قراءات في فقه المعاملات المالية (3)

03/04/2022 0
عادل عبدالكريم

استكمالا لما سبق الحديث عنه، سنحاول في هذه السطور تقديم شروحات مبسطة عن دور الفقه الاسلامي بشقه الخاص بالمعاملات في تطوير الاقتصاد والتمويل الاسلامي، وتحديدا سنحاول تقديم سطور مبسطة عن القواعد الفقهية الكبرى.

قد تفاوتت القواعد الفقهية حسب قوة المستندات تفاوتا واضحا، فمنها ما هو دليل شرعي كقاعدة" لا ضرر ولا ضرار"، و"الخراج بالضمان"، ومنها ما دون ذلك.  وكذلك إذا كانت القاعدة مأخوذة من النص الشرعي بمجرد تصرف يسير تتطلبه طبيعة المنهج التقعيدي، فهي دليل أيضا. وذلك مثل قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" فهي واضحة الأخذ من النصوص التي جاءت في تقرير معناها، ومن أبرزها ما جاء في النص الآتي من سنن أبي داود: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك، وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين...". وكذلك إذا كانت القواعد مستفادة من استقراء النصوص الشرعية الكثيرة. ومنها القواعد الكلية المتفق عليها، فهي أيضا من قبيل الأدلة.

يظهر من خلال متابعة مسيرة القواعد عبر القرون أن اهتمام العلماء بها راجع إلى أهميتها القصوى في ضبط المسائل المنبثة المنتشرة، مع تخريج النوازل عليها. ومن هذا المنطلق قام الفقهاء برصدها وتتبعها، ولا يزال المجال فسيحا لتحصيل المزيد منها، وهذا أجدى من السعي وراء تقصي الفروع الفقهية ومحاولة تدوينها من جديد، فقد جاءت شروح الفقهاء كفيلة في هذا الصدد بل مكتظة بها، وهو أمر عزيز المنال .بالإضافة إلى أن الأصل هو تعلم الصناعة وإتقانها في كل فن وعلم.  وليس بخاف أنه قد برزت عناية الفقهاء بهذه القواعد في كتب الخلاف العالي - أي ما كان بين أئمة المذاهب، سواء المذاهب المدونة أو غيرها -، وفي كتب الخلاف النازل أيضاً - وهو ما كان بين علماء المذهب الواحد-. وذلك لأن إحكام الأصول والقواعد الفقهية من الوسائل الرئيسة لكسب الصناعة الفقهية وتنمية ملكة التخريج. ومما يعزز القول بأن هذه القواعد أداة مهمة في مجال التخريج، هو دأب أئمة الاجتهاد على سلوك هذا المسلك مع تدريب تلاميذهم على ذلك.

ومنهم الإمام مالك ـ رحمه الله ـ ففي كثير من المسائل المطروحة أمامه تراه يضبط الجواب بقواعد وضوابط، لكي يتسنى التأصيل والتخريج عليها، ومن أمثلة ذلك أنه سئل عما يؤدي إلى غلاء الأسعار في الدقيق ونحوه، فأجاب بقاعدة جامعة بقوله: "أرى أن كل ما أضر بالناس في أسعارهم يمنع منه الناس".

يتبين من خلال إنعام النظر في تعويل الفقهاء على القواعد وتعليلهم المسائل بها في مختلف الأبواب، أن معظم القواعد الفقهية عبارة عن أصول التخريج، المنبثقة من التعليل والتحليل للنصوص. ومن هذا المنطلق يمكن أن يقال إنها قواعد إثبات لكثير من القضايا، كما أنها قواعد ترجيح في كثير من الحالات، ترتبط بها تطبيقات بغض النظر عن كونها واقعية أو افتراضية. ولذا لا يحتاج في إعمالها إلى شروط المجتهد التي وضعها الأصوليون. ومما لا شك فيه أن هذه المرتبة دون مرتبة المجتهد، الذي يضع أصولا منهجية في ضوء الاستقراء عنده من خلال تتبع الجزئيات وربط بعضها ببعض، أما غيره من المفتين فيقتصر دوره على تنزيل تلك الأصول على الحوادث. على أنه لا بد من تدقيق النظر في مقام الترجيح إلى التفاوت القائم فيما بين الأدلة والأصول في محل النزاع العلمي المبني على اختلاف وجهات النظر، فالعبرة بما هو أقوى وأرجح لدى جمهور الفقهاء. وعلى هذا إذا كانت هناك قاعدة منصوص عليها في التشريع، وبمقابلها قاعدة اجتهادية، فالأصل اعتبار ما هو المنصوص عليه.

وبناء على ما أشير إليه آنفا ينبغي التنبيه إلى أن هذه القواعد على الرغم من أهميتها القصوى في ضبط الأحكام المتشابهة وتقريب المفاهيم العامة للفقه الإسلامي، لا ينبغي أن تدار عليها الفتوى بمجرد النظر إلى ظاهر معناها بغض النظر عن فقه الفقهاء فيها حتى لا تصدر الفتوى المبنية عليها مبتسرة بدون الأخذ في الاعتبار ما تستدعيه ضوابط الفتيا. ومن هذا المنطلق لا يجوز إطلاق القول بجواز أي تعامل معاصر يسود الوسط التجاري بالاستناد إلى القاعدة الفقهية المشهورة: "الأصل في المعاملات الحل"، بدون فحص ما قد يعتري الاستدلال بها ضرب من ضروب المنع، بحيث قد تكون تلك المعاملة التي أفتي فيها بالجواز معاملة صورية بسبب عدم تحقق الضمان مثلا، الذي يسوغ البيع، ففي هذه الصورة لا يصح إهمال قاعدة شرعية تقرر النهي عن ربح ما لم يضمن، أو استبعاد قاعدة أخرى وهي "العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني"، فمن مقتضيات تطبيق قاعدة ما على المسألة المستجدة المسؤول عنها أن يمعن النظر في مخصصات تلك القاعدة وما يقابلها من قواعد معارضة أخرى، حتى تكون الفتوى مبنية على قواعد وأسس مستقيمة.

المراجع:

1- المدخل إلى قواعد الفقه المالي، د. علي أحمد الندوي، معهد الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز.

2- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، زين الدين ابن نجيم، دار الكتاب العلمية.

3- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر – دمشق.

 

 

 

خاص_الفابيتا