يتوقع أن يترافق مع اضمحلال مختلف أشكال التستر التجاري في الأسواق المحلية، وانسحاب المتورطين في نشاطاته المخالفة للأنظمة المعمول بها في المملكة، سواء عن طريق كشفهم وتطبيق العقوبات عليهم، أو عبر هروبهم من مواقع النشاطات المخالفة، وما قد يطرأ على عديد من تلك الأنشطة التجارية والصناعية والخدماتية من فراغ يختلف حجمه ونطاقه حسب كل نشاط، أن يتشكل عديد من التحديات نتيجة ذلك الفراغ المؤقت ـ المؤمل ألا يطول مداه الزمني ـ، المحتمل بدرجة كبيرة أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار عديد من السلع والمنتجات والخدمات، وكلما كان التستر التجاري مستوطنا بدرجة أكبر في نشاط بعينه، جاء الارتفاع المحتمل في أسعار منتجاته وخدماته أكبر من غيره من النشاطات الأخرى الأدنى وجودا للتستر، كما لا يغفل على مستوى التغير في الأسعار، التأثير الناتج من حجم الطلب المحلي على تلك السلع والمنتجات والخدمات، الذي كلما كان مرتفعا أدى إلى ارتفاع الأسعار حتى إن كان التستر التجاري هامشيا في ذلك النشاط أو غيره.
تلك التحديات أعلاه في صورتها المجملة والمختصرة، والمتوقع حدوثها في الأصل قبل وأثناء المواجهة الفعلية مع التستر التجاري، التي على الرغم من انعكاساتها المؤلمة بعض الشيء على المستهلكين، إلا أنها تظل أدنى من الانعكاسات الأكبر خطرا لاستمرار التستر التجاري واتساع نطاقه، وتظل أيضا محدودة بمدى زمني يتوقع ألا يتجاوز أثره عاما إلى عام ونصف العام على أبعد تقدير، كما سيكون بالإمكان التعامل معه بعديد من الخيارات اللازمة لوأد وكبح جماحه في أقصر فترة ممكنة، لعل من أهمها تشديد الرقابة على الأسواق المحلية، والعمل الدؤوب والمستمر من قبل الأجهزة الرقابية على معاقبة أي أطراف تحاول استغلال هذه الفترة الانتقالية برفعها للأسعار، وتعد هذه الجهود المطلوبة من أهم الإجراءات اللازم العمل بها مع بداية التطبيق الفعلي للبرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، وأن تأتي العقوبات في هذا السياق أكثر حزما وقوة، لردع كل من قد تسول له أطماعه ضيقة الأفق باستغلال الفترة الراهنة للفراغ الناتج عن جهود القضاء على التستر التجاري، والتأكيد على أن دور منشآت القطاع الخاص خلال الفترة الراهنة لا بد أن يأتي داعما لجهود الدولة في الخلاص من هذا الداء ممثلا في التستر، وأنها هي المستفيد الأكبر في الأجلين المتوسط والطويل من زيادة حصصهم في الأسواق المحلية بعد خروج المنشآت المخالفة، وهذا بالتأكيد يتطلب مساهمة أكبر من الغرف التجارية والصناعية في مختلف مناطق المملكة، والتركيز بدرجة أكبر على زيادة توعية جميع المنشآت الخاضعة لها عبر مختلف الوسائل.
وكما قيل سابقا، من رحم الأزمات تولد الفرص الواعدة، ورغم ما نحن بمواجهته الذي يعد في حقيقته الأكبر جهودا عملاقة للخروج من أحد أكبر التشوهات التي طالما عانها الاقتصاد الوطني "التستر التجاري"، فإن تلك الجهود التي تتزامن مع عديد من التحديات السالف ذكرها أعلاه، سينتج عنها توليد للفرص الاستثمارية الواعدة جدا التي يقدر حجمها بأكثر من 600 مليار ريال، وستصبح متاحة أمام منشآت القطاع الخاص غير المخالفة للتوسع والنمو في اتجاهها، إضافة إلى انفتاحها أمام الاستثمارات الجديدة لاقتناصها والاستفادة منها، وكلا الأمرين من شأنه بكل تأكيد أن يثمر عن توافر عشرات الآلاف من فرص العمل المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة، التي سيسهم توافرها وتوطينها في خفض معدل البطالة بين المواطنين والمواطنات، وإلى تحسين مستويات الدخل بالنسبة إليهم، والتأكيد على أن الدائرة الأوسع للعوائد الاقتصادية ستأتي أكبر على الجميع، التي من أهمها وأبرزها انحسار حجم التسرب المالي لخارج الاقتصاد الوطني، وزيادة قدرة الاقتصاد على إعادة تدوير فوائضه المالية المتحققة داخله، وهو الأمر الذي ستظهر نتائجه الإيجابية المهمة في منظور الأعوام القليلة المقبلة، بمشيئة الله تعالى.
يجب التأكيد على أن الإصلاحات العميقة والواسعة ومنها الجهود المباركة في اتجاه مكافحة التستر التجاري، وما سينتج عنها من نتائج إيجابية مستهدفة، حينما يتم القيام بتنفيذها على أرض الواقع، فإنها في الأغلب لا تأتي بالصورة الوردية كما قد يتخيل البعض، بل لا بد أن تقترن بكثير من الآثار العكسية في بدايتها، وأن يشعر الأغلبية بقدر من آلامها، والتأكيد على أنها الجزء المؤلم بعض الشيء من العملية المتكاملة للتحول والإصلاح والتطوير، وسرعان ما تتلاشى تدريجيا مع مرور الوقت، ويصل الجميع إلى بيئة أفضل بكثير مما كانت عليه أثناء وجود تلك التشوهات والمخالفات، كالتستر التجاري وخلافه، شأن الاقتصاد في هذا شأن الجسم البشري الذي بدأ بممارسة الرياضة، سيعاني في بداية ممارسته للتمارين الرياضية عديدا من الآلام، وتدريجيا مع تحسن لياقته الرياضية سيجد الممارس لها أنه قد اكتسب جسدا رياضيا رائعا على المستويات كافة، وكذلك الاقتصاد الوطني، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، سيصل في مراحل زمنية لاحقة إلى مستويات عالية الإنتاجية والعوائد، وسيقف على أرض أكثر صلابة مما سبق، وسيجد أن ما كان مغلقا أمامه من فرص وتطلعات، قد أصبح متاحا أمامه تحت سقف من الأنظمة والتشريعات عالية الشفافية، وأنها في الأصل لم توجد إلا لحمايته وتوفير البيئة التنافسية العادلة، التي سيسهم وجودها في تحقق مزيد من العوائد له ولجميع العاملين فيه.
ختاما، سيخوض الاقتصاد الوطني وقطاعه الخاص طريقا جديدا لن يطول أمده الزمني، وسيتجاوز تحدياته الناشئة مرحليا، ليصل إلى اقتناص فرصه الاستثمارية المجدية والدائمة والمتنامية في منظور الأجلين المتوسط والطويل، ورغم مشاقه "المؤقتة" في بداية ذلك الطريق، إلا أنه سيكون الرابح الأكبر في نهايته، بمشيئة الله تعالى، وفي هذا فليتنافس المتنافسون الطموحون لا المتخاذلون المتسترون الكسالى.
نقلا عن الاقتصادية