الفنون البصرية بين التوطين والهوية والوطنية

22/03/2022 0
فضل بن سعد البوعينين

استبشر الجميع بصدور موافقة المقام السامي على مقترح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بشأن توجيه الجهات الحكومية لاقتناء الأعمال الفنية والمنتجات الحرفية الوطنية في مقراتها، والتأكيد على جميع الجهات الحكومية اقتصار القطع الفنية في مقراتها على الأعمال الفنية الوطنية. قرار مهم بُني على رؤية عميقة لأهمية التوطين في قطاع الفنون البصرية وترسيخ الثقافة الوطنية، وإبرازها وتعزيز دورها لمد جسور التواصل الإنساني على قاعدة من الفنون الجميلة المؤثّرة في المدخلات الحسيّة والفكرية والإبداعية.

أحسب أن القرار يتجاوز في مضامينه العميقة، الاقتناء، ليصل إلى منظومة الفنون البصرية الشاملة وبما يضمن ارتباطها الوثيق بالثقافة المحلية والهوية الوطنية ولتعكس في الوقت عينه طبيعة المملكة، وعمقها الثقافي والإنساني والديني، والنأي بها عن التشوّهات الفكرية. ومن هنا تبرز أهمية توطين المقيمين الفنيين في الجهات الحكومية المعنية بالفنون البصرية، والقادرين على معرفة ما وراء تلك الأعمال بتفرعاتها، والرسالة التي يراد إيصالها من خلالها، إضافة إلى قدرتهم على تحديد قيمتها العادلة. توظيف المختصين في التقييم الفني والمستشارين الوطنيين يجب ألا يكون صورياً بوجود السعوديين، بل نوعياً بما يحملونه من فكر ومعرفة وكفاءة وقدرة على التقييم الفني وفق رؤية بانورامية تشمل الأبعاد الفنية، السياسية، الثقافية، الاجتماعية، الدينية، والمالية لضمان سلامة الأعمال الفنية المقتناة، وتوافقها مع الرؤية الوطنية والقيم السائدة، وعدالة التقييم.

فهناك أعمال فنية ذات رسائل موجهة وإسقاطات لا تتوافق مع القيم والثقافة المجتمعية أو التشريعات الإسلامية ما يستوجب التعامل معها بذكاء للحؤول دون عرضها أو غرسها في المواقع العامة. وهناك أعمال فنية تهدف لتسويق معتقدات شاذة، أو تحتوي على إسقاطات سياسية، فكرية، وعقدية تتعارض مع القيم المجتمعية. وفي غياب المختصين الوطنين الأكفاء قد يتم اقتناء أو تمويل أعمال فنية تنتقد ضمناً سياسات الدولة الحاضنة، أو تتعمد تشويه ثقافتها.

وإذا كان التوطين مهماً في التقييم الفني، فهو أكثر أهمية في إدارة كل ما له علاقة بمخرجات الثقافة، والمعارض الخارجية والداخلية، وتقديم المحاضرات عن الموروث والثقافة المحلية. فمن غير المقبول أن يتولى غير السعوديين إدارة مشاركات المملكة في المعارض الداخلية والخارجية، أو الإشراف على المعارض الدولية التي تعتبر جسراً للرسائل السياسية والفكرية والعقدية، أو التنظير في الثقافة المحلية والهوية الوطنية دون أن يمتلكون النذر اليسير من معارفها! فأهل مكة أدرى بشعابها، وأكثر حرصاً على أمنها، وثقافتها، ورفعتها في المحافل الدولية.

مخاطر الاعتماد على غير السعوديين في قطاع الثقافة كثيرة، ومنها تشويه الهوية الوطنية، والثقافة المجتمعية، والقيم، وحرمان المختصين الوطنيين من إدارة المناشط الثقافية الوطنية وبما يشكّل ضرراً على مخرجاتها، واستبعاد الفنانين السعوديين من المعارض الوطنية المحلية والدولية، إضافة إلى تضخيم التكاليف المالية، وإجازة الأعمال المستنسخة، والتكسّب من خلال تقاطع المصالح.

هناك مشروعات كبرى تم إطلاقها في مدينة الرياض، جدة، العلا وغيرها لتعزيز الجوانب الثقافية والفنية، وتوجه لتنفيذ 1000 معلم وعمل فني من إبداعات فنانين محليين وعالميين، وتخصيص ميزانيات مليارية لتنفيذها ما يبرز أهمية وجود المختصين الوطنيين في التقييم الفني، والشؤون الهندسية المساندة وإدارة المشروعات الكبرى لضمان مواءمة المخرجات الفنية مع الثقافة المجتمعية والهوية الوطنية، وتقييم المشاركين فيها وتصنيفهم واستبعاد كل من له أجندات مضرة بالمملكة، أو ارتباطات بأعدائها، وضمان تحقيق أهداف الرؤية عموماً، وأهداف المشروعات الفنية وضمان إنجازها في الوقت المحدد، وبتكاليف عادلة وجودة عالية، وضمان مشاركة الفنانين السعوديين فيها. وهناك معارض محلية ودولية تشارك بها المملكة، ومن المهم التأكد من إشراف المختصين السعوديين عليها، لضمان إيصال الرسائل الثقافية والاجتماعية والسياسية الإيجابية، والبعد عن التشويه المتعمّد.

من المهم توطين منظومة الفنون البصرية، والثقافة عموماً، واستثمار الكفاءات الوطنية في إدارة مخرجاتها، وفي عمليات التقييم الفني على وجه الخصوص، وخلق مزيد من المختصين الوطنيين وإعطاؤهم الثقة وفرصة خدمة وطنهم وتوثيق ثقافته وإيصال رسالة المملكة للعالم الخارجي.

 

نقلا عن الجزيرة