لماذا افريقيا مهمة

06/04/2022 1
خالد بن محمد العبودي

تأتي جولات المسؤولين السعوديين فى الاعوام الاخيرة لعدد من الدول الافريقية فى وقت مهم للمملكة التي تسعى إلى تعزيز مكانتها العالمية كإحدى الدول ذات الوزن النسبي المتزايد عالميا وايضا إقليميا ناهيك عن كونها قلب العالم الإسلامي ومحط أنظار ساكنيه. ولا تستمد الزيارة أهميتها من الصلات السياسية التي يجري تعزيزها من خلال توثيق العلاقات مع دول لها أصواتها فى المنظمات الدولية فحسب وانما ايضا من الجانب الاقتصادي حيث لاتزال افريقيا قارة بكرا لم تستخدم مواردها بشكل كاف وهي أيضا تشكل أسواقا مستقبلية لمنتجات المملكة بالإضافة إلى كونها موطنا محتملا وجاذبا لاستثماراتنا من قبل القطاعين العام والخاص.

بناء الجسور مع أفريقيا ليس شيئا مستحدثا وإنما هو إعادة بناء لعلاقات تجارية وصلات حضارية ضاربة في أعماق التاريخ لعبت فيه الجزيرة العربية دورا مهما فى وصل افريقيا بالعالم، حيث كانت الجزيرة تقع على دروب التواصل التجاري بين حواضر العالم المعروف آنذاك، هذه الصلات ساهمت فى حمل رسالة الإسلام وبالذات الى افريقيا جنوب الصحراء والتى كانت تحكمها ممالك وقبائل متناثرة متناحرة تقبل معظمها رسالة الدين الحنيف وتعاليمه السمحة وحافظ عليه ولذا فان شعور الاخوة الإسلامية وبالذات في غرب افريقيا هو أبرز ما يميز الأفارقة عند اتصال العرب بهم وبالذات السعوديين منهم.

هذا الشعور والاعتزاز بالإرث الثقافي الاسلامي بقى قرونا طويلة رغم وقوع افريقيا تحت الاستعمار الغربي الذي لم يعدم وسيلة لاستغلال ثروات هذه القارة إلا واستخدمها وقام بنقل تلك الثروات الى بلدان الاستعمار ولم يسلم البشر منذ ذلك حيث جرى نقل الملايين من قراهم ومدنهم وتم استعبادهم ليكونوا اليد العاملة و العنصر الإنتاجي المفقود الذي زاد الطلب عليه في بدايات الثورة الصناعية فى أوروبا ولكن بشكل أكبر فى الأمريكتين تحديدا.

كيف نعيد الصلات الاقتصادية العربية الافريقية يبقى التحدي الذي يجب ان نسعى الى تحقيقه ومن المؤمل ان يكون ذلك التحدي أقل صعوبة مما كان عليه الوضع في الماضي باعتبار أن القطاع الخاص فى المملكة الذي بدأ يلمس الجهود الحكومية فى إعادة تنظيم بيئة الأعمال المحلية بهدف تقليل البيروقراطية وتحسين انسيابية الأعمال هو اليوم أكثر تشجعا لتبني مبادرات جديدة بعد أن بلغ تنظيم البيئة الاستثمارية مدى كبيرا مما يعني أنه بإمكان القطاع الخاص ان يتفرغ لخطط النمو والارتقاء بالأداء والبحث عن أسواق جديدة.

