اندمجت أهم المكونات الرئيسة للتنمية والاقتصاد الوطني «القطاع الحكومي، القطاع الخاص، المجتمع» في منظومة عمل متكاملة، منذ بدأ العمل على تحقيق البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، الذي أسهم بفعالية عالية في تحقق كثير من المستهدفات المرحلية للرؤية بنهاية 2020، بل تمكنت تلك المنظومة المتكاملة من التصدي للتداعيات العكسية الناتجة عن الجائحة العالمية لكوفيد - 19، وأسهمت بكفاءة عالية في الدفع بالاقتصاد الوطني نحو الخروج سريعا، والبدء بخوض خطوات التعافي الاقتصادي، وليسجل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموا حقيقيا بـ 5.4 في المائة بنهاية النصف الأول من العام الجاري، مستندا إلى النمو الحقيقي الأعلى للناتج المحلي الحقيقي للقطاع الخاص بـ 7.5 في المائة، وانعكس إيجابيا على بيئة سوق العمل المحلية بنهاية الفترة نفسها، ليسجل معدل البطالة بين المواطنين انخفاضا من 11.7 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري إلى 11.3 في المائة، ويعد أدنى معدل للبطالة بين المواطنين يتم تسجيله منذ الربع الرابع 2010، ولم تقف تلك النتائج الإيجابية عند ما تقدم فحسب، بل امتدت إلى عديد من المؤشرات المالية والنقدية والاستثمارية، بفضل من الله، ثم بفضل البرامج التطويرية التي تم تدشينها تحت مظلة رؤية المملكة 2030.
يتأهب الاقتصاد الوطني خلال الفترة الراهنة، لخوض بقية طريقه الطموح حتى نهاية 2030 «تسعة أعوام وشهرين»، وصوب عينيه مستهدفات طموحة جدا، قدرت مواردها بنحو 27 تريليون ريال، سيتشكل اقتصادنا الوطني وفقا لتلك المستهدفات وصول حجمه الإجمالي إلى نحو 6.4 تريليون ريال، بمعدل نمو سنوي مستهدف في المتوسط يتجاوز 10 في المائة، ورفع نسبة الاستثمار من الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 30 في المائة، مقارنة بنسبته الراهنة 22 في المائة، وخفض معدل البطالة إلى ما دون 7 في المائة بنهاية الفترة، وغيرها من المستهدفات الطموحة بالاعتماد على عشرات المبادرات والبرامج التنفيذية، كان من أبرزها ما تم الإعلان عنه أخيرا بالتزامن مع إعلان الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، التي ضمت مبادراتها وبرامجها نحو 40 مبادرة تنفيذية، تستهدف تقديم فرص استثمارية نوعية للقطاع الخاص في عديد من القطاعات على مستوى جميع مناطق المملكة، ولجميع أنواع المستثمرين، من بينها: مبادرة تسريع الصفقات الاستثمارية ذات الأولوية بتوفير حوافز مناسبة، وتسريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص وبرامج التخصيص، وإطلاق برنامج جذب سلاسل الإمداد، وربط منصة استثمر في السعودية بجميع الفرص الاستثمارية في المملكة، وإطلاق مناطق اقتصادية خاصة بتشريعات مناسبة ومحفزة، وتقديم خدمات متميزة لكبار المستثمرين الاستراتيجيين بمن فيهم المحليون والدوليون، وإنشاء مركز إقليمي للشركات الناشئة لتعزيز ريادة الأعمال في المملكة.
