الجميع يريد أن يتحدث عن الفساد إما علنا وإما سرا حسب الموقع الوظيفي والمعيشي في كل دول العالم وكل المراحل. الفضول حول الموضوع قادني لقراءة كتاب لعالمة السياسة الأمريكية - السنغافورية - الصينية في جامعة مشيجان يون يون أنج Yuen Yuen Ang عن الأعمال في الصين وعلاقتها بالفساد The gilded Age in China. لا أعرف ترجمة للمصطلح، لكنها تعني فترة تاريخية بدأت تقريبا عام 1870 في أمريكا حين نشأت إمبراطوريات أعمال ناجحة مثل روكفلر وكارنيجي وفاندربلت وآخرين، مصطلح ألفه الأديب الساخر مارك توين، فترة كفاءة عالية صاحبها علاقة فاسدة بين الأعمال وموظفي القطاع العام. الكتاب يتحدث عن الحقبة الصينية الناجحة ومقارنتها بتجربة أمريكا. حقبة نجاح الصين بدأت تقريبا قرنا بعد أمريكا "المقاربة مع سياسة التحديث الصينية التي بدأت في نهاية سبعينيات القرن الماضي"، يتحدث الكتاب عن الفساد الذي صاحب نجاح الصين المذهل. ظهر الكتاب في وقت مهم بسبب نجاح الصين ومحاولتها التحديث والتطوير الدائم ومنافستها الاقتصادية لأمريكا.
الصراع الاقتصادي يقود للمقارنة التاريخية، فتقول الكاتبة: إن أمريكا في Gilded Age 2 بينما الصين في Gilded Age 1. فترة أمريكا الحالية تتميز بالتطور المالي والعلاقة بالتقنية ونظام ديمقراطي يجعل الفساد أحيانا أقل وضوحا، لكنه يظهر في أنماط العلاقة فيما تسميه الباب الدوار في تدوير وظائف عليا بين القطاعين العام والخاص ودور Lobbying جماعات الضغط المختلفة حسب مجال الاهتمام. الحقبة الصينية تشهد تغيرا في طبيعة الأعمال من الخشنة في الصناعة والأعمار إلى التقنية والخدمات، إذ إن الفساد يتغير حسب المرحلة وطبيعة الأعمال والبيئة المؤسساتية وقدرات الحكومة والوعي العام. يحاول شي جين بنج في الصين إعادة تشكيل اقتصاد الصين والتخلص من الفساد المصاحب للحالة. من التناقض الملازم للتجربتين أن الكفاءة تصاحب الفساد خاصة أثناء فترات التحول المؤثرة مثل التخصيص ونقل ملكية الحكومة إلى من هو أكثر فاعلية في إدارة الأملاك والأصول من القطاع العام. أحيانا تبدو كأنها تقول: إن الفساد لا بد أن يصاحب النجاح، لكن طبيعة وأنواع الفساد تتغير.
على أثر دراسة مقارنة بين 15 دولة توصلت إلى أن هناك أربعة أنواع من الفساد نراجعها تباعا وطبقا لما ذكرت من دول، الأول الفساد الصغير pitty corruption وعادة يحدث في الدول الفقيرة ضعيفة الحوكمة، حيث الراتب لا يكفي للحد الأدنى من المعيشة مثل نيجيريا، إذ تعرف عنها أنك بمجرد وصولك المطار فلن تحصل على ختم الجوازات إلا إذا دفعت مبلغا بخسا، أو طلب رجل الشرطة أن تدفع للعبور. والنوع الثاني السرقة المؤثرة مثل توظيف السلطات للابتزاز مقابل لا شيء عدا الرغبة في الحصول على المال، والثالث فساد مقابل التسريع كما في الهند لدفع الجهاز البيروقراطي لتسريع طلب المواطن أو رجل الأعمال لإنهاء أعماله. النوع الرابع هو شراء النفوذ وهذا يكثر في الصين وأمريكا مع اختلاف الأعمال والمرحلة. أحيانا، لكن نادرا ما يجتمع أكثر من نوع للفساد بدرجات مختلفة. لا تعتقد الكاتبة أن مؤشرات الفساد العالمية مثل UCI كمؤشر مجمع يستطيع النفاذ إلى تفاصيل الحالة وقياسها تجريبيا. أعتقد من المهم تفهم الحالة الاقتصادية والمعيشية لمعرفة مكامن الفساد وما يصاحبه درجة أعلى من الكفاءة والإنجاز أم إنه استغلال فقط لما هو موجود؟. يمر كثير من دول المنطقة بحالة صعبة يكثر فيها الحديث عن الفساد بعضها موضوعي وبعضها مجرد تعبير عن التحسر على حالة معيشية صعبة. لكن أغلب اتهامات الفساد لا تعطى حقها من الرصد والدراسة والتحليل لتقدير المرحلة الإدارية والتنموية. يبدو أن أغلب الفساد المؤثر في دول المنطقة مجرد محاولة استغلال الممكن من القطاع العام، لكن واضح أيضا أن هناك أنواعا من الفساد الصغيرة والمتنوعة وفساد التسريع. لعل فهم الفساد يقود لفهم أوسع للحالة الاقتصادية والتطويرية.
