الأداء الوظيفي .. تقييم لا تحطيم

31/01/2022 0
عبد الحميد العمري

لا يوجد أقسى على الموظف الكفء من أن يصطدم نهاية العام بتقييم متدن لأدائه الوظيفي، وتأتي نظرة رئيسه المباشر على عكس ما بذله من جهود كبيرة طوال عام مضى، ويتضاعف ألمه الداخلي بحال حصل بعض زملائه الأدنى منه إنتاجية على تقييم أفضل منه، وليجد نفسه في مؤخرة الركب، ما يسهم في محصلته النهائية بتزاحم مشاعر الإحباط وعدم الرضا الوظيفي، وقد يدفعه الإحساس بتلك المشاعر غير المرضية إلى الاندفاع نحو عديد من ردود الفعل العكسية، كالاصطدام مع رئيسه المباشر، أو رفع اعتراضه إلى المسؤول الأعلى منه، وغيرها من ردود الفعل الأقرب إلى الغضب والانفعال أكثر منها إلى الهدوء والعقلانية، التي قد تتسبب في مجملها إلى خضوعه للمحاسبة وتحميله في نهاية المطاف ما لا يحتمله من قرارات تأديبية كان بالإمكان تجنبها، لو تمتع هذا الموظف بكثير من التأني والصبر، وقد تصل الأمور لما هو أسوأ من ذلك بوصولها إلى احتمال إنهاء التعاقد الوظيفي معه، وخسارته من ثم وظيفته ومصدر دخله لأسباب كان بالإمكان تجنبها.

يكتظ عديد من بيئات العمل، على اختلاف مشاربها ومستوياتها، بكثير من الممارسات المخالفة، وفي الوقت ذاته توجد بيئات عمل تتمتع بكثير من الممارسات القيادية والإدارية النزيهة والموضوعية والمنصفة، وقد يكون عددها أكبر مقارنة بتلك التي تعاني ارتفاع منسوب الممارسات المخالفة. ورغم كل ذلك، فإنه لا بد من إخضاع مثل تلك البيئات العملية، التي يعاني منسوبوها مثل تلك الممارسات المخالفة، لأدوات الإصلاح والتطوير والمعالجة اللازمة، والعمل على عدم اتساعها وانتقال عدواها إلى بقية الإدارات والأقسام في المنشأة ذاتها.

ينطلق أهم جزء لمحاصرة مثل هذه الممارسات المخالفة وغيرها من المؤثرات العكسية؛ ما قد يؤثر سلبا في كل من استقرار بيئة العمل المحلية للمنشأة، وإنتاجية العاملين فيها، أؤكد أنه ينطلق من الإدارة العليا في أي منشأة أو كيان، فتقوم الإدارة العليا بتأسيس إدارة ترتبط بها مباشرة، وتتولى مهام ومسؤوليات مراقبة ومتابعة عمليات تقييم الأداء الوظيفي وغيرها من المهام المماثلة، والتأكد من الالتزام التام من قبل كل الإدارات والأقسام بالمعايير المحددة وفق النظام للأداء الوظيفي، ومقارنة ما يصدر عن المديرين ورؤساء الإدارات والأقسام من تقييمات للعاملين تحت إدارتهم، مع بقية المؤشرات ذات العلاقة بالعاملين الممكن الاسترشاد بها، وتحليل مدى التقارب أو الاختلاف فيما بين تلك المؤشرات. كما سيكون من الأهمية بمكان أن تتولى تلك الإدارة تلقي اعتراضات أي موظف أو موظفة على تقييم أدائه الوظيفي، وتسلم تبريرات اعتراضه وعدم قبوله بذلك التقييم، وتحليل مدى موثوقيتها وسلامتها، وفقا لما تراه تلك الإدارة، ومن ثم تصدر تلك الإدارة المختصة قراراتها النهائية وفق ما توافر لديها من بيانات وقرائن وأدلة فيما يتعلق بتقييم الأداء الوظيفي للموظف أو الموظفة.

