هل قرار هيئة السوق المالية بإلغاء إدراج أسهم شركة أبناء عبدالله عبدالمحسن الخضري في السوق المالية “تداول” قرار نظامي وإجراء سليم؟ وهل أعطيت الشركة فترة كافية لتصحيح أوضاعها؟ وما مصير المستثمرين الذين يملكون أسهما في الشركة؟
باختصار، القرار نظامي بالطبع، لأن الهيئة استندت في ذلك إلى قواعد الإدراج المنظمة لدخول الشركات إلى السوق المالية، وتعليق تداول الأسهم، وإلغاء الإدراج وغيره من أمور، وذلك بعد صدور قرار من محكمة مختصة ومؤيد من محكمة استئناف بتصفية الشركة. لذا فإن مصير أسهم الشركة لم تقرره الهيئة، بل قررته محكمة الاستئناف، وذلك بعد اعتراض الدائنين على خيار بقاء الشركة بحالة إفلاس جزئي إن صحت التسمية.
هناك ثلاث مراحل للإفلاس، بدءا بالتسوية الودية بين الدائنين والشركة، وتشمل ترتيبات معينة تقوم بها الشركة لإرضاء الدائنين، وقد تشمل منح الدائنين أسهما أو أصولا في الشركة مقابل ديونهم، ومثل هذه الإجراءات ممكن أن تتم داخليا بموافقة الجمعية العامة للشركة، وهو ما حاولت شركة الخضري القيام به وتم رفضه. وإن تعذرت مثل هذه الترتيبات فتستطيع الشركة الذهاب إلى المرحلة الثانية وهي إعادة التنظيم المالي للشركة، وهي المرحلة التي تجعل الشركة في حالة إفلاس غير أنها تستمر في ممارسة أنشطتها التجارية، وتستمر أسهمها في التداول، لكن خارج السوق الرئيسة، وهذه المرحلة فرصة للشركة لإعادة ترتيب أوراقها والرجوع إلى مسار الربحية. وهذه المرحلة كذلك تم رفضها من قبل دائني الشركة.
في حالة شركة الخضري لم يعد هناك مجال لدى الشركة إلا التصفية الكاملة التي بناء عليها يتم بيع أصول الشركة وسداد مستحقات الدائنين. ومن الواضح هنا أن الدائنين لا يرون فائدة في استمرار الشركة وإلا لما طلبوا التصفية، وكذلك هذا يشير إلى أن الدائنين يرون أن هناك أصولا لدى الشركة ذات قيمة حيث إن تم بيعها قد يستعيدون جزءا من مستحقاتهم، وهذه نقطة قد تكون كذلك في مصلحة حملة الأسهم، لكون هناك آلية تقرها لجنة الإفلاس للتدرج في سداد المستحقات قد ينشأ عنها فائض من الممكن الاستفادة منه في تعويض حملة الأسهم.
كانت أصول الشركة تقارب ثلاثة مليارات ريال ما قبل 2018، غير أنها انخفضت بشكل حاد في 2018، وهو العام الأخير الذي صدرت فيه قوائم مالية للشركة، وكان وقتها رأسمال الشركة 557 مليون ريال، ولديها احتياطي نظامي بأكثر من 70 مليون ريال إلى جانب احتياطيات أخرى، لكن بالمقابل كانت هناك خسائر متراكمة بأكثر من 1.8 مليار ريال، ولدى الشركة التزامات وديون بأكثر من ملياري ريال.
ما مصير حملة الأسهم؟
حملة الأسهم هم شركاء في ملكية الشركة وليسوا دائنين، ولذلك هم يتمتعون بأفضلية الحصول على الأرباح الموزعة للشركة والاستفادة من نمو سعر سهمها، لكن ذلك يأتي مقابل تدني أولويتهم في الحصول على رؤوس أموالهم في حال الإفلاس الكامل. وغالبا في حالات الإفلاس لا يكون هناك تعويض مجز لحملة الأسهم، لكون هناك عدة اعتبارات تؤخذ في الحسبان، إلى جانب الأحقية المطلقة للدائنين، فضلا عن مصروفات عملية الإفلاس، من محامين ومحاسبين ومستشارين وغيرهم.