نقلا عن الاقتصادية
مقال ممتاز يعطيك العافية .......دائما تتحفنا باستعراض كتاب لكاتب عادة امريكي او غربي ...وهذا ممتاز ولكن الافضل هو انزال (الحالة / الحالات) التي استعرضها الكاتب على واقعنا نحن ....فالكتاب الاقتصادييين يفترض قيامهم بعلاج مشاكل بلدهم الاقتصادية ....اما الفساد الاداري فاعتقد ان لنا باع طويل فيه هنا ....والاغرب ان الفساد لدينا متطابق مع النظام لانه يندرج تحت مسمى " قرار صاحب الصلاحية " ....يعني الوزير يحول وزارته إلى مزرعة خاصة ويامر وينهى ويطبق الانظمة بانقائية على الموظفين ...وبالاخير يقال ان هذا " قرار صاحب الصلاحية " .....والمضحك انني اجريبت دراسة على الملكيات المعلنة في سوق الاسهم فوجدت ان معظم هؤلاء الملاك كانوا مسؤولين او نافذين بشكل او اخر ......يعني العلاقة بين النفوذ والمال جدا واضحة وبشكل فج ...والاغرب اننا من البلدان القلائل في مجموعة العشرين والذي لا يطلب من المسؤول الاعلان عن املاكه قبل توليه المنصب !!!!!...وقد تطرق لهذه النقطة وكيل المالية ورئيس صندوق الاستثمارات ورئيس المجموعة السعودية المخضرم سليمان المنديل / ابوهاني ...تطرق لمواضيع الفساد الاداري والمالي في القطاع العام في مقالات اعتبرت هي الاكثر جرأة في الطرح . تحياتي .
وهناك أيضاً الفساد الذي نعيشه في سوق الاسهم لشركات بقي كبار المسئولين فيها عشرات السنين وهي تخسر وتزيد رؤوس أموالها وهي تخسر ومع ذلك لم تتغير الادارات ولم يتغير كبار الملاك فيها، ولا زالت هيئة سوق المال تسمح لهذه الشركات بكل هذه التجاوزات من غير فرض أي شروط على هذه الشركات قبل السماح لها بزيادة او تخفيض رؤوس أموالها، وهناك شركات أخرى نشاط إداراتها واضح انه في غير مجال الشركة مثل دار الاركان أو شركات جزء كبير من أنشطتها ومشاريعها يخصص لأصحاب العلاقة من ملاك الشركات أو من أعضاء مجالس اداراتها فيما تعاني هذه الشركات من نقص السيولة التي تذهب في الغالب الى أصحاب العلاقة وليس لتدعيم ميزانية الشركة او رفع كفاءتها
شكرا لك. كما ذكرت طبيعه الفساد تعتمد على طبيعه الاقتصاد أيضا و لذلك للاقتصاد الربيعي التوزيعي خصائص معينه تعرضه لأنواع من الفساد و لكن الحكومه حاربت الفساد بضراوه و لكن طبيعه الاقتصاد و البشر لن تتغير. واقعيا اذا الحراك صفر فالفساد قد يكون صفر و لكن الكفاءة و العمل و الانجاز لا بد أن يولد فساد، المهم ان لا يكون بالحجم الذي يعوق التطور.
الرد على أكثر على الاخوشاري راسي و لكن في نظري ينطبق على كل أشكال الفساد.
مع احترامي للجميع .......الحرب على الفساد ليست مانشيتات واعلانات تتم بصورة انقائية ......الحرب على الفساد يجب ان يمر عبر بوابة الشفافية ....رفع مستويات الشفافية هو الذي سيقود الحرب الحقيقة وليس المهدئات التي تصرف بطريقة انتقائية .......لماذا لايطلب من المسؤولين بالادارة الوسطى والعليا الاعلان عن ملكياتهم قبل تسنم مناصبهم !!!...لماذا لا تعرف مستويات الشفافية بشغل الوظائف العامة ؟ ....لماذا ؟ لماذا ؟......لا تستيطع معالجة الامراض الخطيرة بالبنادول والفيفادول
اتفق ان الشفافية ركيزه اساسية لكل مجتمع طموح ، و لكن موضوع العمود مختلف