الفوترة الورقية معروفة عند الجميع. أما الفوترة الإلكترونية فحديثة عهد، وهي عملية تبادل الفواتير والإشعارات إلكترونيا بين أطراف التعامل. ومع هذا التبادل تتم عمليات المعالجة إلكترونيا.
وأحدث توجه للفوترة الإلكترونية في بلادنا ما أعلنته حديثا هيئة الزكاة والضريبة والجمارك عن بدء تطبيق المرحلة الأولى في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، أي: بعد نحو 20 يوما. والبدء بتطبيق المرحلة الثانية بعد عام تقريبا. وتركز على مزيد تكامل وربط. وفي موقع الهيئة تفاصيل كثيرة عن التطبيق. وهي تفاصيل تدل على بنية تنظيمية جيدة. ولا يخلو الأمر من نقص، والكمال لله.
الفوترة الإلكترونية أحد أهم مشاريع الأتمتة والرقمنة تحت مظلة رؤية المملكة 2030. وهذا يعني أن التوجه للتطبيق موجود قبل جائحة كورونا، لكن الجائحة عجلت بالتوجه إلى تطبيق التقنيات الحديثة في كثير من الأمور والتعاملات. أي إن السعي نحو الحد من انتشار الفيروس ليس السبب الوحيد، بل تسهيل الأمور والمعاملات سبب أسبق. طبعا التطورات التقنية فرضت نفسها على الناس. ومن المهم عمل مزيد من مختلف الجهات المعنية لتوعية قطاع الأعمال بنظام الفوترة الإلكترونية وتطبيقه. هذه مسألة مهمة. فكثيرون يجهلون.
تقييم الفوترة الإلكترونية مقارنة بالورقية يتطلب ضمن ما يتطلب فهم أصل المشكلة. الموارد المكلفة بتحصيلها الهيئة وكل هيئة مشابهة عرضة للإخفاء أو التلاعب والتضليل من المكلفين بالدفع. وهنا أمثلة لأساليب: الاقتصاد الخفي، وربما أشهر مثال له التستر التجاري - التعامل النقدي بقصد إخفاء حجم التعامل الواقعي للمكلف - إخفاء المعلومات أو عدم الإفصاح أو إظهار معلومات لا تعكس الواقع والحقيقة وهكذا.
اجتمعت هذه العيوب مع التطورات التقنية وميزات الفوترة الإلكترونية مقارنة بالورقية اجتمعت للدفع تجاه التطبيق الإلكتروني في الفوترة.
مختصر الجانب الاقتصادي أن تكلفة الفاتورة الإلكترونية في منظومتها وأعبائها وتشغيلها أقل مقارنة بالفاتورة الورقية. المقارنات تتناول مختلف جوانب المدخلات والمخرجات من بدء الإنتاج فالعمليات وتوزيع الفواتير والدفع الإلكتروني. في المقابل، فإن التحول الإلكتروني يتطلب شيئا من الوقت حتى يتم استيعابه مجتمعيا. وخلالها قد تحدث مشكلات في التطبيق. وحظي كل هذه الأمور بعديد من الدراسات.
التطبيق الإلكتروني يسهم في مزيد من الحلول التقنية وحلول الإدارة المالية. كما أنه يحسن من القدرات في تحصيل المستحقات من المكلفين. من جهة ثالثة يسهم في تحسين التطبيق والعدالة الضريبية، وتحليل البيانات، وتقليل الفساد من خلال حوكمة أقوى في التعاملات المالية. كيف؟ عن طريق تتبع المعاملات المالية بين المشتري والبائع في اللحظة نفسها من خلال الإيصال الإلكتروني بصورة تفوق الأسلوب الورقي.
خلاف ما سبق، فإن التطورات التقنية تساعد على دمج الاقتصاد غير الرسمي وإدراجه في الاقتصاد الرسمي بشكل أقوى. والتطبيق الإلكتروني يساعد على تحسين تطبيق التكامل الإلكتروني في منظومة البيع والشراء بين مقدم الخدمة من التجار والمتعاملين من المستهلكين.
ماذا عن تأثيرها في الاستيراد؟ تسهم التقنية الإلكترونية في الفوترة وغيرها في تقليل تكاليف التوثيق للفواتير الاستيرادية والوقت المطلوب، وهذا بدوره يسهم في تقليل التكاليف. هل يسهم ذلك في خفض الأسعار؟ يفترض مبدئيا أن الجواب نعم، لكنه ليس بجواب قطعي. ذلك أن الأسعار تخضع أيضا لمؤثرات أخرى غير تكلفة التوثيق. وصافي المحصلة من هذه المؤثرات هو الحكم النهائي.
الأهمية المالية والاقتصادية، بما في ذلك التجارية للفاتورة الإلكترونية، تظهر على مستوى الاقتصادين الكلي والجزئي والمنشأة التجارية. تستفيد المنشأة من خلال مساعدتها على الضبط المالي والمحاسبي للعمليات المالية بعيدا عن استخدام الورق. مزيد ضبط يسهم في رفع الكفاءة الإنتاجية للمنشأة وخفض تكاليفها التشغيلية، وبالذات للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
نعول كثيرا على مساهمة تطبيق الفاتورة الإلكترونية، في توفير بيئة أكثر تنافسية وتحفيزا للنمو والازدهار الاقتصادي، والتوطين الوظيفي. من أسباب ذلك أنها ستسهم مباشرة في التقليل من التستر التجاري. عانت البلاد ظاهرة التستر وظواهر أخرى غير نظامية على مدى عقود من الزمن.
متوقع بقوة أن تسهم الفاتورة الإلكترونية في تسهيل مهمة حصول المنشآت على التمويل المصرفي والائتماني اللازم، نظرا لكونها أداة أقوى في توفير قوائم مالية دقيقة.
ماذا بجانب المنافع البيئية، التي اكتسبت اهتماما وزخما كبيرا في عصرنا؟ هناك منافع بيئية كثيرة واضحة للفوترة الإلكترونية. مثلا، سيقل استخدام الورق. وتقليل استهلاك الورق مفيد للبيئة. فالورق غالبا مستخرج أو أصله نباتي. خلاف أن هناك هدرا في تصنيع الورق وفي إتلافه.
باختصار، المنظومة جزء من توجهات الدولة نحو تطبيق التطورات التقنية. وجزء من التوجهات نحو الإصلاح المالي والاقتصادي. ومن جهة أخرى، تسهم في إصلاح وتخفيف كثير من الإشكاليات والسلبيات التي مر بها الاقتصاد الوطني على مدى عشرات الأعوام. وعلى دعم جهود تعزيز المنافسة وحماية المستهلك بصورة أفضل. ولا يعني ذلك خلو هذه الفوترة من عيوب، فالكمال لله، لكن العبرة بالصافي. والصافي يؤيد تطبيقها.
نقلا عن الاقتصادية