بالنظر إلى الأحجام العملاقة جدا لتلك الطموحات والمشاريع التنموية التي ستناهز مواردها نحو 27 تريليون ريال، والتي ستتوزع مسؤولية ترجمتها على أرض الواقع حتى نهاية 2030 على كل من القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع، فلا بد في ضوئه من العمل المتكامل على تمهيد الطرق كافة الموصلة إلى تحققها، والعمل بكفاءة عالية جدا على تذليل أي عقبات أو معوقات قد تعترضها بأي حال من الأحوال، وهو ما بدأ العمل به منذ اللحظة الأولى لانطلاق العمل المتكامل على تحقيق رؤية المملكة 2030 منذ منتصف 2016 حتى تاريخه، ويتطلع الجميع «القطاعان الحكومي والخاص والمجتمع» إلى استمرار تلك الجهود الخيرة والمهمة، وأن تتسع دائرتها بأكبر قدر ممكن.
إن من أهم ما يجب أن تتسع دائرة التركيز على معالجته، ما هو متمثل في التضخم الراهن والمستمر لأسعار الأراضي في مختلف المدن والمحافظات، الذي تسبب وجوده في رفع تكلفة الإنتاج والتشغيل على القطاع الخاص، ووصل إلى مستويات مكلفة جدا على كاهل منشآته، حدت كثيرا من قدرته على التوسع والنمو والتوظيف على الرغم من النتائج الإيجابية التي يسجلها خلال الفترة الراهنة، وكي يستمر القطاع في تحقيق معدلات نمو أعلى وبصورة أكثر استدامة خلال الأعوام المقبلة، وليتمكن من امتصاص أعداد أكبر من الموارد البشرية المواطنة الباحثة عن عمل، ولتتوافر لديه القدرة الكافية لدفع أجور شهرية مجدية، إضافة إلى زيادة اجتذاب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية واستغلال الفرص المحلية، التي لن تستطيع مقاومة إغراءات الأرباح الهائلة الناتجة عن المتاجرة والمضاربة على الأراضي دون أي تكلفة، ودون أي قيود أو ضوابط، ما يلغي بدوره وجود أي شكل من أشكال المنافسة، بين أوعية استثمارية «خاملة ممثلة في الأراضي» تدر عوائد سنوية تناهز 100 في المائة، وأخرى منتجة «ممثلة في استغلال الفرص الاستثمارية والإنتاجية» المستهدفة باجتذاب الاستثمارات المحلية والأجنبية إليها.
أمام كل ما تقدم ذكره، لا بد من العمل المتكامل وبكفاءة أقوى على معالجة تلك التشوهات، وما تسببت فيه من ضعف تدفق الاستثمارات والثروات على القطاعات المنتجة في الاقتصاد الوطني، وفي المقابل زادت اجتذابها للمدخرات والثروات باتجاه الاكتناز والمتاجرة والمضاربة فقط على الأراضي، ودون أي مساهمة في النمو الاقتصادي، أو في زيادة فرص العمل، أو في نتيجة إيجابية أخرى تتجاوز المكاسب الضيقة المتحققة للملاك والمضاربين على الأراضي!
سبق لوزير الصناعة والثروة المعدنية أن تحدث بصراحة بالغة حول هذا الجانب تحديدا في أحد لقاءاته الإعلامية أخيرا، وتأكيده خلالها على صعوبة اجتذاب المستثمرين محليا أو من الخارج للاستثمار في البيئة المحلية، في الوقت ذاته الذي نجد العوائد على اكتناز الأراضي والمضاربة عليها، تتجاوز بعدة أضعاف العوائد على تلك الفرص الاستثمارية الواعدة، والمجدية للاقتصاد الوطني والمجتمع! إننا ونحن جميعا قد بدأنا السير في طريق الوصول إلى مستهدفات رؤية المملكة 2030، لا بد من البدء بالمعالجة الجذرية لذلك الملف المتعلق بتضخم الأراضي، والأسباب التي أدت ولا تزال إلى حدوثه واستمراره بالصورة الراهنة، والعمل فورا بصورة متكاملة على القضاء عليه في أقرب وقت، وقبل أن تتعاظم مشكلته وتحدياته أكثر مما هي عليه الآن. وللحديث بقية بمشيئة الله تعالى.
نقلا عن الاقتصادية