يشمل القطاع الزراعي التجارة الزراعية بتنوعاتها المختلفة، فإلى جانب المنتجات النباتية هناك الإنتاج الحيواني والطيور والنحل والأسماك، وهناك تفرعات مكملة ومساعدة، مثل: تجارة البذور والأسمدة والمبيدات والمعدات الزراعية والمنشآت الزراعية كالبيوت المحمية، وغيرها. هذه جميعا يطلق عليها التجارة الزراعية، وهي مجال كبير ومعروف منذ القدم، وغالبا تستدعي التجارة الزراعية انتباه المستثمرين عندما تتشبع الأسواق المالية التقليدية، مثل أسواق الأسهم والسندات، أو عندما تكون هناك توقعات بتضخم الأسعار في الاقتصاد، أو عندما يكون هناك تخوف من المستقبل لأي سبب كان، عندها تكون العودة إلى الطبيعة والاعتماد على الأصول الحقيقية المنتجة جذابة ومجدية اقتصاديا.
ما دلائل توجه المستثمرين نحو القطاع الزراعي في العالم وكذلك في المملكة؟
على المستوى العالمي، أثارت تقارير إعلامية منتصف هذا العام بشأن الملياردير الشهير بيل جيتس، وهو رجل أمضى حياته العملية في البرمجيات والكمبيوترات، ويمتلك أراضي زراعية تبلغ مساحاتها أكثر من مليار متر مربع، ما يعادل تقريبا 1000 مزرعة بمساحة مليون متر مربع لكل مزرعة، وبذلك فهو يعد أكبر مالك للأراضي الزراعية، على الأقل في الولايات المتحدة، تنوعت التفسيرات عن مسببات هذه الشهية العالية لدى الملياردير من مجرد كونها وسيلة لتنويع استثماراته، إلى كونها تأتي من منطلقات اهتمامه بالبيئة والمناخ ورغبته في مكافحة التصحر، إلى تفسيرات أخرى ترى أن لديه خططا كبرى لتوظيف التقنية في القطاع الزراعي لرفع الإنتاجية وتحسينها بالاعتماد على التقنية الحديثة من تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي وغيرها.
أما على المستوى المحلي، فهناك مشاهدات عامة حول تحرك نشاط صفقات البيع والشراء في المناطق الزراعية التي نستشفها كذلك من بيانات الهيئة العامة للإحصاء ووزارة العدل، حيث نجد أن عدد الصفقات الخاصة بالأراضي الزراعية في الربع الأول من 2019 على مستوى المملكة كان 1754 صفقة، ومن ثم أخذت في التناقص الطفيف من ربع لآخر، حتى وصلت إلى 1344 صفقة بنهاية الربع الثاني من 2020، وبعد ذلك بدأ عدد الصفقات بالتزايد السريع إلى 2497 صفقة في الربع الثالث من 2020، ومن ثم إلى 4555 في الربع الأول من هذا العام. ويتزامن مع ارتفاع عدد الصفقات هذا ارتفاع في قيم الصفقات خلال الفترة نفسها، من أقل من مليار ريال في الربع الأول 2019 إلى أن وصلت إلى أعلى قيمة لها في الربع الأول من 2021 بقيمة 6.25 مليار ريال، ثم أخذت في النزول بقية 2021.
هناك كذلك تطورات لدى بعض الجهات الحكومية ذات العلاقة بالمجال الزراعي التي ربما أحدثت أو أنها ستحدث تأثيرات إيجابية وترفع من جاذبية القطاع الزراعي، ومنها ما أعلنه صندوق التنمية الزراعية بداية هذا العام عن تقديم منتج تمويلي جديد لما يعرف بالزراعة التعاقدية، وكذلك لدى وزارة البيئة والمياه والزراعة برنامج مشابه له للزراعة التعاقدية في مجال زراعة القمح. هذه البرامج وغيرها من تطورات على صعيد التسويق الزراعي ربما ترفع جاذبية الاستثمار في المجال الزراعي. ويقصد بالزراعة التعاقدية قيام المزارعين بإبرام اتفاقيات مع المصدرين ومصانع إنتاج الأغذية وكبار تجار الجملة، حيث يتم تسليم المنتجات لتلك الأطراف بنهاية الموسم أو أثنائه، وذلك بعد الاتفاق على كميات محددة وأسعار ومواصفات معينة، مع التزام كامل من جميع الأطراف بمقتضيات تلك الاتفاقيات.
من جهة أخرى، هناك تزايد ملحوظ في أسعار المنتجات الغذائية، حيث تقوم منظمة الأغذية والزراعة "فاو" برصد أسعار المنتجات الغذائية منذ عدة أعوام، ويشير آخر بيانات لها إلى أن مؤشر أسعار الغذاء بلغ 134.4 نقطة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، وهذه أعلى قيمة للمؤشر على الإطلاق، وتشكل ارتفاعا بنسبة 27 في المائة عن العام الماضي. وهذا الارتفاع بهذا القدر يجعل الأسعار حاليا أعلى من أسعار ما قبل الجائحة بنحو 40 في المائة، علما بأن مؤشر أسعار المنتجات الغذائية عبارة عن المتوسط السعري لخمس مجموعات، هي: الخضراوات والزيوت، والحبوب مثل القمح والذرة والشعير والرز، إلى جانب اللحوم والألبان والسكر.