منذ عدة أعوام، بادرت هيئة السوق المالية وشركة “تداول” في تنظيم آلية التعامل مع الشركات المتعثرة، حيث تم إيجاد سوق للتداول خارج السوق الرئيسة، المسماة سوق خارج المنصة، حيث يمكن للمستثمرين بيع وشراء أسهم الشركة رغم كون أسهمها معلقة ولا يمكن تداولها في “تداول”. وفي السابق كان مساهمو الشركة التي تتعثر، بسبب تجاوز خسائرها 100 في المائة من رأسمالها، لا يجدون وسيلة لبيع أسهمهم حتى لو بسعر متدن، وذلك لعدم وجود سوق للقيام بذلك.
مثل هذه المخارج للشركات المتعثرة موجودة في الأسواق الخارجية، سواء من خلال تداول أسهم الشركة في بورصات أخرى، أو من خلال سوق OTCBB على سبيل المثال في أمريكا، الذي يخضع لشروط إدراج ضعيفة فيكون ملاذا للشركات المتعثرة. كما أن هناك سوقا أخرى وهي سوق الأوراق الوردية Pink Sheets كذلك لديها إجراءات بسيطة لاستقبال الشركات المنبوذة.
هنا من المهم الإشارة إلى أن الآلية الحالية المتاحة في السوق السعودية للشركات المتعثرة، رغم كونها أفضل بكثير من السابق، إلا أنها ليست سوقا إلكترونية فورية لتداول الأسهم المتعثرة. وهذا يختلف عما هو متبع في دول أخرى حيث لا يوجد أي فارق في تداول الأسهم المتعثرة، لأنه في حقيقة الأمر لا يوجد سبب لمنع التداول الفوري لهذه الأسهم المتعثرة، طالما أنه مسموح ببيعها وشرائها.
النقطة الأخرى المهمة هنا هو إدراك حقيقة دور هيئة السوق المالية وشركة “تداول” في مثل هذه الأمور، وهي أن سوق الأسهم ليست إلا ساحة لتداول أسهم الشركات، وليست مسؤولة عن إجراءات إفلاس الشركات ولا تصفيتها. وكان في السابق هناك لبس في هذا الموضوع، لكن يبدو أن ذلك تغير بشكل كبير في الأعوام الماضية. الاستثناء من ذلك هو أن هيئة السوق المالية قامت بتشكيل لجنة للإشراف على إدارة شركة الخضري بعد أن قام عدد من أعضاء مجلس الإدارة بتقديم استقالاتهم. وجهة نظري أن مثل هذه التدخلات غير مناسبة، وليست من ضمن اختصاصات الهيئة، ورغم ذلك فإن نظام الشركات هو من أعطى الهيئة هذه الصلاحية، أي إن الهيئة قامت بتشكيل تلك اللجنة لإدارة شؤون الشركة بصلاحيات من نظام الشركات. النقطة هنا أنه - من وجهة نظري - ليس بصحيح أن تقوم الهيئة بمثل هذه الإجراءات التي ليست من اختصاصها.
من المفترض أن أي شركة لها الحق في أن تختار مكان إدراج أسهمها، سواء في “تداول” حاليا، أو في السوق الموازية أو في سوق مالية جديدة قد تنشأ لمنافسة “تداول” أو في أي سوق مالية خليجية أو عربية أو أجنبية. وظيفة السوق المالية هي لتسهيل عملية بيع وشراء أسهم الشركات، وليس لإدارة الشركات ولا تقرير مصيرها التجاري ولا هيئتها القانونية. وبالمقابل، فإن لأي سوق مالية الحق في وضع شروط انضمام الشركات إليها، ولها كامل الحق في تنظيم عملية بقاء هذه الشركات في منصتها وتعليق تداول أسهمها، لكن يجب أن يكون أقصى إجراء تقوم به هذه السوق المالية هو إلغاء إدراج أسهم الشركة التي لا تلتزم بقواعد الإدراج. وهذا بالفعل ما تقوم به هيئة السوق المالية، علما أن إجراء إلغاء أسهم شركة الخضري سببه انتفاء وجود الشركة بأمر قضائي، وليس بسبب عدم التزامها بقواعد الإدراج.
نقلا عن الاقتصادية