الدولرة تعني تفضيل الدولار على حساب عملة محلية، في التعاملات ذات الطبيعة النقدية، ويزيد التفضيل في التعاملات التي تستغرق بعض الوقت أو تجرى في مناطق بعينها داخل دولة العملة المحلية. وقد يتوسع في المسمى لتدخل فيه عملات، كالين الياباني، واليورو الأوروبي. والتفضيل بطبيعته ينصب على الوظائف الأساسية للنقود، والدولرة طبعا في دول دون دول وعلى تفاوت.
أهم سبب في تفضيل الدولار أي في الدولرة ضعف بين في استقرار اقتصادات دول. ما يدفع إلى نوع تهميش للعملة المحلية والتفضيل للدولار في الاستخدام. وضعف الاستقرار الاقتصادي له مظاهر كثيرة، مثل التضخم المفرط، وضعف قدرة الدولة في مواجهته، وتبعات ذلك. ضعف وانخفاض أهمية العملة الوطنية في وظيفة تخزين القيمة، يدفع الناس إلى اكتناز عملات أخرى على رأسها الدولار بأكثر من صورة.
ما طبيعة فجوات الاقتصاد الوطني في أي دولة تعاني ضعف الاستقرار الاقتصادي؟ هناك أكثر من فجوة. هناك فجوة تمويلية وفجوة اختلالية مزمنة في سوق الصرف، وفجوة في التجارة الخارجية، بمعنى عجز واضح في توافر تمويل للاستيراد.
طبعا الدولرة تسهم في زيادة قوة وانتشار الدولار. ومن ثم تظهر كثيرا عند البعض نظريات وأفكار المؤامرات والخطط الأمريكية في الدولرة. لكن هذا يجب ألا يعمينا عن النظر إلى زاوية أهم. ما كان للدولرة أن تزيد في دول تتسم باسترخاص مواطنيها لعملات دولهم - لبنان مثال واضح -، بمعزل عن سياسات اقتصادية في تلك الدول. سياسات أسهمت في توسع التضخم والكساد وتآكل المدخرات. وزادت الطين بلة ثورة التقنية والاتصالات، حيث زادت قوة وسرعة الدولرة.
طبعا هناك تناقضات. بعض الدول تشدد على مواطنيها في تعاملهم بالدولار، لكنها تسدد ديونها بالدولار.
باختصار، فقد قدر كبير من الثقة بالعملة الوطنية وفي الصفة السائدة في دول عديدة، هذا الفقد نتج من فشل الأداء الكفء والفاعل في إدارة الاقتصاد وإدارة وظائف النقود. وهذا يدفع بالوحدات الاقتصادية إلى البحث عن بدائل من العملات الأجنبية القادرة على أداء هذه المهمة بشكل أكثر كفاءة وفاعلية. وطبعا على رأس القائمة الدولار، ما يسهم في مزيد قوة للدولرة.
ما سبق لا يعني وجود اتفاق في مفاهيم ومدلولات الدولرة. ويتطلب تقليل الخلافات بناء مقاييس كمية معتمدة على سياقات نقدية، وتصوير للواقع والمتغيرات والمشكلات الاقتصادية بشكل أكثر دقة وموضوعية.
وتسهم متغيرات في بناء تلك المقاييس. من أمثلة المتغيرات السلاسل الزمنية للتضخم، وللتذبذب في أسعار صرف العملة المحلية.
ما تأثير الأحداث الآن في الدولرة؟
هناك من يرى أن العقوبات الغربية على روسيا ستضعف بقوة عصر الدولرة. كيف؟
من قبيل رب ضارة نافعة. ستستفيد دول على رأسها الصين من العقوبات. كيف؟ ستتحرك للاستفادة من الوضع عبر التدخل أو السيطرة قدر المستطاع على موارد روسيا الطبيعية الخاضعة للعقوبات. وستكون أوروبا والغرب عموما رهينة للدول المستفيدة.
طبعا يملك البنك المركزي الروسي أصولا مصرفية أجنبية. وستتأثر أسعار الصرف تبعا للأحداث. ومن ثم فبيد روسيا أن تقرر كيف ستبيع صادراتها من الحبوب مثلا إلى الدول التي تحتاج إليها، هل ستتوقف عن بيع الغاز إلى أوروبا مرورا بأوكرانيا؟
ستجر الأحداث كلا من روسيا والصين إلى تطوير نظام دفع مشترك بينهما. وهذا التطوير سيكون على حساب استعمال الدولار في تجارة الطاقة، بما يمثل بداية لإضعاف هيمنة الدولار. وهو كلام قالته بصوت مسموع بنوك كبرى مثل سيتي جروب.
الوضع يدفع إلى إضعاف سيطرة النظام المالي الغربي مع الوقت.
العقوبات تشكل وسيلة كبيرة لتقوية الصلات الاقتصادية بين روسيا والصين وربما دول أخرى لها صلة بالعقوبات.
تستغل روسيا الفرصة لدفع الأوروبيين للدفع بالروبل، في شراء الغاز الروسي. القرار الروسي يدفع دول الغرب للتساهل في موضوع المقاطعة عبر التعامل مع البنك المركزي والنظام المصرفي الروسيين.
ما دافع روسيا؟
عمليا لا فرق لروسيا من أكثر من جهة اقتصادية. فمبيعات روسيا تقلل كثيرا قوة المقاطعة الغربية لاقتصادها، بغض النظر عن طريقة الدفع. وروسيا تكسب قدرا كبيرا من العملات الأجنبية.
حتى لو دفع المشترون باليورو أو الدولار، فإن روسيا ستطلب التحويل إلى الروبل. ما يقلل هيمنة المقاطعة، والدولار أو اليورو.
من أسباب قوة الدولار كون دول العالم تملك كما هائلا من الدولارات في بنوكها المركزية وصناديقها الاستثمارية. لكن إذا أصبحت الدول أكثر ترددا في تحمل الالتزامات الأمريكية، مع التغيرات الكبيرة في تجارة السلع الأساسية، فالمتوقع انخفاض مرحلي في قيمة الدولار. وهذا الخفض يجر على رفع معدلات الفائدة، لتقليل قدر الانخفاض في الدولار.
عند استخدام أمريكا لعقوبات مالية، فإن له آثارا جانبية غير مرغوب فيها من وجهة أمريكية. العقوبات بطبيعتها تدفع الدول التي تحت العقوبات المالية إلى تقليل اعتمادها على الدولار في تعاملاتها.
الموضوع طويل، وهذا ما تيسر توضيحه.
نقلا عن الاقتصادية
مايجري ماهو الا محاوله امريكيه لتأخير افول نجم الدولار لا اكثر ولكن ...لله الامر من قبل ومن بعد سبحانه ...