مجلس التعاون .. نظرة اقتصادية وتحديات

27/12/2021 0
د.صالح السلطان

في الأوضاع الاقتصادية والنظرة إليها وما يواجه مجلس التعاون من تحديات صدر حديثا تقرير من صندوق النقد الدولي بعنوان Economic Prospects and Policy Challenges for the GCC Countries - 2021 يتحدث التقرير عن مساعي دول المجلس الصحية والاقتصادية تجاه كارثة كورونا وتقلبات أسعار النفط. ويطرح بعد ذلك مرئيات تغلب عليها النظرة الكلية لعلها تساعد على مواجهة التحديات القائمة. ومعلوم أن هناك أولويات في أي دولة من دول العالم. ولكن الدول تتفاوت في العوامل والظروف والتبني والتطبيق. وفي كل الأحوال، ليس كل ما يتمنى يدرك. والمطلوب السعي متوكلين على الله.

الطموحات في النظرة الكلية عبر سياسات الاقتصاد الكلي أن تبقى قوية بين أعضاء مجلس التعاون، قوية في التعاون بما يدعم جهود مواجهة التحديات. والتحديات كثير منها ذات مصدر خارجي. فمعروف أن الاقتصاد العالمي يرزح تحت مشكلات وأزمات نمو وتضخم وغيرها. ولهذه المشكلات تأثيرات طبعا في اقتصادات دول مجلس التعاون.

لا شك هناك حيز متاح للسياسات، هذا الحيز بطبيعته له حدود في كل بلد. ومن ثم تزيد أهمية دعم ما يحقق التطلعات والأهداف. ونحن نعرف أن هذا أمر له أولوية في سياسات بلادنا. وزيارات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لدول التعاون حديثا تصب في هذا الاتجاه.

طبعا دول التعاون وغيرها تستهدف سياسات مالية عامة تعمل على تحقيق نمو اقتصادي. لكن ما طبيعة هذا النمو؟ هنا الإشكال. مطلوب نمو يوصف بأنه صديق. كيف؟ ينبغي إعطاء أولوية لتقوية بيئة المالية العامة وتحريك موصوف بأنه أجود للإيرادات غير النفطية وزيادة كفاءة الإنفاق. وينبغي الحد من الربط بين زيادة الإنفاق وزيادة الدخل النفطي. وهذه توجهات نرى تزايد الاهتمام بها.

دول المجلس متفاوتة في التأثر والتعافي من تبعات كارثة كورونا. ويمتدح تقرير الصندوق جهود المملكة التي أولت - بحمد الله - قوة تعامل للتعافي من آثار الكارثة في وقت مبكر. ونسب الإصابات في دول المجلس منخفضة مقارنة بما يجري في دول العالم - ولله الحمد والمنة.

يناقش التقرير ما يتوقع أن تتسبب به كارثة كورونا من تأثيرات متوقعة على المديين المتوسط والبعيد نسبيا. هذه الآثار متوقع استمرارها بدرجة ما. وهي تأثيرات متوقع انخفاضها بصورة ملحوظة مع الوقت. وكما يقول المثل "رب ضارة نافعة". فقد سرعت كورونا من تحسين سوق العمل بما أسهم في خفض العطالة لدى مواطني مجلس التعاون.

يتوقع التقرير تحسن موازين المالية العامة مع الوقت. ومن أهم الأسباب توقع ارتفاع أسعار النفط. طبعا سيقل العجز مع هذا التحسن. وهذا من فضل الله. لقد ارتفع العجز من نحو ربع الناتج المحلي في 2015 إلى نحو 60 في المائة لدول المجلس هذا العام. لكن متوقع انخفاض النسبة مع الوقت. ما مستوى الانخفاض؟ يعتمد على عوامل وسياسات وظروف.

طبعا وفي كل الأحوال هناك مخاطر. من أهم المخاطر احتمال تطور فيروسات بما يزيد تضرر الاقتصادات. ومن المخاطر موضوع التغير البيئي. وقد أوضحت بلادنا بصورة واضحة أنها تسعى لتبني سياسات وعمل خطوات تقلل المضار البيئية وتصب في المصلحة العامة. نسأل الله أن يكلل هذه الجهود بالنجاح القوي.

يشير تقرير الصندوق إلى أنه حينما تظهر العلامات القوية على التعافي من الكارثة، فإنه ينبغي تبني سياسات نمو اقتصادي متوسطة المدى. سياسات تتناول جوانب عمل المالية العامة وتحسين الإنفاق العام. وسياسات تتناول عمل وتطوير القطاع الخاص، بما يساعد على نمو الاقتصاد غير النفطي. ونحن نقول إن هذا أمر نعرفه جيدا، وهو من أولويات "رؤية 2030".

أشار التقرير إلى أهم ما يراه من تحديات جلبتها كورونا على الناتج المحلي المستهدف. على رأس هذه التحديات تذبذب سوق النفط، والخوف من توسع العدوى في القطاعات ذات الحضور البشري القوي "كأنشطة الترفيه والضيافة" وسوق العمل. من التحديات تحقيق رأس المال البشري "مع إغلاق المدارس". واستثمارات المنشآت. وتبعا، يرى الصندوق أن كورونا سيتسبب في تأخير أو تفويت فرص لنمو اقتصادي على المدى المتوسط في دول المجلس وفي غيرها من دول العالم.

من القضايا المهمة في التعافي وفي تنمية الاقتصاد وفي توليد الوظائف موضوع المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وحظي هذا الموضوع باهتمام في تقرير الصندوق.

تبنت بلادنا رؤية جريئة عالية الطموح وقابلة للتحقق. هذه الرؤية تستهدف بناء مجتمع ذي اقتصاد راسخ مزدهر. وهناك عوامل كثيرة تعمل على أو تساعد على تحقيق التميز. من هذه العوامل جودة التشريعات والتنظيمات. ويدخل في تحقق هذه الجودة الوضوح والاستقرار، في عيون المستفيدين. وهنا أقترح مزيد تحسين في التشريعات والتنظيمات بما يرفع من مستوى جودتها. على سبيل المثال، التنظيمات الخاصة بالأنشطة التجارية وممارستها، خاصة على مستوى المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

من المقترح بناء طريقة تتيح تفهما أقوى لمرئيات كل نشاط من القطاع الخاص عند الرغبة في وضع أو تعديل تعليمات تخصه، وفي التعرف على ما يواجهه من مشكلات قائمة أو محتملة. ومن المهم توضيح وشرح واف للتعليمات بكل وسيلة. ومن المهم أيضا عدم التسرع في طلب تصحيح خطأ انتشر وشاع عبر عشرات السنين.

كما أنه من المهم التأكد من جودة فهم موظف الترخيص، أو الرقابة بطبيعة النشاط الذي يرخصه، أو يراقبه. جودة الفهم مشكلة مزمنة عند كثير من المكلفين بترخيص أو مراقبة أنشطة القطاع الخاص.

 

نقلا عن الاقتصادية