التحسين المستمر لبرامج التوطين

02/02/2022 1
عبد الحميد العمري

أنجزت التحسينات المهمة التي أجرتها وزارة الموارد البشرية على برامج التوطين السابقة، إضافة إلى البرامج المستحدثة والمختصة، في تحقق معدلات توطين أفضل مما تم تسجيله خلال الأعوام القليلة السابقة، ليتجاوز أعداد العمالة المواطنة في القطاع الخاص سقف 1.9 مليون عامل وعاملة لأول مرة في تاريخ سوق العمل في القطاع الخاص، أي إنه سجل معدل نمو سنوي في أعدادهم خلال العام الماضي بأعلى من 10 في المائة، كأعلى معدل نمو سنوي للعمالة المواطنية في القطاع الخاص منذ 2015، ويقدر وفقا لتلك التطورات الإيجابية التي تحقق أغلبها خلال النصف الثاني من العام الماضي، أن يتجاوز معدل التوطين سقف 24 في المائة، كنتيجة مبدئية لتلك التحسينات المهمة، ويؤمل أن تسهم مع اكتمالها والعمل بها في منظور الأعوام القليلة المقبلة في تحقق مزيد على مستوى توطين الوظائف في القطاع الخاص، وأن تسهم بصورة مستمرة في خفض معدل البطالة إلى ما دون 7.0 في المائة بحلول 2030، إضافة إلى رفع مساهمة القوة العاملة النسائية إلى 30 في المائة، وهو الهدف الذي تم تحقيقه قبل أكثر من عامين وقبل موعده المخطط له.

كان من أهم التحسينات التي تمت على البرامج السابقة -على سبيل المثال لا الحصر- برنامج نطاقات المطور الذي يقدم عديدا من المزايا الرئيسة، التي تنطلق من خطة توطين أكثر وضوحا لفترة الثلاثة أعوام المقبلة، ويستهدف البرنامج زيادة الاستقرار التنظيمي لمنشآت القطاع الخاص، وتعزيز العلاقة الطردية بين عدد العاملين ونسب التوطين المطلوبة لكل منشأة، من خلال معادلة ترتبط بشكل متناسب مع عدد العاملين لدى المنشأة، وتبسيط تصميم البرنامج وتحسن تجربة العميل، بالاعتماد على دمج تصنيفات الأنشطة بناء على معايير محددة، تحددت في 32 نشاطا مقارنة بعددها السابق الذي كان 85 نشاطا، ووفقا لتقديرات وزارة الموارد البشرية، يتوقع أن يسهم هذا البرنامج بمنهجيته الراهنة في توفير أكثر من 340 ألف وظيفة خلال الثلاثة أعوام المقبلة.

أما على مستوى برامج التوطين المستحدثة والمختصة، فإن من أهم تلك المبادرات التي تم إقرارها وبدء العمل بتنفيذها على أرض الواقع، ما تم بخصوص توطين قطاعات كل من خدمات الصحة، الذي يستهدف توطين نحو 40 ألف كادر في القطاع الصحي، والاتصالات وتقنية المعلومات ويهدف لتوطين 15.6 ألف وظيفة، إضافة إلى قطاع الإيواء السياحي ويهدف إلى توطين نحو 8.0 آلاف وظيفة، في عدة مهن وإدارات مختلفة في القطاع بمستويات مختلفة تبدأ من أول وظيفة حتى نائب مدير الفندق، ومجال المحاماة والاستشارات القانونية، الذي يستهدف توطين 6.0 آلاف ممارس، إضافة إلى قطاعات كل من التعليم، والتأمين والخدمات البنكية، والترفيه، والسياحة، والمتوقع توفيرها لعشرات الآلاف من الوظائف المجدية والملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة ذات التأهيل الجيد، كما لا بد من الإشارة إلى الجهود المستمرة على طريق توطين مهن طب الأسنان، ويتوقع أن تسهم بتوفير نحو ثلاثة آلاف ممارس، إضافة إلى توطين مهنة الصيدلة، التي يتوقع أن توفر كعدد وظائف في هذه المهنة نحو أربعة آلاف ممارس.

مستقبلا سيتم إقرار برامج توطين أخرى عديدة، لعل من أهمها ما يمكن وصفه بتأسيس منظومة متكاملة من الأجهزة الحكومية، يتولى من خلالها كل جهاز حكومي بصورة مباشرة المهام والمسؤوليات المرتبطة بالتوطين القطاعات الاقتصادية التي تقع تحت إشرافه، إضافة إلى مهامها الإشرافية السابقة على تلك القطاعات حسب كل جهة حكومية، وتتولى وزارة الموارد البشرية بدورها مهام الإشراف والمتابعة والتنسيق مع تلك الأجهزة أو الجهات الحكومية، وهي الآلية التي يمكن وصفها أيضا بأنها تتضمن تفويض مهام توطين القطاعات الاقتصادية المختلفة للجهات الحكومية الإشرافية عليها، وإتمام تلك البرامج بالتنسيق المستمر بين الوزارة وبقية تلك الجهات الحكومية.

هذا سيمنح بدوره مزيدا من الفعالية لبرامج التوطين، ويسهم في زيادة تركيز الجهود عبر توزيع مهام ومسؤوليات تنفيذها ومراقبة درجة تقدمها بصورة مباشرة، وفي الوقت ذاته يتسع المجال بصورة أكبر لوزارة الموارد البشرية على مستوى تنفيذ ومتابعة بقية برامج التوطين الأخرى، سواء الراهنة أو تلك التي سيتم إقرارها مستقبلا وفقا لما تقتضيه احتياجات سوق العمل المحلية، ووفقا للموارد والفرص والخيارات المتوافرة لدى منشآت القطاع الخاص، إضافة إلى ما ستظهره مؤشرات قياس أداء برامج التوطين في منظورها العام والأشمل، وبناء على نتائجها ستقوم الوزارة بإقرار ما يوائم تطورات السوق، ويلبي في الوقت ذاته احتياجات الباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات، وقياسا على ما يتوافر لديها من شهادات علمية وخبرات ومهارات عملية.

حينما تمتاز أي سياسات أو برامج بالحيوية اللازمة والمرونة الكافية، التي تأخذ بعين الاعتبار ما يستجد من تطورات وتحديات على أرض الواقع، فإن هذا من أهم السمات اللازمة لإبقائها فاعلة وذات جدوى أكبر، وقادرة على صناعة الفارق الكبير بين الواقع الراهن من جانب، والواقع المنشود والمستهدف من جانب آخر، ومع كل تقدم متحقق فعلي على طريق تلك السياسات والبرامج، لا بد أن يتم تحديثها وتطويرها بالصورة التي توائم الواقع الجديد، وبالمنطق نفسه أيضا بحال جاءت النتائج المتحققة أدنى مما كان مأمولا أو مستهدفا، فلا بد حينئذ من مراجعة ودراسة أوجه الخلل التي أدت إلى ضعف تلك النتائج، والعمل من ثم على معالجتها وإصلاحها، وبذل الجهد اللازم لتحسين تلك السياسات أو البرامج، وزيادة كفاءتها وجدواها بالدرجة اللازمة التي تؤهلها لتحقيق المستهدفات المحددة، وبما يوازي الاحتياجات المجتمعية ويرتقي إليها بالشكل اللازم والملموس.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية