تحدي الديون والسيولة

04/01/2022 3
فواز حمد الفواز

خلال الأسبوع الماضي تحدثنا عن المخاطر الجيوسياسية التي تواجه العالم من منظور أمريكي، بسبب مركزية أمريكا في المنظومة العالمية. رغم الحديث المتزايد عن حرب أهلية أمريكية نتيجة الاستقطاب، إلا أن الأغلبية تراهن على مرونة النظام الأمريكي وقدرته على تجديد نفسه. لكن أحد أدوار أمريكا يأتي في المركزية المالية والنقدية ودور الدولار والسيولة. الدولار هو العملة الرئيسة للأرصدة العالمية وسوق السندات الأمريكية ومقياس تسعير الأوراق المالية. في هذا المقال أركز أكثر على أحد أبعاد دور المال خاصة الأمريكي. أسواق المال، خاصة الأصول الأعلى مخاطر، مثل الأسهم تواجه هزات موجعة عموما وإعادة ترتيب في التسعير والتقييم تخفيها المؤشرات. لذلك تجد أسهما كثيرة تنزل بنسب أكثر من المؤشرات، ما يضر كثيرا من المستثمرين. حقق المستثمرون أرباحا طيبة في آخر عامين، بسبب استعداد البنوك المركزية لضخ سيولة، ممثلة في برامج التيسير الكمي في جميع البنوك المركزية المهمة، خاصة أمريكا. في الاستثمار لا بد من توافر النقود ومعرفة طريقة توظيفها بدرجات حساسية مختلفة، لأن أنماط العلاقة بين العائد والمخاطرة تتغير، وكذلك العلاقات بين تسعير الأوراق المالية. حساسية توجد المخاطر النسبية والتسعير والفرص.

ويقول مايكل هوول كاتب حروب الأموال: ظاهرة السيولة العالمية، إن حجم السيولة الكونية، حجم النقود والمبالغ المقترضة في الأسواق المالية يصل نحو 172 تريليون دولار. هذا الرقم يشمل المصارف المركزية والتجارية والأموال وجميع أنواع الاقتراض. مصدر السيولة الأساسي أمريكا والصين، لكن أمريكا أهم بكثير، خاصة وقت الأزمات. سجلت البنوك المركزية نمو 60 في المائة لتصل مراكز البنوك المركزية إلى 30 تريليون دولار منذ بداية 2020. رغم النمو في حجم السيولة، إلا أن حجم الديون وصل إلى 300 تريليون دولار مقارنة بنحو ثلاثة أضعاف GDP. طبقا للكاتب بأن الدين لا بد أن يسدد أو يعاد تجديده، خاصة أن الحجم كبير ما جعل هناك توافقا في توقيت الحاجة إلى مزيد من السيولة في كل دور موجة تسديد أو إعادة تمويل. إذا قدرنا أن متوسط القروض والسندات خمسة أعوام، فهذا يعني أن هناك 60 تريليونا تتطلب إعادة تمويل غالبا. لذلك ندخل في دوامة حاجة إلى ضخ لسيولة، كي يستمر تمويل القروض. يبدو أن صناع السياسة المالية دخلوا في هذه الدوامة ما يجعل هناك ضغطا للحفاظ على نسب فائدة منخفضة لتسهيل التسديد. وهذا بدوره يجذب المقترضين، لكن التهديد بتقليل ضخ السيولة أو رفع الفائدة يزيد من التذبذب كما يحدث الآن. بدأت المصارف المركزية بأخذ خطوات لتقليص السيولة، ومنها "الفيدرالي الأمريكي" قبل أسبوعين لبرنامجه الذي يبدأ 2022. التجربة الأمريكية كانت واضحة ومتوقعة في 2008 و2010 و2019 و2020. لعل السؤال إما أن تجد البنوك المركزية ومعها السلطات السياسية طريقا سهلا لكسر الدوامة المالية في السيولة والإقراض، أو تستمر السيولة في الوصول إلى الأصول الأعلى مخاطرة مثل الأسهم، أو المضاربية مثل العملات الرقمية. ما يرفع المخاطر على كثير أن نصف الأموال المستثمرة في سوق الأسهم تتبع المؤشرات، وبالتالي جميع السوق وأغلب الناس معرضون للمخاطر. كما أن ارتفاع الدين يزيد من التذبذب والمخاطر لأدنى الأسباب والأحداث.

العلاقة بين موضوع هذا المقال والمقال السابق تتجلى في مخاطر الديون وقدرة المنظومة للتعامل معها، بما في ذلك المخاطر على مركزية الدولار وتداخل الأزمات المالية مع الاقتصادية، ما قد يعرض السلم والمصداقية لهزات عنيفة قد تؤثر في التوازنات الجيوسياسية. منافسة الدولار قائمة، لكن لا أحد يعرف مدى تزامن تراجع أمريكا وقدرات الصين. في الأخير توقع التحولات الكونية يصعب على الجميع وليس المقال تنبؤا بما سيحدث، لكن مجرد رصد وقراءة لبعض العوامل والمفاصل التي تشكل الخريطة المالية والنقدية. العالم مليء بالإثارة والمخاطر والتحدي وهذه قد تصنع بعض الفرص.

 

نقلا عن الاقتصادية