بدائل الطرح الثانوي العام لأسهم شركة الاتصالات السعودية

12/12/2021 9
د. فهد الحويماني

انتهت أمس عملية طرح 6 في المائة من أسهم شركة الاتصالات السعودية للاكتتاب العام، وذلك بتخصيص 10 في المائة من الأسهم المطروحة للأفراد والبقية للمؤسسات المالية من خلال سجل الأوامر المعتاد. وقت كتابة هذه السطور لا نعلم عن نتيجة الطرح وسعر الاكتتاب النهائي، ولكن هنا نتحدث عن آلية الطرح، ما تعنيه، وما أهميتها، وما البدائل المتاحة للقيام بذلك.

الطرح العام يتم عندما يكون هناك أسهم للشركة ستباع على عموم المساهمين دون تفريق بين مساهم وآخر، وهي بذلك تختلف عن الطرح الخاص الذي من خلاله يتم تسويق أسهم الشركة لأحد المستثمرين، أو لفئة معينة من المستثمرين. الطرح الخاص يحدث في عمليات الملكية الخاصة، حين تقوم جهة ما بالاستحواذ على عدد معين من أسهم الشركة. كذلك قريبا في المملكة سيكون هناك طرح خاص يتمثل في عمليات رفع رأس المال بتجاوز حقوق الأولوية، أي أن ترفع الشركة رأسمالها دون منح المساهمين الحاليين حق المشاركة في العملية. هذه الآلية الجديدة لم تقر بعد، ولكنها على وشك الإقرار من قبل هيئة السوق المالية.

بالعودة إلى الطرح الثانوي العام لشركة الاتصالات السعودية، فالهدف من الطرح ليس لرفع رأسمال الشركة ولا لتحقيق أي تمويل للشركة، بل هو عبارة عن رغبة المالك الأكبر لأسهم الشركة، وهو صندوق الاستثمارات العامة، في بيع جزء من ملكيته في الشركة، بلغت بعد التعديل 6 في المائة من أسهم الشركة، وبذلك ستنخفض نسبة تملك الصندوق في الشركة إلى 64 في المائة. ولن تحصل شركة الاتصالات على أي أموال جراء هذه العملية، بل ستذهب متحصلات الاكتتاب المتوقع أن تكون بحدود 12 مليار ريال لمصلحة الصندوق فقط.

ما الخيارات المتاحة لصندوق الاستثمارات العامة لبيع حصة من أسهمه؟

في نهاية الأمر العملية عبارة عن بيع أسهم مملوكة للصندوق لمن يريد شراءها، سواء من الأفراد أو من المؤسسات والشركات، ولكن بما أن العملية ستتم بطريقة الاكتتاب، فإنها ستخضع لضوابط معينة، مثل تحديد نسبة ملكية الأفراد والالتزام بآلية بناء سجل الأوامر وغيرها. بالمناسبة، هذا الخيار سيكلف الصندوق نحو 100 مليون ريال مصاريف متنوعة للاكتتاب، وكما ذكرت في مقالات سابقة هناك مبالغة كبيرة في تكاليف الاكتتابات وعمليات رفع رأس المال، وبالذات في هذه الحالة، حيث الجهود متواضعة والمخاطرة معدومة، فلا يوجد مثلا متعهد اكتتاب يتحمل مخاطرة شراء الأسهم في حال لم يشتريها أحد كاملة أو أي جزء منها. لذا، فإن مبلغ 100 مليون ريال يعد كبير جدا لإتمام عملية مالية جل عبئها يقع على أطراف لن تتحصل على أي مبالغ مالية من العملية! معظم العبء يقع على شركة تداول التي لديها الآلية الفنية للاكتتاب، إلى جانب هيئة السوق المالية التي تقر ضوابط العملية وتنظيماتها، وكذلك معظم البنوك والوسطاء الذين يسهلون العملية أمام عملائهم دون الحصول على أي من متحصلات الاكتتاب.

إذن ما خيارات الصندوق في ذلك؟ أحد الخيارات هو البيع المباشر في السوق، ولكن بما أننا نتحدث عن 120 مليون سهم للبيع، فإن عملية بيعها ليست بالأمر الهين، والسبب أن متوسط التداول اليومي لأسهم الشركة أقل من مليون سهم في اليوم الواحد، ولو حاول الصندوق بيع لو حتى ربع مليون سهم يوميا، فستستغرق العملية نحو عامين لإتمامها، ناهيك عما ستحدثه من أضرار كبيرة في سعر السهم!

إذن، لماذا لا يرتب الصندوق مع إحدى الجهات المهتمة لشراء الأسهم، مثل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أو غيرها؟ السبب هو أن هناك صعوبة في تحديد الجهة الراغبة في الشراء من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك صعوبة في تحديد السعر المرضي لكلا الطرفين. لذا، فإن هذه العملية صعبة للغاية، وبالذات إذا كانت العملية المالية كبيرة جدا، في هذه الحالة نحو 12 مليار ريال.

ماذا عن شراء شركة الاتصالات أسهم الصندوق كأسهم خزينة؟ هذا الخيار معقول إلى حد كبير، ولا سيما أن الشركة لديها أصول متداولة - بحسب الربع الثالث 2021 - بنحو 50 مليار ريال، منها نحو 14 مليار ريال نقد وما في حكمه! أضف إلى ذلك أن هناك فائدة للشركة من امتلاك هذه الأسهم الإضافية لاستخدامها في برامج تحفيز الموظفين وغيرها. في هذا الخيار تقدم الشركة عرض شراء لعدد 120 مليون سهم وتحدد سعرا لهذا العرض، ولكن هنا تبرز مشكلتان أمام الشركة: “1” مشكلة تحديد السعر الذي ترغب في الشراء به، والذي غالبا يجب أن يكون أعلى من سعر السهم السوقي، وذلك لإغراء المساهمين ببيع أسهمهم لمصلحة الشركة، و”2” هناك مشكلة أكبر من ذلك، وهي أن الشركة لن تضمن أن يكون البائع هو صندوق الاستثمارات العامة! أي أنه قد لا يتحقق هدف بيع الصندوق للأسهم التي يرغب في بيعها، وذلك لأنه في هذه الحالة قد يبيع مستثمرون آخرون للشركة، وبالتالي لن يحصل الصندوق على المبلغ كما ينبغي.

طبعا، هناك خيار أخذ موافقة الجمعية العامة غير العادية على شراء الشركة أسهم الصندوق بسعر عادل قريب لسعر السوق، وبذلك يتجنب كل من الصندوق والشركة عناء هذه العملية. وكذلك من الممكن الأخذ بخيار تقديم الشركة عرض شراء عام لأسهمها، ولكن لضمان شراء أسهم الصندوق دون غيره يتم تحديد سعر شراء أقل من سعر السوق بقدر كاف، وبذلك تضمن الشركة - إلى حد كبير - عدم بيع أحد أسهمه عدا الصندوق. على سبيل المثال، لو فرضنا أن سعر السهم 110 ريالات، فيمكن للشركة تقديم عرض شراء بسعر 100 ريال لعدد 120 مليون سهم، وذلك على فرض ألا يوافق أحد من المساهمين على هذا السعر، عدا الصندوق. غني عن القول إن هناك عدة إشكاليات لهذا الخيار، منها أن الصندوق سيقبل بسعر ربما يكون أقل من السعر الممكن تحقيقه من خلال الطرق الأخرى، إضافة إلى أن تحديد الشركة سعر شراء أقل بكثير من سعر السوق يعد إشارة سلبية أمام المساهمين، وقد ينتج عن ذلك هبوط كبير في سعر السهم.

الخلاصة هي، أن خيارات الصندوق لبيع جزء من ملكيته في شركة الاتصالات السعودية محدودة جدا، ويبدو أن خيار الطرح الثانوي العام هو الأفضل، والسبب يعود إلى ضخامة حجم الطرح، ورغبة الصندوق في تحقيق أكبر قدر من متحصلات البيع من خلال آلية شفافة وعادلة لتحديد سعر البيع. كما أن خيار حصول الشركة على موافقة المساهمين لشراء أسهم الصندوق أقل تكلفة وأسرع من الخيارات الأخرى، إلا أن الإشكالية تأتي في تحديد السعر العادل للبيع.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية