دور وتأثير التضخم في الاقتصاد

22/11/2021 0
د.صالح السلطان

بعد أعوام من الهدوء في مستوى الأسعار، يشهد العالم في الوقت الحاضر موجة تضخم عالية. وهي موجة سبقتها موجات وموجات. فالكبار عمرا يتذكرون كم كانت الأسعار قبل عشرات الأعوام الماضية.

والتضخم يعبر عن عملية الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار، أو بعبارة مكافئة: الانخفاض المستمر في قيمة النقود. ويعبر إحصائيا عن التضخم بأنه معدل الزيادة في الأسعار خلال فترة زمنية محددة، كالشهر والعام. وهذه الزيادة تلقي ظلالا على المستهلكين، وصانعي السياسات المالية والنقدية. وتتأثر هذه الظلال بحسب معدلات وطبيعة التضخم.

التضخم ليس كله سيئا. فقليل منه (ليس هناك حد متفق عليه، لكن نسبة تقل عن 2 في المائة سنويا يعدها كثيرون قليلة) له تأثيرات إيجابية في الاقتصاد. أحد الأسباب أنه ينظر إليه على أنه ضغط خطر كامن، يعمل على تآكل قيمة النقود، ما يعطي حافزا لأصحاب المدخرات لاستثمارها، بدلا من مشاهدتها تتآكل. ولكن قد يبالغ في الأخذ بهذه الحجة. على سبيل المثال، مبالغة البعض في تبني أو الدفاع عما يسمى أحيانا “تمويل التنمية بالتضخم”. ويعني التوسع في الإنفاق التنموي، يما يتجاوز تجاوزا كبيرا كفاية الموارد المالية العامة المتاحة. ومن ثم يكون تمويل العجز بإصدار المزيد من النقود، ومن ثم تتعرض قيمتها للانخفاض.

من الأسباب الأخرى للنظر بإيجابية إلى معدلات التضخم المنخفضة أن المفاوضات على الأجور ليست سهلة، خاصة عبر خفضها، ومن ثم يكون تغير وتكيف الأسعار النسبية (نسبة أسعار السلع والخدمات والأجور بعضها إلى بعض) أسهل، عند وجود زيادة عامة أو تغير في الأسعار. وتغير الأسعار طلوعا ونزولا في بعض السلع أبطأ.

لكن معدلات التضخم التي تزيد على الحدود المطلوبة للحرية النقدية وحوافز الاستثمار تعد سلبية، بل قد تكون آثارها مدمرة، عندما تبلغ المعدلات أرقاما أقرب إلى الخيال.

المحاولة لجعل الأسعار ثابتة، لمكافحة التضخم، ليست خالية من العيوب دوما. فهي أحيانا تعاقب منشآت وسلع على حساب منشآت وسلع. مثلا تثبيت أسعار أجور الحلاقة يمنع تلك الأقل مستوى تجهيزا وخدمة من خفض أسعارها، أو تلك الأحسن من رفع أسعارها. ولكل آثاره. كما أن المساعي لتحقيق استقرار تام في الأسعار، قد ينظر إليه على أنه ناتج سلبي للتكييف في حركة الأجور، وفي الإنتاج. ولا يعني ما سبق دعوة إلى مجرد عدم الاستقرار السعري، بل يعني أهمية مراعاة ظروف مؤثرة.

يتفاوت تأثر الإنتاج بالتضخم حينما يكون هناك ثبات في تكيف التكاليف مع الأسعار وكميات الإنتاج. وبين بعض الباحثين أن هذا التفاوت يتحدد وفقا لمرونة إيرادات المنشأة بالنسبة إلى الطلب على إنتاجها. كلما زادت هذه المرونة تأثر الإنتاج سلبا بالتضخم. وتفسير ذلك هو أن السلع الكمالية (على وجه العموم) تتأثر مبيعاتها سلبا عند ارتفاع أسعارها (مع بقاء الظروف الأخرى على حالها)، وهذه السلع تتصف عادة بأنها عالية المرونة.

ومن باب التوضيح، فإن الأصل في كلمة “إنتاج” في علم الاقتصاد أنها تتناول كل السلع والخدمات التي توفرها كل القطاعات الاقتصادية. وعلى هذا فكل نشاط يمكن أن يولد دخلا يعد إنتاجا. هناك معنى خاص بالإنتاج، يحصره في أنشطة أو قطاعات بعينها. لكنه لا يصار إلى هذا المعنى الخاص إلا بقرينة.

يعمل التضخم على تغيير الأسعار النسبية. ويعمل على دفع الأجور إلى الارتفاع، لكن من الملاحظ أن ارتفاع الأجور يقل في كثير من الأحيان عن ارتفاع الأسعار، ما يعني انخفاض الأجور الحقيقية، وإذا كان انخفاض الأجور الحقيقية عاليا، فهذا نذير سوء لأغلب الناس. فارتفاع الأسعار أكثر من الأجور الحقيقية يعني انخفاض مستوى المعيشة، وازدياد الفقر. مثلا، تتضاعف الأسعار خلال أربعة أعوام تقريبا إذا كان معدل التضخم في حدود 20 في المائة. لكن من البعيد جدا أن تتضاعف الأجور خلال هذه الأعوام.

أصحاب العقارات يربحون جراء التضخم، وكذلك أصحاب الأسهم. وهو ربح وهمي أحيانا. لكن حملة سندات التمويل (أدوات إقراض) في العادة يخسرون، لأن الفوائد أو العوائد التي يتقاضونها، تكون في العادة ثابتة.

ماذا بشأن المقترضين؟ إذا كان حملة سندات التمويل من الخاسرين، فإن المقترضين يستفيدون من التضخم، بالنظر إلى انخفاض القيمة المستقبلية للنقود. وإيضاحا، افترض أنك حصلت على 100 ريال بطريقة تمويل ما، على أن تعيدها بعد عام 110 ريالات. لو افترضنا أن الأسعار ارتفعت 20 في المائة، خلال العام، أي أنه أصبح يلزمك 120 ريالا لتشتري السلع نفسها (من الممكن أن تكون السلع أسهما) التي كنت تشتريها بالمبلغ المقترض 100 ريال قبل عام تقريبا. المقترض، وفق الافتراضات السابقة، استفاد من ارتفاع الأسعار. هذا يفسر لنا ارتفاع العوائد التي تقاضاها بعض الممولين خلال فترة طفرة سوق الأسهم قبل أعوام.

باختصار، يعمل التضخم على إعادة توزيع الدخل، من خلال تأثيره في القيمة الحقيقية لثروات الناس. كما يعمل على خفض الدخول الحقيقية من خلال خفض القوة الشرائية للنقود. ولكن عند حصول زيادة في الدخول (الاسمية)، فإن المحصلة كما يلي:

من ترتفع دخولهم تزيد على نسبة ارتفاع الرقم القياسي يكسبون قوة شرائية أعلى. أما الذين لا ترتفع دخولهم تزيد على نسبة ارتفاع الرقم القياسي، فإنهم إما لا يكسبون وإما يخسرون (القوة الشرائية لا تتغير أو تنخفض).

 
نقلا عن الاقتصادية