ماذا تعني وديعة المملكة لدى البنك المركزي المصري؟

03/04/2022 6
د. فهد الحويماني

ليست المرة الأولى التي تقوم فيها المملكة بتقديم ودائع مصرفية لدى البنوك المركزية في عدد من الدول العربية، بما في ذلك البنك المركزي المصري الآن وسابقا، والهدف من عمليات الدعم المالي هذه يعود إلى المسؤوليات التي وضعتها المملكة على عاتقها لنصرة الدول الشقيقة في أزماتها المالية كامتداد للروابط التاريخية وتقوية لأواصر التعاون بين المملكة والدول العربية.

لماذا يحتاج البنك المركزي المصري إلى هذه الوديعة؟ ما أهميتها؟ وكيف تستفيد منها دولة مصر؟

هذه الوديعة عبارة عن مبلغ خمسة مليارات دولار تم ضخها في البنك المركزي لدعم الأصول الاحتياطية للبنك التي كانت نحو 41 مليار دولار قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وقبل ذلك كانت عند مستويات 30 مليار دولار ما قبل ثورة 2011، ثم انخفضت بشكل حرج إلى ثمانية مليارات دولار في 2013. في ذلك الوقت كان الجنيه المصري مثبتا أمام الدولار كغيره من العملات بما في ذلك العملات الخليجية، إلا أنه تبين وقتها أن ميزان المدفوعات كان في خطر وشيك، وعلى إثر ذلك تم عمل ترتيبات عاجلة مع صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي اللازم لضخ 12 مليار دولار لدى البنك، ومن ثم اتخذ البنك المركزي قراره الحاسم في 2016 لفك الارتباط عن الدولار بشكل كبير.

قبل فك الارتباط عن الدولار كان سعر الصرف بحدود 8.8 جنيه للدولار، وقد كان وقتها في انخفاض من مستويات 6 -7 جنيهات للدولار في العامين السابقين، ومباشرة بعد فك الارتباط قفز سعر صرف الدولار إلى مستويات 18 جنيها للدولار. هذا يعني أنه لأعوام طويلة كان البنك المركزي المصري يتصدى لعمليات تحويل الجنيه إلى الدولار بسبب مقدرته على القيام بذلك باستخدام ما لديه من صافي أصول أجنبية، وهذه عملية مكلفة لا يستطيع كثير من الدول القيام بها.

حصل هناك تحسن في مستويات الأصول الأجنبية السائلة لدى البنك المركزي بعد تعويم الجنيه في 2016 وساعد ذلك على تحسن سعر الصرف إلى ما دون 16 جنيها للدولار، وذلك حتى الأسبوع الماضي عندما عاد إلى مستويات قريبة من 19 جنيها للدولار كنتيجة مباشرة لقرار البنك المركزي في السماح بالوصول إلى هذه المستويات. أما سبب التحسن في مستويات الأصول الأجنبية فهو يعود إلى الدعم الذي تلقته مصر من عدة دول، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، لكن الأهم من ذلك كله أن سعر الصرف شبه الحر أدى إلى نتائج إيجابية لمصلحة الاقتصاد المصري، أولها أن انخفاض سعر الجنيه أسهم في خفض تكلفة الصادرات المصرية والسياحة في مصر، وبالتالي ارتفاع حجم الموجودات الأجنبية، وفي الوقت نفسه أدى انخفاض سعر صرف الجنيه إلى ارتفاع تكلفة الواردات الأجنبية، وبالتالي الحد من تدفق الأصول الأجنبية إلى الخارج.

لدى مصر عجز في الميزان التجاري مستمر منذ عدة أعوام، ما يعني أن وارداتها أعلى من صادراتها، والعجز الآن في حدود 33 مليار دولار بعد أن راوح بين 26 مليار في 2010 و42 مليار دولار في 2015. كما أن مصر تعاني كغيرها في الفترات الأخيرة ارتفاع معدلات التضخم الذي كان نحو 4 في المائة العام الماضي ووصل الآن إلى نحو 9 في المائة، على سبيل المثال بلغت نسبة التضخم في الخضراوات والفواكه على أساس سنوي 35 في المائة بحسب آخر بيانات التضخم لشهر فبراير. وأكبر أزمة تواجه مصر حاليا هي التخفيف من حدة الاعتماد على المنتجات المتأثرة بسبب الحرب، حيث تستورد مصر 80 في المائة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.

فك الارتباط عن الدولار خفف بشكل كبير العبء الملقى على عاتق البنك المركزي إلا أنه لم يزل العبء بشكل كامل، فالبنك لا يزال بحاجة إلى الدفاع عن عملته الوطنية والحفاظ على ما لديه من أصول أجنبية، وهذا سبب قيام البنك هذا الأسبوع بتعديل سعر الصرف كي لا يضطر إلى استنزاف الاحتياطيات الأجنبية في الدفاع عن الجنيه. ونتيجة للوديعة السعودية في البنك المركزي ارتفعت أسعار السندات المصرية بالدولار وانخفض عائدها إلى 9.41 في المائة خلال يوم واحد، وسبب تحسن أوضاع هذه السندات يعود لزيادة الثقة في مقدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها تجاه السندات المقومة بالدولار.

استراتيجية البنك المركزي المصري تبدأ أولا بتخفيف الدفاع عن الجنيه في سوق الصرف، وثانيا برفع معدلات الفائدة على الجنيه المصري من أجل الحصول على العملات الأجنبية، كون الفائدة من هذه الاستراتيجية تأتي في وقف نزيف العملات الأجنبية من جهة، ومن جهة أخرى معدلات الفائدة العالية على الجنيه تجذب المستثمرين الأجانب وما ينتج عن ذلك من دخول للعملات الأجنبية، حيث تم بيع آخر طرح للسندات المصرية بالجنيه المصري لمدة عام بعائد أعلى من 13 في المائة، بينما تقدم البنوك المصرية فوائد على الودائع بالجنيه المصري عند نحو 7.5 في المائة لمدة عام.

بالطبع تستطيع مصر الحصول على النقد الأجنبي بشكل مباشر من خلال طرح سندات مقومة بالدولار، وهذا بالفعل ما يقوم به البنك المركزي بين الحين والآخر، إلا أن تكلفة ذلك عالية، حيث بلغ العائد قبل انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية نحو 3 في المائة لمدة عام، قارن ذلك بالعائد على السندات الأمريكية في ذاك الوقت الذي كان يقف عند فقط 1.2 في المائة.

تقف المملكة إلى جانب الدول العربية في الأزمات المالية، ويأتي التدخل في بعض صوره على هيئة ضخ سيولة لدى البنوك المركزية التي تعتمد بشكل كبير على السيولة الأجنبية لديها للوفاء بالتزاماتها المالية الأجنبية والحفاظ على استقرار عملاتها الوطنية، إلى جانب فائدة أخرى هذه المرة لدولة مصر كون الوديعة تسهم في تعزيز موقف مصر أمام صندوق النقد الدولي للحصول على مزيد من الدعم المالي. كما أن صندوق الاستثمارات العامة هو الآخر اتخذ قرارا بالعمل على ضخ استثمارات متنوعة مباشرة أو عن طريق الصندوق السيادي المصري بمقدار عشرة مليارات دولار.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية