نجحت الهيئة الملكية للجبيل وينبع في تنفيذ النموذج الأمثل للتنمية الشاملة الحديثة في مدينتين صناعيتين على الخليج العربي والبحر الأحمر. تنمية نموذجية لم تتكرر في أي من المدن السعودية. برغم أهميتها وتفردها، إلا أنها لم تستنسخ خلال العقود الماضية، أو تتحول إلى نموذج استرشادي للمدن والأحياء الحديثة.
تجربة الهيئة الملكية في قطاع الصناعة، التعليم، الصحة، الطرق، والإدارة الشاملة تجربة متميزة، كنا وما زلنا نتمنى أن تنتقل إلى الوزارات الخدمية والمدن الأخرى فمن الظلم أن تُحبس تلك التجربة الناجحة في محيط المدينتين الصناعيتين دون أن تقتبس منها الإدارات الخدمية في مناطق المملكة، تجارب النجاح وأسلوب إدارة وتنفيذ المشروعات الخدمية، وتخطيط المدن.
وفي مدينة ينبع الصناعية، يمكن الاطلاع على خليط التنمية الشاملة وتناغمها بشكل فريد، والمنفعة المحققة من الاستثمارات الحكومية التي ضُخت فيها، وجودة مشروعات البنى التحتية، والمحافظة على البيئة وتعزيز مكوناتها. بعد إطلاق رؤية 2030 أصبحت جودة الحياة هدفا رئيسا للجميع، والقاطع المشترك لجميع المشروعات الجديدة. يمكن مشاهدة جودة الحياة الحقيقية في مدينة ينبع الصناعية، والتي باتت جزءا لا يتجزأ منها، منذ إنشائها. تكامل خدمي، وبرامج تعليمية وصحية متميزة، وبيئة محفزة على الإبداع، وأنظمة ضابطة للحركة العامة، ووضوح تام في التشريعات التي تحكم المدينة. أنشئت المدينة لتكون حاضنة لقطاع صناعي متنوع، إلا أنها تحولت إلى حاضنة للتنمية الشاملة والإبداع والتميز. لم تأخذ ينبع الصناعية حقها من الاستثمارات الصناعية والسياحية، برغم ميزتها التنافسية، وقدرتها على تلبية متطلبات المستثمرين، وموقعها الإستراتيجي على البحر الأحمر وقربها من الأسواق المهمة.
يبحث المستثمر دائما عن تعظيم الربحية وخفض التكاليف، بمعزلٍ عن المصلحة العامة، ومن الطبيعي أن يختار المواقع الأكثر تحقيقا لأهدافه. ومن هنا تبرز أهمية الاستراتيجية الحكومية في توزيع الاستثمارات على المدن الصناعية، وتوجيه المستثمرين من خلال برامج التحفيز النوعية، وخلق التجمعات الصناعية المتخصصة، أو الشراكات المباشرة، أو المشروعات النوعية التي تعد فرصا استثنائية للمستثمرين. يبدو أن هناك قصورا في توجيه الاستثمارات الصناعية لتحقيق المنفعة الكلية من بعض المدن والمناطق الصناعية، ومدينة ينبع من الأمثلة الأكثر بروزا. لا يمكن لإدارة المدينة أن تحقق متطلبات التسويق الجاذبة للاستثمارات بمعزل عن الجهود الحكومية التي تعد المحرك الحقيقي لها، والشركات الكبرى التي تمتلك الحكومة حصة الأغلبية فيها، والقادرة على عقد شراكات وخلق مشروعات صناعية كبرى محققة لنمو المدينة، والاستثمار الأمثل للطاقة الاستيعابية التي أنفقت الدولة عشرات المليارات لتجهيزها.
هناك جهود متميزة لجذب الاستثمارات المختلفة تقوم بها الهيئة الملكية في ينبع، غير أنها في أمس الحاجة للدعم الحكومي، والوزارات المعنية وفي مقدمها وزارة الاستثمار، والشركات الصناعية الكبرى. كما أن لصندوق الاستثمارات العامة دور مهم في جذب الاستثمارات وعقد الشراكات وتحقيق التنمية الشاملة، وأحسب أن للصندوق مشروعا سياحيا في المدينة، وبرغم أهميته إلا أن ضخ مزيداً من استثماراته سيسهم في تحقيق العوائد الجيدة، والأمان الاستثماري للصندوق، ومزيدا من التنمية لمدينة ينبع.
ومن المهم الإشارة إلى بعض التحديات التي قد تتسبب في عرقلة تدفق الاستثمارات، ومنها عدم الجاهزية لاحتضان بعض المشروعات النوعية التي تتطلب مواصفات محددة في البنى التحتية، أو مدها إلى المواقع الجديدة الحاضنة للمشروع. المواءمة السريعة بين احتياجات المستثمرين ومتطلبات مشروعاتهم على الأرض من جهة، وبين آلية إقرار المشروعات وتوفير الميزانية العاجلة والمناسبة لها من جهة أخرى، من الحلول المهمة الداعمة لتدفق الاستثمارات. كما أن خلق مركز شامل للتراخيص، يحمي المستثمرين من التشتت بين الوزارات المعنية، وطول أمد استخراجها، أو ربما اختلاف وجهات نظر الوزارات المعنية حيال المشروعات، سيسهم في معالجة أهم التحديات الحالية. عمل الجهات الحكومية كفريق عمل واحد، وفق إستراتيجية استثمارية واضحة، ورؤية محفزة للاستثمار وداعمة للمستثمرين، وآلية عمل إبداعية تعالج التحديات وتعزز الإيجابيات هي القاعدة الصلبة الجاذبة للاستثمارات الأجنبية والمحلية، والمحققة لنمو المدينة وازدهارها.
نقلا عن الجزيرة