إن وجود مثل هذه الإدارة بحد ذاته، كفيل أن يحد بنسبة كبيرة أي ممارسات مخالفة محتملة، سيمثل وجودها وارتباطها المباشر بالإدارة العليا في المنشأة أو الكيان، تأكيدا على الاهتمام الكبير بإرساء عديد من المرتكزات المهمة لأي منشأة، بداية من ترسيخ ثقافة العمل المنتج، وترسيخ حماية حقوق جميع الأطراف في كل إدارات وأقسام المنشأة، والحرص التام على خلو بيئة العمل في تلك المنشأة من أي مؤثرات سلبية أو ممارسات مخالفة. فالمدير أو الرئيس المسؤول يعلم أن قراراته وتقييماته خاضعة لرقابة مباشرة، وسيحرص تماما على تقييم من يخضعون لإدارته بصورة أكثر موضوعية، ودون تدخل كبير لعلاقاته ورغباته الشخصية في مكونات تقييمه لأداء الموظفين أو العاملين تحت إدارته، وكذلك الموظف سيدرك أن إنتاجيته وكفاءة أدائه هي المعيار الأول للتقييم، وأن فرص استثماره لعلاقاته أو ما قد يلجأ إليه من ممارسات وظيفية تستهدف حصوله على أكثر مما يستحق، أنها ستكون ضيقة جدا ولا مجال لإثبات كفاءته واستحقاقه إلا العمل فقط. وكذلك الأمر بالنسبة للموظف أو الموظفة الكفء، سيمثل وجود هذه الإدارة بالنسبة لأي منهما محفزا ومصدر ثقة ورضى وظيفيا، فيزداد تركيزهما على رفع كفاءة العمل الذي يتولاه أي منهما، والعمل المستمر على تحسين الإنتاجية وتنفيذ الأعمال والمهام الموكلة لأي منهما.

كما لا بد من التأكيد على ما يجب على الموظف أو الموظفة الذي قد يتعرض أي منهما لمثل تلك الممارسات المخالفة، أو اصطدامه بنتائج تقييم أدائه الوظيفي وجد أنها لم تنصفه حسبما يراه، وسواء وجدت مثل الإدارة المقترح تأسيسها من قبل الإدارة العليا في المنشأة أو لم توجد، أو أثناء العمل على تحقيق تلك الإصلاحات المنشودة في أي بيئة عمل تعاني أي ممارسات مخالفة، فلا بد من التأكيد على الموظفين والموظفات الذين قد يتأذون بأي قدر كان من تلك الممارسات، أن تخضع أي ردود لأفعالهم أو أقوالهم تجاه أي منها للصبر والحلم، والاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الهدوء، وتجنب الانفعالات الآنية غير المتعقلة، والالتزام بتلك الاخلاقيات العملية المهمة مهما كلف الموظف أو الموظفة ذلك نفسيا وبدنيا، وأن يتذكر أي منهما بشكل دائم أن أي ردود فعل منهم خارج تلك الحدود العقلانية والمنضبطة نفسيا، أنها قد تنعكس عليهما بخسائر أكبر قد تصل إلى فقدانهما الوظيفة ومصدر الدخل، وهو الأمر الذي لا يتمنى بالتأكيد أي طرف من الأطراف الوصول إليه، وأن يقوم - بحال عدم وجود الإدارة المشار إليها أعلاه - بإيصال اعتراضه إلى المسؤول الأعلى منه بأكبر قدر ممكن من الأدب والهدوء، وتجنب التواصل مع المسؤول الأعلى من مديره أو رئيسه المباشر، لما يحمله ذلك التصرف مهما كانت تبريراته من انعكاسات سلبية عليه أكثر منها لو كانت إيجابية، والأهم من كل ذلك، ألا يجعل مثل هذه الممارسات تؤثر سلبا في كفاءته وإنتاجيته رغم صعوبة هذا عمليا، إلا أنه يظل من أهم الاعتبارات التي ستسهم في حصوله على ما يستحقه فعلا خلال الفترة الراهنة أو مستقبلا.

 

نقلا عن الاقتصادية