلى من المتوسط العام لأجور العمالة، وكلما كان تحمله لأي ارتباطات تمويلية متدنيا، ويزداد تحسنا بصورة أكثر إذا لم يكن لديه مثل تلك الارتباطات التمويلية، وهذا حادث في نطاق ضيق جدا مقارنة بأعداد من لديهم ارتباطات تمويلية سواء كانت قروضا استهلاكية أو عقارية أو مزيجا منهما.

ينصب الحديث هنا على ضرورة بحث المستهلك حسب وضعه المالي والائتماني عن الخيارات المتاحة له أولا، ووفقا للأنسب بالنسبة إلى وضعه المعيشي، وأخيرا بما يؤدي إلى المحافظة على استقراره المعيشي قدر الإمكان، ودون الإخلال بالالتزامات الائتمانية والاستهلاكية القائمة لديه. والتأكيد أيضا على: أولا، أنه لا توجد "وصفة سحرية" في هذا الشأن ستلائم الجميع، وأن الأقدر على وضع تلك الوصفة المنشودة للمستهلك، هو المستهلك نفسه بالاعتماد على عدد من الركائز التي سيأتي ذكرها لاحقا. وثانيا: أن الخيارات التي سيقدم على اتخاذها المستهلك في هذا الشأن، قد تكون قاسية في نظر كثيرين إن لم يكن الجميع، إلا أنه مهما بلغت تلك القساوة التي قد يراها كثير منا، إلا أنها تظل أدنى وأقل قساوة مما لو تركت الأوضاع الاستهلاكية لأي منا على وضعها الراهن، في الوقت ذاته الذي تتحرك على أرض الواقع مؤشرات الأسعار صعودا مطردا، ولا ينتبه أو يتجاهلها المستهلك عمدا.

تتوزع الخيارات المتاحة أمام المستهلك بين مدخلين رئيسين، المدخل الأول: أن يعمل على زيادة دخله الشهري وفق القنوات المشروعة، إما بالبحث عن وظيفة جديدة ذات دخل أعلى، أو بالبحث عن مصدر دخل إضافي يعزز من خلاله دخله الراهن، وغيرها من الخيارات التي تدخل في هذا الباب، وهو الباب الذي يعد بالتأكيد الأكثر صعوبة إن لم يكن مستعصيا، خاصة في الأجلين القصير والمتوسط، ورغم ذلك يحق للمستهلك أن يسعى في اتجاه تحقيقه بالسبل المشروعة أمامه كافة، ويكون ضمن طموحاته التي يجتهد لأجلها بكل قدراته وإمكاناته، ولا يسمح لليأس أن يدب إلى نفسه على هذا الطريق.

المدخل الثاني: أن يقوم المستهلك بمراجعة تفاصيل أنماطه الاستهلاكية، ومن ثم تخفيض أو التخلص من أوجه الإنفاق الاستهلاكي غير الضروري خلال الفترة التي يقدرها زمنيا، والعمل على تحصين قدرته المالية للوفاء بأوجه الإنفاق الواجبة، إضافة إلى المحافظة على وفائه تجاه التزاماته الائتمانية، وحماية نفسه من أي شكل من أشكال التعثر، والتورط لاحقا في تحمل عقوبات لا طاقة لها بها تجاه الجهات التمويلية المتعاقد معها. وعلى أنه من المتفق عليه القول: كم هو سهلا جدا طرح مثل هذه الأفكار "نظريا" في الشأن المعيشي للمستهلك؟ إلا أنه يظل الخيار الأقل ألما مقارنة بغيره من الخيارات الأكثر صعوبة وألما كما نعلمها جميعا، والمرء هنا قد يكون مجبرا لا بطلا، والتأكد أنه الخيار "المؤقت" بكل تحدياته المعيشية ومهما طال أمده، مقارنة بما لا يمكن التعامل أو التكيف معه من أي شكل من أشكال التعثر أو الوقوع فريسة في ورطة زيادة الاقتراض للوفاء بمتطلبات استهلاكية معينة، كان في الإمكان الاستغناء عنها خلال الفترة الزمنية الراهنة، التي يواجه خلالها المستهلك تحديات ارتفاع أسعارها وتكاليفها.

ما تلك المجالات الاستهلاكية التي يمكن خفضها أو حتى الاستغناء عنها لفترة من الزمن؟ الإجابة بالطبع لدى المستهلك نفسه حسب تقديره وتقييمه! وما سيأتي ذكره هنا بخصوصها، لا يتجاوز كونه مجرد أمثلة عليها لا على سبيل حصرها. ومن تلك الأمثلة: (1) على مستوى السلع الاستهلاكية، يمكن وضع منهجية شرائية مقننة، تقوم على الشراء من المواقع التي تبيع بالجملة، وأن تكون كافية لتلبية احتياجات فترات أطول (أسبوعين إلى شهر كمثال)، واختيار السلع والمنتجات الأقل سعرا دون الإخلال بالجودة قدر الإمكان. (2) خفض أو الامتناع عن الشراء من مواقع التموينات القريبة من المسكن، التي تقوم بإيصال المشتريات إلى باب المسكن، وهي في الأغلب مشتريات استهلاكية قليلة التكلفة في كل مرة، إلا أن تكرارها يوميا يحولها إلى تكلفة أكبر بالمقياس الشهري، وفي الأغلب ما يكون مصدر طلبها صغار السن من العائلة من الأبناء والبنات! (3) (المثال الأكثر صعوبة في ظاهره) اجتماع رب الأسرة مع أفراد أسرته، وصولا إلى قرار إلغاء أو على أقل تقدير خفض، طلبات المطاعم بالاعتماد على تطبيقاتها المعاصرة الواسعة جدا، وإيضاح صورة الوضع المالي لرب الأسرة لبقية أفرادها، وإشراكهم في التفكير واتخاذ القرار في هذا الشأن، وأنه رغم صعوبته إلا أنه يصب في مصلحتهم المشتركة بالمحافظة على الاستقرار المعيشي لهم جميعا، ويمكن خلاله النجاح في توفير وفورات مالية يمكن من خلالها قضاء الإجازات السنوية، وغير ذلك مما تتطلبه اهتماماتهم الاستهلاكية الأفضل، مقارنة بوجود هذا (النزيف الاستهلاكي) المستمر، وما يستقطعه من أموال مهدرة باحتسابها شهريا أو سنويا، وكيف أن توفيرها سيؤدي إلى تحسين خيارات استهلاكية أخرى بصورة لا تقارن!

(4) مراجعة فواتير استهلاك الكهرباء والاتصالات، والعمل على ترشيد استهلاك الكهرباء، إضافة إلى اختيار الأجهزة والإضاءات الأعلى كفاءة من حيث الاستهلاك، والاستفادة هنا من برامج دعم اقتناء تلك الأجهزة (تحديدا المكيفات)، ومراجعة فئات شرائح الاتصالات لدى الأسرة، والعمل على خفض شرائحها أو حتى إلغاء ما يمكن الاستغناء عنه منها إن أمكن ذلك. (5) مراجعة الفواتير السنوية للتعليم في المدارس الخاصة إن وجد، والنظر في إمكانية الاستغناء عنها بالمدارس الحكومية، وهو أمر حدث خلال الأعوام القليلة الماضية من قبل كثير من الأسر، واستطاع أغلب الأسر التكيف معه، ودون النظر هنا إلى الآثار المحتملة على المنشآت العاملة في تلك القطاعات، التي لا شك أنها ستتأثر سلبا، وعليها أن تبحث عن البدائل الأخرى التي تخفف من توجه عديد من الأسر نحو الاستفادة من منشآت التعليم الحكومية، لمواجهة ارتفاع أعبائها المعيشية.

كل ما تقدم لا يتجاوز كونه مجرد أمثلة استهلاكية لا على سبيل الحصر، ويمكن الأخذ بها أو أقل منها أو أكثر قدرا حسب الوضع المالي والمعيشي للمستهلك وأسرته، وأنها تظل خيارات مرحلية زمنيا، تستهدف التكيف مع التغيرات الراهنة في مستويات الأسعار، وضمان الاستقرار المالي للمستهلك وأسرته، وحماية للجميع من أي انعكاسات قد تؤثر في رب الأسرة - لا قدر الله

 

 

نقلا عن الاقتصادية