أحد أهم المستثمرين المحليين في مجال الزراعة والأغذية هناك صندوق الاستثمارات العامة، الذي يمتلك عدة شركات في هذا المجال ولديه مبادرة لتحفيز نمو قطاع الأغذية والزراعة في المملكة من أجل تحقيق نظام إنتاج غذائي مستدام وتنويع مصادر استيراد المواد الغذائية. من تلك الشركات المملوكة للصندوق هناك شركة سالك التي يبلغ رأسمالها نحو خمسة مليارات ريال، وتستثمر في عدد من الشـركات العالمية في تجارة الحبوب والأرز واللحوم في أوكرانيا وكندا والهند والبرازيل وأسـتراليا وبريطانيا. كما لدى الصندوق نشاطات في مجال امتلاك بعض الشركات الزراعية داخل المملكة وفي تحفيز وتطوير بعض وسائل الإنتاج الزراعي المعتمدة على التقنية، إلى جانب الاهتمام بمجال الزراعة المائية وتطوير بدائل اللحوم من خلال البروتينات غير الحيوانية.
بالنسبة للفرد العادي، فطرق الاستفادة من القطاع الزراعي تتم من خلال الشراء المباشر للأراضي الزراعية وإقامة مشاريع تجارية عليها، سواء زراعية أو حيوانية أو غيرها، ومن الممكن كذلك أن يتم ذلك عن طريق الاستئجار طويل المدى. كذلك في الآونة الأخيرة بدأ البعض بالتوجه إلى الأرياف والمناطق الزراعية للابتعاد عن صخب المدن وازدحامها وارتفاع تكاليف المعيشة بها، حيث يقومون بإنشاء وحدات سكنية دائمة أو مؤقتة في تلك الحيازات الزراعية، والبعض يقوم بتطويرها كمناطق ترفيهية أو أماكن معدة للراحة والاستجمام.
هذا فيما يخص أولئك الذين لديهم القدرة والرغبة في ممارسة الاستثمارات النشطة، أما من يبحث عن استثمارات خاملة لا تتطلب منه أي جهد أو عناء فيمكن الاستثمار المباشر في الشركات العاملة في القطاع الزراعي في الخارج أو في المملكة، حيث يوجد في سوق الأسهم السعودية 19 شركة تعمل في مجالي تجزئة الأغذية وإنتاج الأغذية.
ويوجد في الخارج صناديق متداولة مختصة بالمجال الزراعي، أحدها صندوق DBA الذي يدير أصولا بأكثر من مليار دولار ويستثمر بعدة وسائل مالية، معظمها عقود مستقبلية على منتجات زراعية، وحقق نسبة ارتفاع هذا العام بنحو 26 في المائة. وغيره هناك نحو عشرة صناديق أخرى مختصة بجوانب مختلفة من النشاط الزراعي، مثل صندوق CORN المختص فقط بإنتاج الذرة، أو صندوق WEAT المختص بالقمح، وغيرهم. وبالطبع هناك عدد كبير من الشركات العالمية المدرجة في الأسواق الأمريكية التي من الممكن للمستثمر المهتم التعرف إليها، وهي شركات كبرى مثل ADM وباير وتايسون ومزارع سانديرسون وغيرها. استراتيجية الاستثمار في الزراعة بشكلها العام ترتكز على حقيقة أن الإنسان بحاجة إلى الغذاء في حياته قبل أي شيء آخر، وأنه مهما حصل من تطورات في الأسواق المالية وغيرها من فرص استثمارية يبقى مجال الغذاء صامدا كاستثمار آمن محدود التقلبات. كما أن المناطق الصالحة للزراعة محدودة بطبيعتها في كل مكان حول العالم، وليس من السهولة بمكان إيجاد أراض زراعية جديدة حينما يرتفع الطلب على الغذاء، ولا من السهل تأمين المياه اللازمة للري، وبالتالي فإن المنتجات الزراعية تتمتع بالندرة الاقتصادية.
أخيرا، ينجذب كثير من المستثمرين نحو الاستثمار الزراعي في محافظهم الاستثمارية بسبب تمتع الاستثمار الزراعي بخاصية عدم الترابط مع الوسائل الاستثمارية الأخرى، وهذا ما يبحث عنه مديرو المحافظ بهدف تنويع الاستثمار وتقليص المخاطرة.
نقلا عن الاقتصادية
مقال جميل ومفيد
نحن بلد صحراوى يعانى منذ الأزل من ندرة المياه فكيف يكون لدينا إستثمار (زراعى) !؟
مبالغات غير صحيحة.
الدنيا تغيرت وظهرت مناطق بالمملكة فيها وفرة كبيرة في المياه مع تزايد هطول الامطار عليها، ويبدو انك لم تزرها أو تسمع بها