الزيارة الأخيرة التي قام بها فخامة مون جيه إن، رئيس كوريا الجنوبية للسعودية، واكبت مرور ستين عاماً على العلاقات السعودية الكورية التي بدأت انطلاقتها في عام 1962 من القرن الماضي لتنمو وتزدهر وتزداد تماسكاً وصلابة عاماً عن عام آخر بقيادة الحكومتين وتلاحم شعبيهما.
لعله من اللافت للانتباه أن حكومتي البلدين تجمعهما قواسم حضارية مشتركة عديدة، حيث إن كلاهما أعضاء بأعظم وأضخم مجموعة اقتصادية على مستوى العالم، وهي مجموعة دول العشرين، مما أتاح لهما فرصة التعاون في العديد من المجالات الاقتصادية المرتبطة بتقدم دولتيهما حضارياً واجتماعياً.
وقد عزز من التعاون وهذا الارتباط الاقتصادي الوثيق، تشكيل الدولتين للجنة تنسيق مشتركة فيما بينهما على مستوى التعاون الحكومي قبل أكثر من 40 عاماً تقريباً، والتي تُعقد اجتماعاتها كل سنتين بالتناوب بين الرياض وسيئول، وتَهدف إلى تعزيز العلاقات والمصالح المشتركة بين البلدين.
وعزز من الشراكة والعلاقة الاقتصادية بين البلدين، إطلاقهما للرؤية السعودية الكورية 2030 في عام 2017، وتشكيل لجنة لمراجعة التقدم في هذه الشراكة، واعتماد مشروعات الرؤية وخططها التنفيذية، وتذليل الصعوبات في تنفيذها، وفي هذا الخصوص تُعد جمهورية كوريا واحدة من ثماني دول تتعاون مع المملكة لتحقيق رؤية 2030.
وتُوجت العلاقات الاقتصادية السعودية الكورية خلال زيارة الرئيس الكوري للمملكة بتوقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين سيئول والرياض، لتعزز من الشراكات الاقتصادية بين البلدين في مجالات عدة، منها: الملكية الفكرية، وصناعة الأمونيا، وإدخال تكنولوجيا تحويل النفط الخام إلى منتجات كيميائية بالتكسر الحراري وغيرها، كما وسلطت الاتفاقيات التركيز على مجالات تعاون ترتبط في مجال الهيدروجين والجمع بين التكنولوجيا الرقمية المتطورة لكوريا الجنوبية والمشروعات الضخمة في السعودية مثل مشروع نيوم، والاستجابة المشتركة لفيروس كورونا وتأمين محرك نمو جديد من خلال التعاون في الرعاية الصحية والتكنولوجيا الرقمية.
كما وأعلنت شركة "أرامكو السعودية" عن توقيع 9 مذكرات تفاهم، واتفاقية إضافية واحدة مع كيانات كورية رائدة، بهدف تعزيز إستراتيجيتها في قطاع التكرير والكيميائيات، ودعم تطوير حلول طاقة الهيدروجين، فضلًا عن إيجاد خيارات تمويلية جديدة للشركة.
ومن بين أهم الاتفاقيات في مجال التمويل المرتبط بالاستيراد والتصدير بين البلدين، التوقيع خلال الزيارة على اتفاقية مع بنك التصدير والاستيراد الكوري (KEXIM) لبحث حلول تمويل إستراتيجية لدعم أنشطة الشركة التجارية والاستثمارية التي تشارك فيها الشركات الكورية.
وقد كان لهدف تحقيق المملكة الوصول إلى الحياد الصفري في عام 2060، حضوراً قوياً بين مجالات التعاون بين البلدين، وبالذات وأن شركة سامسونغ سي تي لديها الخبرة الطويلة في مجال حلول الطاقة الصديقة للبيئة من خلال تطوير أعمالها في مجال الهيدروجين الأخضر، مستفيدة من خبراتها في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط التي تعد سوقاً رئيساً لأعمالها الهيدروجين الأخضر. وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود صندوق الاستثمارات العامة لتطوير القطاعات الجديدة والواعدة في المملكة ومن ضمنها قطاع الطاقة، بما يتماشى مع إستراتيجية الصندوق 2021 - 2025، حيث سيسهم المشروع في تنويع اقتصاد المملكة للمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية 2030، كما أنها تأتي بالتزامن مع نجاح الصندوق في إطلاقه لقطاعات جديدة ومستدامة في المملكة، منها قطاعات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات.
ويتوقع في ظل العلاقات الاقتصادية الطويلة التي تربط بين البلدين وكذلك الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الزيارة، أن تشهد العلاقات بين السعودية وكوريا المزيد من التطور والازدهار، سيما وأن المملكة تعد من أوائل الشركاء التجاريين لجمهورية كوريا في منطقة الشرق الأوسط، فبناءً على البيانات الأولية الصادرة من الهيئة العامة للإحصاء حتى شهر أكتوبر من العام 2021، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة وكوريا أكثر من 242 مليار ريال سعودي (64 مليار دولار أميركي) خلال الثلاث سنوات الماضية.
إن ازدهار العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين سيعود بالنفع عليهما وعلى شعبيهما بالخير الوفير، سيما وأن المملكة تعيش نهضة تنموية غير مسبوقة في ظل رؤية المملكة 2030، التي من الممكن جداً أن تدعمها كوريا كبلد صناعي عملاق في عدة مجالات حيوية يُمكن للمملكة الاستفادة منها، حيث على سبيل المثال لا الحصر، تُعد كوريا الجنوبية أكبر مصنع للسفن على مستوى العالم ومن بين أكبر المصنعين للسيارات والطاقة المتجددة بأنواعها، مما سيعزز من زيادة التعاملات المرتبطة بالنهضة التنموية التي تعيشها المملكة، والذي بدوره سيعزز من مسيرة العلاقات التاريخية بين البلدين القائمة على أسس الاحترام المتبادل والتفاهم المشترك فيما بينهما.
نقلا عن الرياض