فمن جانبها ، قامت الحكومة بجهود حثيثة لزيادة وصول القطاع الخاص إلى التمويل الذي هو عصب الأعمال حيث استحدثت برامج تمويلية و منتجات للضمان من قبل صناديق حكومية قائمة مثل صندوق التنمية الزراعية كبرنامج دعم الاستثمار الزراعي في الخارج ومنتجات استيراد المواد الداخلة في الانتاج الزراعي والحيواني وكذلك المنتجات التي ليس للمملكة بعد ميزة نسبية فى إنتاجها مثل اللحوم الحمراء و الاعلاف ناهيك عن البذور، مجال الاستفادة من أفريقيا فى مجال الغذاء مجال واسع حيث يمكن استيراد الكثير من المنتجات والسلع المشمولة باستراتيجية الأمن الغذائي للمملكة من افريقيا، فصندوق التنمية الزراعية يقدم منتجات تمويلية وضمانات تسهل من هذه العمليات وإذا كان الصندوق مستعدا لتمويل ليس التبادل التجاري مع هذه الدول وانما أيضا تمويل الاستثمارات هناك كالمزارع والمسالخ التي يستهدف من إنشائها جلب منتجاتها الى المملكة فلماذا لا يقدم القطاع الخاص على الانخراط فى ذلك وهو يرى الدعم والتشجيع الحكومي.

بل إنه مع توفر الحلول التمويلية لا يحتاج المرء ليفكر كثيرا فى ماذا يحتاج المزارع فى افريقيا سواء أكان شركة افريقية او سعودية تستثمر هناك لتنتج ما يطلبه السوق العالمييحتاج المزارع من ضمن ما يحتاج الى المحروقات والأسمدة وهى ا مجموعة من السلع التي لدينا فيها ميز نسيبة علما بانه الكثير من انتاج شركاتنا من هذه السلع يصل الى المزراع فى افريقيا ولكن يصل من خلال اطراف اخرى وهى الشركات التجارية التى تنشط فى شراء هذه السلع ومن ثم تبيعها الى المزارعين والشركات الزراعية الافريقية بهوامش ربحية عالية. وأغلب هذه الشركات موجود في دول مجاورة للمملكة ولذا نرى معدلات التبادل التجاري بين هذه الدول وبين أفريقيا عالية.

وبالتالي، ليس بالإمكان تصور فرص أفضل من قيام شركاتنا بتفادي الوسطاء والدخول بتوريد مباشر للمزارعين فى افريقيا. بل إن توفير تلك السلع للمزارعين واستعداد شركاتنا ومؤسساتنا الحكومية المعنية بالأمن الغذائي لشراء المنتجات التى نحتاجها فى برنامج الأمن الغذائي السعودي من هذا المزارع ووجود مؤسساتنا التمويلية التى تدعم العمليات الانتاجية على طول سلاسل الامداد يوصلنا الى ما يسمى بالزراعة التعاقدية. نوفر ما يحتاجه المزارع لينتج ونأخذ من انتاجه ما نتعاقد معه عليه من متطلبات برنامج أمننا الغذائي. يضاف الى ذلك وهو امر مهم ان العديد من الدول الأفريقية لديها استعداد لتخصيص أراضي زراعية لشركاتنا وإتاحتها لنا للاستفادة منها، وهي دول ذات إمكانيات زراعية عالية ولكن تلك الاراضي قد تفتقر الى البنى الأساسية اللازمة لتطويرها واستغلالها ولكننا يجب الا ننسى ان لدينا شركات تنشط فى إقامة البنى الاساسية وشركات تعمل فى مجال الطاقة المتجددة وبعضه امتد بالفعل نشاطه إلى أفريقيا ولدينا مؤسسات تمويل توفر تمويل طويل الأجل لمشاريع البنية الاساسية مثل الصندوق السعودي للتنمية، ولدينا مؤسسات لتمويل المدخلات والمخرجات فصندوق التنمية الزراعية ببرامجه المختلفة موجود وكذلك وجود مؤسسة مهمة اخرى وهي بنك التصدير والاستيراد السعودي.

