حققت المملكة العربية السعودية تقدماً غير مسبوق في مجال الخدمات الإلكترونية الحكومية في مجالات حياتية عدة، من بين أبرزها وأهمها: في المجال الصحي والمجال التعليمي ومجال الاتصال المرئي الآمن ومجال المحاكم، وأخيراً وليس آخراً في مجال الحج والعمرة.
وقد تم دعم مسيرة التحول الرقمي في الخدمات الحكومية في المملكة، برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية "يسر"، الذي هَدف منذ تأسيسه في عام 2005 إلى تحقيق التفوق في تنظيم الحلول الرقمية وتوفيرها للجهات الحكومية، إلى جانب الرفع من كفاءة القطاع الحكومي وتمهيد الطريق للجهات الحكومية لتوفير خدمات ذات جودة وكفاءة للأفراد وقطاع الأعمال، إلى جانب رفع العوائد الاستثمارية وإضافة القيمة للاقتصاد الوطني.
ويُعد نظام "أبشر" الإلكتروني الذي أطلقته وزارة الداخلية السعودية، النظام الإلكتروني الرائد في تقديم خدمات إلكترونية حكومية متنوعة ومتعددة للمواطنين والمقيمين وتمكينهم من إجراء المعاملات الخاصة بهم دون الحاجة إلى مراجعة الإدارات الحكومية، كونه يربط بين جميع القطاعات الحكومية إلكترونياً. يذكر أن التطبيق يخدم 23 مليون مشترك ويقدم أكثر من 200 خدمة حكومية إلكترونية للأفراد ولقطاع الأعمال.
ويأتي إنشاء هيئة الحكومة الرقمية حديثاً، لدعم ومأسسة الخدمات الحكومية الإلكترونية، سواء التي تقدمها الجهات الحكومية للمواطنين والمقيمين عبر مختلف التطبيقات، أو التي تربط بين الجهات الحكومية بعضها ببعض. حيث تهدف الهيئة من بين مهامها المتعددة، إلى المشاركة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية، ووضع المعايير الفنية لنماذج التحول الرقمي الحكومي، وحوكمة اعمال السحابة الحكومية الرقمية والسحابات ذات العلاقة بالحكومة الرقمية، وبناء القدرات الوطنية المتخصصة في الحكومة الرقمية.
وقد شهدت الخدمات الحكومية الإلكترونية في المملكة منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد نقلة ضخمة وقفزة نوعية لربما تكون النقلة والقفزة الفريدتان على مستوى العالم، وبالذات في مجال الصحة ومجال التعليم عن بعد، بما في ذلك في مجال الاتصال المرئي الآمن. ولعل خير دليل وشاهد على تلك النقلة النوعية، ظهور العديد من التطبيقات الحكومية الرائدة، مثل تطبيق "توكلنا" على المستوى الصحي، ومنصة "مدرستي" في مجال التعليم عن بعد، ومنظومة "بروق" لتقديم خدمات الاتصال المرئي الآمن وعقد الاجتماعات الافتراضية محليا وعالميا بشكل موثوق ومرن، وأخيراً منصة "إحسان" التي تتيح العديد من فرص التبرع الآمن والموثوق في مجالات إحسان متعددة.
وفي ظل الانتشار المذهل للخدمات الحكومية الإلكترونية خلال السنوات القليلة الماضية، وبالذات منذ تفشي جائحة فيروس كورونا، إذ يقدر عدد المواقع والمنصات والتطبيقات الحكومية، بما في ذلك المواقع الإلكترونية بنحو 1000 موقع ومنصة وتطبيق، في حين تجاوز عدد الخدمات الحكومية الإلكترونية المقدمة للمواطنين والمقيمين الـ6000 خدمة، والذي بدوره فرض الحاجة إلى حوكمة الخدمات الحكومية في ظل انتشارها على نطاق واسع جداً وازدحامها في نفس الوقت.
ومن هذا المنطلق، حرصت الدولة على أن تكون الحكومة الرقمية ضمن أولويات الرؤية الطموحة 2030، بحيث ليس فقط أن تتبوأ المملكة مراكز متقدمة على مستوى العالم المرتبطة بتقديم خدمات حكومية إلكترونية متقدمة فحسب، ولكن أيضاً ان تكون خدمات وتعاملات مأمونة وموثوقة، تخضع لأفضل التطبيقات والممارسات العالمية في الحوكمة، وبالذات وأن المملكة قد حققت مراكز ومؤشرات متقدمة للغاية في مجال النضج الإلكتروني على مستوى العالم. حيث على سبيل المثال لا الحصر، حققت المملكة قفزة نوعية بمجيئها ضمن التصنيف الأعلى لمؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية للعام 2020، واستمرت في تميزها خلال العام الجاري 2021 لتحل الثانية عالمياً بين دول مجموعة العشرين ضمن تقرير التنافسية الرقمية الصادر عن المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، وأخيراً وليس آخراً، جاءت المملكة ضمن المجموعة الأولى لأعلى الدول الرائدة والمبتكرة في مجالي تقديم الخدمات الحكومية والتفاعل مع المواطنين، حسب تقرير GovTech الصادر عن البنك الدولي، إضافة إلى مستويات النضج الرقمي العالية، حيث تجاوزت في مؤشر نضج الخدمات الحكومية الرقمية مستهدف النصف الأول من العام الجاري بواقع 83.36%.
دون أدنى شك في ظل ما تشهده المملكة من تحول رقمي مذهل وازدحام الخدمات الحكومية الإلكترونية، فقد حان الوقت لحوكمتها من خلال حوكمة المنصات والتطبيقات الحكومية الرقمية، سعياً إلى توحيد الجهود، بغية مواءمة الإجراءات الحكومية، وتحقيق الاستثمار الأمثل للأصول القائمة، وتحسين الكفاءة التشغيلية وبناء الكوادر الوطنية المؤهلة للارتقاء بالخدمات الحكومية الإلكترونية.
إن حوكمة الخدمات الحكومية الإلكترونية، ليس فقط سيساعد على الرفع من الكفاء التشغيلية للمنصات والتطبيقات الحكومية فحسب، بل إنه سيوفر الجهد والتكاليف ويعمل في نفس الوقت على صيانة الموارد الاقتصادية من الهدر والتبديد، سيما وأن الحوكمة ستعمل على إيجاد تجانس وانسيابية في تقديم الخدمات وتفادي ازدحامها بلا مبرر أو تداخلها مع بعضها البعض وتكرارها، هذا بالإضافة إلى جعلها صديقة لاستخدام المستفيدين والبيئة معاً وعلى حدٍ سواء.
نقلا عن الرياض