لقد دشن بنك التصدير والاستيراد السعودي أعماله بانطلاقة رائعة مدعوم بفريق اداري شغوف وقيادة خبيرة متحمسة، والبنك الذى يستهدف الإسهام فى إيصال المنتج السعودي الى أماكن غير معتادة يضع القارة الافريقية فى مقدمة اهتماماته لاتاحتها امام المصدرين السعوديين حيث يقوم وبشكل دؤوب بتأسيس علاقات عمل مع مؤسسات مالية افريقية لإتاحة التمويل للمستوردين للسلع والخدمات السعودية غير النفطية. وحتى مدخلات الانتاج لايمانع البنك من تمويل استيرادها إذا كانت تدخل فى إنتاج سلع مستهدفة للتصدير، افريقيا على قدر رؤيتنا لها انها سوق واسعة لديها تحدياتها ومنها تحديات البني الاساسية ، عودة موجة الانقلابات ، الصراع بين الدول الاستعمارية القديمة ووافدين جدد مثل روسيا، اخفاق النموذج الصيني فى احداث تغير ايجابي ملموس على الارض. الا ان هناك بوادر تغيرات ايجابية مثل التوجهات الشعبية نحو المطالبة بإصلاحات هيكلية ومحاسبة المسؤولين الفاسدين، نمو قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الافريقية الصرفة حيث كان هذا القطاع يقوده مستوطنين غربيين كالفرنسيين او مستوطنين عرب كاللبنانيين حيث كانوا هم اصحاب المتاجر والمطاعم والمقاهي والمتاجر المسيطرين على الاستيراد والتصدير ويكتفي الأفارقة بالعمل كاجراء لديهم. أصبحت هذه القطاعات تدار من قبل جيل جديد من أصحاب الأعمال الأفارقة وهم اكثر تلمسا لاحتياجات مجتمعاتهم وأكثر اطلاعا على ما يجرى فى العالم. وأكثر رغبة فى النجاح وتحقيق قيمة مضافة لبلدانهم مع رؤية جديدة من ان استمرار ربط افريقيا اقتصاديا بالدول الاستعمارية لم يؤدي الا الى مزيد من التبعية والاستغلال ولذا هم أكثر انفتاحا على بناء علاقات مع دول جديدة.

وبالتالي هناك تحديات وهناك متغيرات ايجابية قد لا تكون كافية ولكنها فى الاتجاه الصحيح نحو محاولة خلق اقتصاديات اكثر استقلالا وأقل اعتمادا على المساعدات والقروض التى كبلت تلك الدول على ضآلة مواردها أعباء ديون قد لا تستطيع الإيفاء بفوائدها، وتبقي الفرص كامنة متوارية تحت التحديات ويبقي علينا ان نعرف كيف يمكن ان نقتنص هذه الفرص بعد ان قدمنا نحن كسعوديين دعما كبيرا من خلال مؤسساتنا الثنائية كالصندوق السعودي للتنمية او المؤسسات المتعددة الأطراف مثل المؤسسات العربية والاسلامية التى نحن أكبر المساهمين فيها للبني الاساسية مثل الطرق والسدود والمطارات والمواني. وتمكنا من خلال جهود حكومتنا من بناء جسور من الثقة والمودة مع الدول الافريقية وبالتالي فان الترحيب بنا كشركاء سواء مستثمرين اوتجار هو أمر ملموس ومشاهد فى تواصلنا مع الافارقة.

نحتاج الى صياغة برنامج عمل للتعامل مع القارة الافريقية التي هي على مرمى حجر منا ولكنها تبدو غاية فى البعد بسبب الافتقار الى خطوط ملاحية تصلنا بالموانئ الافريقية دون الحاجة الى الرسو فى موانئ دول اخرى تجعل تكلفة النقل البحري مخيفة. ولذا يبدو من الأهمية تأسيس مجموعة عمل سعودية من القطاعين العام والخاص لتشكيل برنامج تنفيذي لتحويل الفرص الى واقع ولا تبدو إمكانية تحقيق ذلك صعبا فى ظل ما تم مبادرات محليا وفى ظل توجهات سياسية واضحة تهدف الى أن تتبوأ المملكة المكانة التى تستحقها كإحدى أهم الاقتصادات الواعدة والأسرع نموا فى مجموعة العشرين. باختصار ان الارضية مهياة ولكن نحتاج ان نخطو الخطوات الاخيرة لترجمة الفرص الى واقع ملموس.

 

خاص_الفابيتا